رئيس التحرير
عصام كامل

جودة عبد الخالق : 86% من ميزانية مصر تذهب للديون وفوائدها .. وكل 100 جنيه يتبقى منها 14 .. وأحذر من استمرار الاستدانة ( حوار )

الدكتور جودة عبد
الدكتور جودة عبد الخالق
لاتوجد إستراتيجية لتقليص الاستدانة عكس كلام الحكومة وننبه  لخطر عدم وجود إستراتيجية لمشكلة الديون 

الديون تمثل الثقب الأسود للمالية العامة فى مصر وليست فى الحدود الآمنة

يجب زيادة مخصصات الصعيد .. ولا يعقل أن يخصص لتنميته فى الميزانية 250 مليون جنيه فقط

الزيادة الـ 8% فى بند الأجور لا تكفى فى ظل حالة التضخم وارتفاع الأسعار

الدعم النقدى بدلا من العينى يتطلب السيطرة على الأسعار حتى لا يصبح التحول حق يراد به باطل

تقديم دعم من الموازنة للمعاشات بعد الاستيلاء على أموالها من جانب الحكومة فى 2005 يحتاج لوقفة وتصحيح

رجعية الضريبة نوع من الظلم الاجتماعى وأقترح زيادتها لأكثر من النصف

تخصيص 114 مليار جنيه تحت بند "مصروفات أخرى" دون توضيح ذلك أمر بعيد عن الشفافية

يجب تخفيض المصروفات بنسبة 10% بما يعادل نصف ما يخصص للأجور وتعويضات العاملين

لا بد من زيادة المبالغ المخصصة للتعليم والتدريب ومحو أمية بعد أن أصبحت نسبة الأمية لدينا 27%

يعكس مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي ٢٠٢١/ ٢٠٢٢، التوجيهات الرئاسية بتعظيم أوجه الإنفاق العام للارتقاء بمستوى معيشة المواطنين، والخدمات المقدمة إليهم، رغم ما تفرضه أزمة «كورونا» من تحديات، من خلال استمرار جهود تحسين جودة البنية التحتية، والمرافق، وتعزيز التنمية البشرية خاصة بقطاعي الصحة والتعليم.

ومساندة بعض المشروعات القومية، مثل المشروع القومي لتطوير الريف المصرى، جنبا إلى جنب مع استمرار مساندة الأنشطة الإنتاجية والفئات الأكثر تأثرا بالجائحة، دون الإخلال باستدامة مؤشرات الموازنة والدين، لتعزيز قدرة الاقتصاد القومي – وذلك حسبما أكد الدكتور محمد معيط وزير المالية فى وقت سابق -. 

تفاصيل ومعلومات مهمة وقراءة دقيقة ورصينة ورؤية مغايرة يطرحها المفكر الاقتصادي الكبير وأستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ووزير التضامن السابق الدكتور جودة عبد الخالق، كاشفًا بالأرقام إيجابيات وسلبيات الموازنة العامة للعام المالي الجديد. كما يتحدث عن الدور المطلوب من الحكومة في التعاطي مع الموازنة الجديدة، ويتطرق إلى بنود الديون والقروض والأجور والدعم وغيرها..وإلى نص الحوار:

*فى البداية كيف ترى أرقام الموازنة العامة الجديدة للعام 2021/2022 من واقع قراءتك لها؟

هنا حقيقة يجب التطرق إليها وهى أن الموازنة العامة تستهدف إحداث تغيير إيجابى فى الناتج المحلى باعتبارها الأداة الرئيسية لإعادة توزيع الدخل بين المواطنين والجهات المختلفة ، فالأرقام الواردة بالموازنة العامة للدولة للعام المالى 2021/2022 تتضمن مصروفات 1.8 تريليون جنيه والإيرادات 1.4 تريليون جنيه، وبالتالى الفرق هنا 172 مليار جنيه، بالإضافة إلى أن صافى الحيازة من الأوراق المالية 3 مليارات جنيه ، ويضاف إليه 475 مليار جنيه العجز النقدى ، والذى تبلغ نسبته نحو 6.7% من الناتج المحلى.

وهنا من خلال نظرة قطعية نجد أن توزيع المصروفات يكون على 6 بنود رئيسية أهمها الأجور وتعويضات العاملين - شراء السلع والخدمات - فوائد الدين - الدعم - شراء الأصول غير المالية - المصروفات الأخرى، وهذه البنود أهمها: الدين وفوائد الدين.

* ولماذا ترى أن فوائد الديون وأقساطها هى الأهم من وجهة نظرك؟

هذه حقيقة فعلا، ففوائد الديون تصل إلى 580 مليار جنيه، فى حين أن أجور وتعويضات العاملين والدعم تصل لإجمالى فوائد الديون، خاصة أن الأجور 361 مليارا، والدعم والمنح وشراء السلع والخدمات باقى المبلغ، والاستثمارات تبلغ 358 مليارا فى حين أن الدين العام 580 مليارا، والدين يترتب عليه مدفوعات فوائد وأقساط ديون تبلغ 593 مليار جنيه.

وبالتالى لدينا نوعان من مدفوعات الفوائد والأقساط تصل إلى ألف و173 مليارا، ولو نسبنا هذا الرقم لإجمالى الإيرادات العامة للدولة نجد أنها تصل إلى 86% أى كل 100 جنيه يتبقى منها 14 جنيها، وهذا أمر بالغ الخطورة، الأمر الذى يجعلنا نتساءل ما هو معيار أن الدين فى الحدود الآمنة، وفقا لتصريحات الحكومة، وهو يمثل نحو 90% من الإيرادات.

وهنا نشبه الدين بالصخور السوداء فى الحسابات الفلكية، وبالتالى إذا أردنا الإصلاح المالى علينا أن نبدأ بتحجيم الديون وما يترتب عليها من أقساط وفوائد، وهو ما يجب أن تسعى إلية الحكومة حاليا بوضع إستراتيجية، وهذا ما جاء فى تصريح وزير المالية فى أبريل، بأن هناك إستراتيجية لتحقيق هذا الهدف وللأسف هذا غير حقيقى لأنه مستمر فى الاستدانة وهنا ننبه من خطر عدم وجود إستراتيجية لمشكلة الديون؛ لأنها تمثل عبئا اقتصاديًّا وسياسيًّا، أي إن المقدمات تؤدى إلى نتائج، ونحن فى القرن الحالى لدينا المقدمة فى عبء الديون، والتى تصل إلى 86% وهذه الديون تمثل الثقب الأسود للمالية العامة فى مصر.

* وكيف تواجة الحكومة هذه المشكلة من خلال الموازنة العامة الجديدة لعام 2021/2022؟

الحكومة عملت نحو 12 إصدار سندات أوراق مالية ، ويتم بيعها خارجيا، وآخرهم الاقتراض من بنوك النقد الدولى باستدانة جديدة، وهو قرض صندوق النقد فى يونيو 2020 بقيمة 5.2 مليار دولار إلى جانب طرح سندات ومن الشواهد على خطورة الوضع أن الحكومة تجد صعوبات فى سداد التزامات الدين، مما دفعها لطرح عملية مبادلة الديون على أن يكون الدفع بالجنيه.

وإقامة مشروعات تنموية لدينا ، ويجرى حاليا اتفاقيات مع إيطاليا وألمانيا وبلجيكا للدخول فى اتفاقيات المبادلة لكن الدلالة هى العجز عن سداد الديون، وهو ما يشكل عبئا على الموازنة العامة ككل وتمثل عبئا على العدالة الاجتماعية.

*وماذا عن الاستثمارات والأجور وتعويضات العاملين فى الموازنة العامة للدولة؟

مخصصات الاستثمارات فى الموازنة الجديدة تبلغ 358 مليارا، وهى مهمة لخلق مجالات إنتاج جديدة وضخ بناء جديد للاقتصاد المصرى، وهنا لا بد من إيضاح ما يوجد فى هذا البند للخطة الاقتصادية والاجتماعية لمعرفة قائمة المشروعات وكيفية الارتقاء بالوضع الاقتصادى.

أما بند الأجور وتعويضات العاملين فى موازنة 2020/2021 فكانت 335 مليار جنيه، وفى العام الجديد 2021/2022 زادت إلى 361 مليار بزيادة 26 مليار جنيه بما يعنى زيادة 8%، والسؤال هنا : هل تكفى هذه النسبة فى ظل حالة التضخم؟ خاصة أن الشواهد تقول إن هناك ارتفاعًا فى الأسعار، الأمر الذى يعنى تدهورًا فى الدخول وليس تحسنها، وهو ما يشكل ضغوطًا على الفئات الاجتماعية من الطبقة الوسطى والفقراء لخدمة مستحقات الدين.

أما عن بند الدعم للسلع التموينية بزيادتها إلى 87.7 مليار جنيه بعد أن كانت 83 مليار جنيه العام المالى 2020/2021 بزيادة بنسبة 5% فهو شيء جيد، ولكن أهم السلع التى يتم دعمها هو الخبز، والبيان المالى لوزير المالية يقول: نتوقع زيادة القمح بنسبة 32% فى وقت نستورد نصف احتياجاتنا من القمح، وبالتالى الحكومة إما أن تقوم برفع ثمن الخبز أو انتقاص وزنه، وهذا لن يحسن أوضاعه، وهو الأمر الذى يجعلها تفتح ملف الدعم النقدى بدلا من العينى مرة أخرى، لكن هذا يتطلب السيطرة على الأسعار فى الأسواق حتى لا تتحول عملية التحول للدعم النقدى إلى حق يراد به باطل.

*وما هو تقييمك لمخصصات الصحة والمعاشات فى الموازنة العامة الجديدة؟

لا شك أن مجال الصحة من الركائز الأساسية التى يقام عليها نهضة المجتمع ولذلك تتضمن الموازنة الجديدة تخصيص 108 مليارات بعد أن كانت العام الحالى 93.5 مليار جنيه بزيادة تبلغ 16.3%، وهذا وضع أفضل، وتأتي الزيادة على خلفية جائحة كورونا والإنفاق الضرورى لمواجهة الجائحة.

فضلا عن وجود تحول إيجابى فى التأمين الصحى الشامل، لكن فى نفس الوقت لدينا منشآت صحية فى حاجة للتطوير لإخراجها من حالة التردى، مثل مستشفى ميت غمر مثلا.

أما المعاشات، فيتم زيادتها فى الموازنة العامة الجديدة بنسبة 8% لـ10 ملايين مواطن وسداد القسط السنوى لصالح صندوق التأمينات والمعاشات بقيمة 180 مليارًا فى العام المالى الجديد، وهذا الأمر يمثل من وجهة نظرى حيلة لتقديم دعم من الموازنة للمعاشات بعد الاستيلاء على هذه الأموال من جانب الحكومة فى 2005، وهذا الأمر يحتاج لوقفة وتصحيح، وهو ما تم بإعادة سلطة التأمينات على إدارة أموال المعاشات، وهنا لا بد أن نشير إلى أن هذا الدعم غير كاف.

*وما هو مستهدف وزارة المالية فى الموازنة الجديدة من وجهة نظرك؟

وزارة المالية تقول إن المستهدف أربع ركائز للموازنة، هى استمرار تحقيق الانضباط المالى ومساندة النشاط الاقتصادى من خلال الدعم للمزارعين والمصدرين، خاصة أن دعم المزارعين 250 مليون جنيه، وهذا مبلغ ضئيل قياسا بمبلغ دعم المصدرين فى ظل المعاناة التى يتحملها الفلاح مع مستلزمات الإنتاج وتبطين الترع كان أمرا جيدا، لكننا فى حاجة إلى سياسات وليس تقرير مبلغ مالى لهذه القطاعات.

* وما هى موارد الموازنة فى رأيك؟

لم تتحدث الحكومة عن مواردها ، لكن الإيرادات فى مجموعها 1.4 تريليون جنيه ككل، ونجد أن الضرائب 983 مليارا منها الضرائب العامة نحو 390 مليار جنيه، وضريبة القيمة المضافة 390 مليارا، والضرائب الجمركية 42 مليارا، وباقى الإيرادات من الضرائب الأخرى، وهنا لا بد أن نشير إلى أن الضرائب غير المباشرة تقع على عاتق الأقل دخلا ، وهذا ما يسمى مبدأ رجعية الضريبة، وهو نوع من الظلم الاجتماعى.

وهنا أقترح زيادة الضريبة العامة لأكثر من النصف، خاصة أن الكثير من الدول ومنها مصر تأخذ بالضريبة التصاعدية على الدخل، لكن لدينا يتم تطبيق ذلك شكليا، بالإضافة إلى أن هناك أنشطة تأخذ عليها ضريبة، مثل معاملات البورصة، وهذا يضيع أموالا طائلة.

*وما هى البنود الموجودة بالموازنة وتتطلب ترشيدا للإنفاق فى رأيك؟

بالتأكيد لدينا بنود يمكن الترشيد فيها، منها تخصيص 114 مليار جنيه تحت بند مصروفات أخرى دون توضيح ذلك، وهو أمر بعيد عن الشفافية وهذا المبلغ يمكن ترشيده بنسبة 50%، خاصة أنه غير مرتبط بخدمة المواطن إلى جانب إمكانية الترشيد فى شراء السلع والخدمات إلى جانب بند الدعم والمنح، أضف إلى ذلك أن إجمالى المصروفات 1.8 تريليون جنيه، فلن تكون هناك مشكلة فى حالة تخفيض المصروفات بنسبة 10% بما يعادل 184 مليار جنيه.

وهو ما يعادل نصف ما يخصص للأجور وتعويضات العاملين، أيضا يمكن التوفير والترشيد فى مجالات الاستثمارات المحددة بـ358 مليارًا يمكن ترشيدها دون أن تتأثر الاستثمارات من خلال إعادة النظر فى المستفيدين، لذلك كنا نطالب بالتحول من ميزانية المخصصات إلى ميزانية البرامج والأداء، فمثلا لو أردنا تخفيض كثافة التلاميذ بالفصول فهذا يتطلب بناء فصول جديدة وبالتالى الترشيد مطلوب.

* هل هناك بنود فى الموازنة الجديدة تحتاج إلى زيادتها من وجهة نظرك؟

نعم على رأسها زيادة مخصصات تنمية الصعيد؛ لأنه لا يعقل أن تكون تنمية الصعيد فى الميزانية 250 مليون جنيه فقط، وهو أقل من عشر المبلغ المخصص لدعم الصادرات التى يحصل عليها المصدرون، بالإضافة إلى أهمية زيادة المساهمات فى صندوق المعاشات، والتى تصل إلى 135 مليارًا، إلى جانب ذلك لا بد من زيادة المبالغ المخصصة لإعداد العنصر البشرى من تعليم وتدريب ومحو أمية بعد أن أصبحت نسبة الأمية لدينا 27%، وهذا يتطلب زيادة المخصصات.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية