رئيس التحرير
عصام كامل

الدكتور إسماعيل عبد الجليل يفتح جراح الزراعة المصرية ويصف الدواء : التصحر العدو الأول لأمننا الغذائي ويهدد 14% من مساحة مصر ( حوار )

الزميل أحمد ممدوح
الزميل أحمد ممدوح يحاور د. إسماعيل عبد الجليل

الرئيس السيسى أول رئيس مصري تصدى لظاهرة التصحر بشجاعة وفضح فسادها الخفي المتراكم منذ عهود سابقة

التصحر هو القاتل الصامت للزراعة في مصر و 14%  من مساحة مصر تواجه مخاطر بسببه

حتى عام 2010 كنا نفقد سنويا 30 ألف فدان من أخصب الأراضي بالدلتا بمعدل 3.5  فدان كل ساعة

اللجنة التنسيقية العليا لمكافحة التصحر لم تعقد اجتماعا واحدا منذ 17 سنة

الحكومة تدعم مزارعي العالم على حساب فلاحنا وتدعم المصدرين على حساب المنتجين

العالم يدعم الفلاح في الغيط ونحن ننافسه في السوق

مازلنا نرى الفلاح باعتباره منتج غذاء بينما يراه العالم حاليا " مانح حياة " .. والاتحاد الأوروبي يدعم مزارعيه بمليار يورو يوميا

السياسات العامة في مصر "عقابية" بينما السياسات العامة في المجتمع الغربي "حافزية"

زراعة إثيوبيا لمخدر القات بمياه الأمطار يتنافى مع القيم العالمية الرافضة للمخدرات

يجب إضافة  ملف " المياه الخضراء " إلى مفاوضات سد النهضة

ظاهرة " سمك لبن تمر هندي " تسيطر على الزراعة المصرية

يوسف والي أنشأ في الثمانينات وحده لرصد الزحف العمراني بالتعاون مع الجيش من خلال صور جوية

مشروع تأهيل الترع مهم لكن تحسين الصرف الزراعي أهم

سوء الصرف مسئول عن تدهور الأراضي وتراجع إنتاجية المحاصيل

يمكن زيادة إنتاجية من المحاصيل 50% دون استصلاح أراضي جديدة

الاختيار الذكي لموقع مشروع الدلتا الجديدة يدعو للتفاؤل

مشكله البحث العلمي في الإدارة وليس التمويل

من السهل أن يطرح الخبراء وأصحاب التجارب المختلفة آرائهم في عديد من القضايا، لكن  قليلون هم اللذين يصلوا إلى مرحلة التحليل العلمي بدافع الإصلاح والمشاركة المجتمعية لتقديم الحل قبل النقد.

وهو ما لمسته من متابعتي للدكتور إسماعيل عبد الجليل مدير الأكاديمية العربية للمياه على صفحته بالفيسبوك أو خلال المؤتمرات التي تحدث فيها وتابعت بعضها أو من واقع السيرة الذاتية لمساره الوظيفي والعلمي الحافل والملفت بشكل يجعلك تتأكد إنك أمام شخص حاز ثقة كل من أرادوا تنفيذ خطط إصلاح حقيقية، وتحقيق نجاحات كبرى في مصر من خلال إنسان يجيد توظيف كافة الإمكانات التي حوله لخدمة المنظومة الجماعية والوصول إلى مراتب عالية من النجاح سواء في الحكومة أو القطاع الخاص.

كل ذلك دار في ذهني حتى التقيت الدكتور عبد الجليل شخصيا ليدور بيننا هذا الحوار بمقر موقعه الوظيفى الحالى كمدير للأكاديمية العربية للمياة، وهي المهمة التي يكافح فيها لإيجاد أفضل الحلول لمستقبلنا المائي الغامض، بعد أن تبوء مناصب متعددة صقلت تجربته العملية والعلمية سواء كرئيس لمركز بحوث الصحراء أو المستشار الزراعي لمصر في الولايات المتحدة وغيرها من المناصب الدولية والحكومية الرفيعة التي ترك فيها بصمة العالم الناجح والإداري الواعي.

يقول عبد الجليل أن تجربته العلمية والعملية صنعت منه رجلا "متفائلا" على عكس كثيرون خرجوا من تجارب الاصلاح بنتيجة "مفيش فايده "..  وهو يدعو الناس للتفاؤل بعد أن توصل ليقين أن مشاكلنا "عبيطه".

كما وصفها في سخرية تشوبها المرارة، وهو الآن يدق ناقوس الخطر لأهم القضايا التي تهدد أمن مصر الغذائي وقد تعصف بقوتها ولا يكتفي بذلك بل يقدم الحلول العملية سهلة التطبيق إذا توافرت الإرادة اللازمة للإصلاح وتغيير الواقع إلى الأفضل... وإلى تفاصيل الحوار:
 
*دكتور إسماعيل.. ما هو الخطر الأكبر الذي يهدد الزراعة في مصر الأن ؟

التصحر.. هو الخطر الأكبر الذي يواجه الزراعة في مصر، ومشكلة تلك الظاهرة أنها غير مرئية لغير المتخصص حين يشكو الفلاح من تدهور تدريجي في إنتاجية الأرض وتواضع عائده دون أن يدري المسمى العلمي والتشخيص الفني لشكواه، وهو التصحر.

ولذا يطلق العلماء على تلك الظاهرة " القاتل الصامت "، فهي أشبه بالسرطان عندما ينتشر تدريجيا في باطن الأرض مسببا ضعف الأنشطة الحيوية اللازمة للنمو والإنتاجية المثلي، وفي غياب الرصد المبكر تتدهور خصوبة الأرض والإنتاجية بشكل يصعب علاجه أو نجد انفسنا أمام روشته علاج باهظة التكاليف وهو ما يجعلنا أمام ظاهر تصحر غير عكسي أي لا يمكن رده إلى الحالة الأولى.

وهناك مظاهر عديدة في مصر للتصحر وأبرزها الأراضي الزراعية في الجيزة والقليوبية والمنوفية وغيرها من المحافظات التي شهدت زحفا عمرانيا بمعدلات غير مسبوقة رصدتها صور الأقمار الاصطناعية حتى عام 2010 في تقرير منشور أشار إلى إننا نفقد سنويا  حوالي 30 الف فدان من آخصب الأراضي بالدلتا أي بمعدل 3.5  فدان كل ساعة !! وارتفع هذا المعدل إلى 5 فدان كل ساعة أثناء ثورة 25 يناير والسنوات التاليه لها .


 



*كيف يهدد التصحر مصر ؟

التصحر يهدد الأمن الغذائي كونه مسببا لانخفاض إنتاجية الأراضي الزراعية محدودة المساحة والتي لا تتناسب مع الزيادة السكانية المضطرده إلى حد أن نصيب المواطن في مصر من الأرض الزراعية صار قيراطين لا تكفيان إشباع احتياجاته الغذائية حاليا ويتوقع تناقصها مستقبليا بالطبع في ظل تحديات التوسع الأفقي لمحدودية مياه الري المتاحة.

وبالأخص أننا نقع جغرافيا في منطقة شديدة الجفاف حيث تندر الأمطار التي لا تتجاوز 1.5  مليار متر مكعب في السنة وفدان الأرض الزراعية في بلدنا يطعم حوالي 12 مواطنا وبفقده في الزحف العمراني وخروجه من الإنتاج يعني فقد هذا العدد لمصدر غذاءه الذي يتم تعويضه بالاستيراد بفاتورة باهظة التكلفة . فالتصحر تسبب في انخفاض إنتاجية أرضنا الزراعية بمقدار 30 % عن الإنتاجية القياسية.

*لكن كيف يمكننا رصد مظاهر التصحر قبل فوات الأوان؟

هذا هو الدور الغائب للحكومة المسئولة عن الرصد المبكر من خلال اللجنة التنسيقية العليا لمكافحة التصحر التى لم تعقد اجتماعا واحدا منذ 17 سنة ، والغريب أن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء أصدر بيانا منذ عده شهور ينفى شائعة تعرض أرضنا الزراعية لحالة تصحر.

فى نفس التوقيت الذي تصدي فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي لفساد التعدي على الأراضي الزراعية الذي اغتصب طبقا لتقارير الحكومة ذاتها 400 ألف فدان من أخصب الأراضي بالبناء عليها خلال العشر سنوات الأخيرة فقط.

وهو مايؤكد أن الحكومة لا تدرك أن المسمى العلمي لتلك الوقائع أو الجرائم هو " التصحر " .. لذا فإن الرئيس السيسي هو أول رئيس لمصر يتصدى لتلك الظاهرة بشجاعة ويفضح فسادها الخفي المتراكم في عهود سابقة.

ومن هنا تبرز أهمية الرصد المبكر لتعديات الزحف العمراني على أرضنا الزراعية المحدودة من خلال صور الاقمار الصناعية شرط توفيرها للمؤسسات العلمية والأجهزة التنفيذية المعنية لتحليلها واتخاذ الاجراءات المناسبه فى توقيتها المبكر حتى لا تذهب الصور الفضائية الى أرشيف يعلوه الأتربة دون تفعيل أو استخدام.

وهو ماحدث بالفعل فى عهد د. يوسف والي عندما أنشأ فى الثمانينات وحده لرصد الزحف العمراني بالتعاون مع الجيش من خلال صور جوية تحولت إلي 26 ألف خريطة تسجل لأول مرة الاحوزة العمرانية عام 1986 وتم تسليم خرائطها للمحافظين آنذاك للمتابعة والرصد الدورى.

ويبدو أن المحافظين اكتفوا بحفظ الخرائط فى آرشيف محافظاتهم حتى ايقظهم الرئيس السيسى أخيراً  على واقع التعديات المتراكمة فى محافظاتهم، والتى كان يمكن تفاديها لو لم تذهب خرائط يوسف والي إلي غياهب الأرشيف.

السبب الآخر لظاهره التصحر والذى تأخرنا فى رصده وعلاجه حتى الأن هو سوء الصرف الزراعى والارتفاع المستمر لمستوى الماء الأرضي بما اسفر عن ارتفاع ملوحة التربة الزراعية وانتشار أمراض أعفان الجذور ونقص انتاجيه المحاصيل وهناك 2 مليون فداناً فى الدلتا تعاني سوء الصرف.

بالإضافه إلي الأراضى الجديدة فى النوبارية والصالحية وغيرها، واتمنى أن يولى وزير الري النشط د. محمد عبد العاطى اهتماما بعلاج مشكله سوء الصرف بنفس الهمه والحماس الذى يتابع بها عمليه تطوير وتبطين الترع الذي يعتبر من أهم المشروعات القومية لكن تحسين الصرف الزراعي أهم بكثير.

ويجب أيضا تكليف مركزى بحوث الصحراء والزراعية وغيرها بالجامعات الاقليمية بالرصد الدوري لخصوبة الاراضي الزراعية وانتاجية المحاصيل بها لتوفير العلاج المبكر لها .

من هنا أؤكد أن انتاجية أرضنا الزراعية الحالية يمكن رفعها بنسبة 30 % بمكافحه أسباب التصحر وبنسبه 20 % بخفض نسبه فاقد الحصاد والتسويق والتخزين، أى إننا نستطيع رأسيا زياده انتاجنا الزراعى بنسبه 50 % من نفس المساحة الحالية بدون أى توسع أفقى .

*هل لدينا في مصر هيئة مسئولة عن  مكافحة التصحر ؟

المفروض أن مركز بحوث الصحراء التابع لوزاره الزراعة هو النقطة الوطنية المسئولة عن متابعه حاله التصحر بمصر مع السكرتارية التنفيذية لاتفاقيه الامم المتحده لمكافحة التصحر التى تشارك مصر فى عضويتها منذ عام 1995.

وهناك لجنة تنسيقية عليا لمكافحة التصحر برئاسة وزير الزراعه وعضوية وزراء الرى والبيئة والحكم المحلى والصناعة وغيرها من الوزارت المعنية باعتبار أن مكافحة التصحر تستلزم التنسيق والتعاون بين تلك الجهات.

الطريف أن اللجنة التنسيقية العليا لم تعقد اجتماعا واحدا لها منذ عام 2004 وحتى الآن، حتى ولو من باب مشاركة رئيس الجمهورية جهوده الأخيرة فى وقف وتجريم التعديات على الارض الزراعية.

ويبدو أن مشكلتنا فى مصر سوف تظل تعريف المسئولين بكافة درجاتهم ومستوياتهم بمفهوم التصحر وأسبابه وكيفية مكافحته حتى يمكنهم المشاركة الفعالة وبالأخص فى الفتره الحالية التى نتحدث فيها عن استراتيجية التنمية المستدامة حتى 2030 والتى لا يمكن انجازها بدون مكافحه التصحر لأن التصحر هو المرادف العكسي للتنمية.

وهناك خبر سار علمت به الشهر الماضى أن مركز المعلومات بمجلس الوزراء بصدد انشاء لجنة لرصد ظاهره التصحر باعتبارها أحد اشكال ومخاطر الكوارث البيئية وهو تغيير أسعدنى للتعامل مع الظاهرة من " نفى شائعة " الى "حقيقه واقعة " مما يدعو للتفاؤل .

*كيف ينظر العالم إلى ظاهرة التصحر ؟

الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لا يعنيهما فى قضيتى التصحر والتغيرات المناخية سوى تفادى توابعهما القادمة من الدول التى تتعرض للتصحر وأبرز تلك التوابع هي الفقر والهجرة غير الشرعية والتطرف والإرهاب ، وعلينا الاستفاده من البرامج والمشروعات الدولية التى تمول مكافحة التصحر ، كذلك يجب على الحكومة الالتزام بتخصيص 10 % سنويا من موازنتها لصندوق مكافحة التصحر  .

*كيف ترى ظاهرة هجره الفلاح لحرفة الزراعة وكيفيه علاجها ؟ 

هجرة الفلاح حرفة الزراعة إلى أعمال هامشية فى المدن هى ناتج سياسات زراعية فاشلة جعلت الزراعة حرفة خاسرة لا تحقق العائد الأمثل للفلاح وأسرته نتيجة ارتفاع تكلفه الانتاج بعد رفع الدعم عن مستلزماته فى اطار سياسات تحرير الزراعة والاصلاح الاقتصادى.

وهي سياسات لم تكتف برفع دعم الانتاج بل بمنافسة الفلاح فى تسويق محصوله باستيراد سلع منافسة من السوق العالمى، أي إننا ندعم مزارعى العالم على حساب فلاحنا ونفس التناقض نجده فى دعم الحكومة للمصدرين وانكاره على المنتجين.

فنحن نشهد كل عام منافسة الدولة للفلاح في الأسواق وقطع سبل الربح من الزراعة عليه مثل عدم استفادة الدولة من محصول الذرة الصفراء مثلا في ظل أزمة الأعلاف الطاحنة بل واستيراد كميات كبيرة من الذرة تنافس المنتج المحلي، إلى جانب حظر تصدير الفول البلدي وتكبيد المزارع خسائر كبيرة بسبب هذا القرار ومنافسة الدولة لمنتجي الدواجن باستيراد الدواجن المجمدة في غير أوقات نقص الإنتاج المحلي..إلخ.

وهي كلها أمور تحدث بسبب غياب التخطيط والمشاركة الفعالة من الدولة للمزارع في الإنتاج، لكن إذا شاركت الحكومة الفلاح من الانتاج حتى الحصاد والتسويق سوف يتغير الأمر كثيرا وهو ما طبقناه في مركز بحوث الصحراء عندما كنا نشارك البدو في الزراعة.

وندير معه المعاملات الزراعية بالكامل منذ البداية حتى الحصاد حينما  نقتسم معه  العائد المتفق عليه بيننا والذى  يفوق عادة العائد الذى اعتاده سابقا بفضل المعاملات الزراعية الجيدة والحديثة التقاوي المحسنة ومستلزمات الانتاج بشكل كامل والخبرات العلمية والإرشادية .

*وكيف نستفيد من تجارب العالم في دعم الفلاح ؟

نحن مازلنا نرى الفلاح برؤيه انتهى عصرها فى العالم، باعتباره منتج غذاء بينما يراه العالم حاليا " مانح حياة " فهو بممارسة حرفة الزراعة ينتج للكون غاز الأكسجين ويستهلك  منه الكربون للحد من غازات الاحتباس الحرارى المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض والتغيرات المناخية.

لذلك أوصت لجنة التنمية المستدامة بالأمم المتحده عام 2008 بمنح الفلاح حافزا لاستبقاءه فى ممارسة حرفة الزراعة للحفاظ على الكون من الفناء، فالاتحاد الاوربي يدعم مزارعيه بمليار يورو يوميا، لذا تبرر أمريكا وأوربا وغيرها من الدول دعم مزارعيها بالرؤية الجديدة لدورهم فى حفظ الكون وبقاءه وهو التبرير الأكثر قبولا من المجتمع الدولى الذى اعتاد انتقاد سياسات دعم الفلاح في الدول الغنية على حساب الدول  الفقيرة أوالنامية


*ألا تلاحظ أن الإشكاليات معروفة وحلولها واضحة..لماذا لا نأخذ بالحلول إذن ؟

مشكلتنا الكبرى فى مصر اعتياد واضعي السياسات على الأسلوب السهل فى الاصلاح وهو السياسات العقابية بالغرامات الحاصدة لإيرادات الخزانة الحكومة على حساب الأسلوب الآخر الأكثر فعالية واستدامة وهو السياسات الحافزية الجاذبة الفلاح وغيره.

وهي إشكالية في العقل الجمعي المصري وقد تكون نتاج التربية الأولى في المنزل، فنحن لا نرى إلا وجوب عقاب المخطىء والضرب بيد من حديد ، بينما السياسات العامة في المجتمع الغربي "حافزية"، أي تدفع الإنسان إلى التصرف الصحيح وتكافئه عليه وهذا هو الفارق لأن السياسات الحافزية تحقق عائد اقتصادي أعلى بكثير.

لأنها تشجع الفرد على الإنتاج والاستمرار في منظومة العمل والاستجابة لعمليات التطوير، ولكن للاسف الحكومة لا تنظر للمزارع حاليا كشريك وهو سر الفجوه التى يصعب انكارها بينها وبينه.


*هل يعمق سد النهضة من آثر التصحر في مصر؟

بالتأكيد.. في حالة مواصلة إثيوبيا نهجها العدائي ضد مصر وحقوقها الأساسية في مياه النيل فنحن نتحدث عن احتمالات نقص في حصتنا التي لا تتحمل ذلك، ووقتها سنواجه تحديات صعبة على مستوى توفير الغذاء لنقص مياه الري.

وفي الحقيقة أن نهر النيل في المجمل ضعيف الإيراد مقارنة بنهر الكونغو مثلا الذي يشكل مجمل إيراده السنوي 14 ضعف إيراد نهر النيل وهو ما يخلق التنافس والنزاع حول الموارد المحدودة للنيل خاصة مع وجود 10 دول تشترك في هذا الحوض.

ولكن رغم ذلك يجب أن ننظر أيضا إلى الموارد المائية لتلك الدول ونضمنها داخل مفاوضات سد النهضة وخاصة إثيوبيا التي تشكل المياه الخضراء  عصب الاقتصاد القومي فيها ويجب أن يضم ملف سد النهضة كل ما يتعلق بثروة إثيوبيا من المياه الخضراء كأكثر الدول استفادة من المياه في حوض النيل.

*ما المقصود بالمياه الخضراء ؟

المياه الخضراء هي مياه الأمطار التي تقوم عليها الزراعات والإنتاج الحيواني في الدول الرطبة التي تستقبل معدلات أمطار مرتفعة، ومنها إثيوبيا التي يتساقط عليها قرابة 935 مليارم3 سنويا من مياه الأمطار في حين أن الإيراد الكامل لنهر النيل يبلغ قرابة 85 مليار م3 تساهم فيهم إثيوبيا بنحو 50 مليارم3 فقط.

وإذا نظرنا للأثر الاقتصادي للمياه الخضراء في إثيوبيا فنحن نتحدث عن مزارع البن التي تعتمد على الأمطار بشكل كامل وصنعت من إثيوبيا المصدر الأول للقهوة في العالم، وأيضا يجب أن نلتفت إلى أن إثيوبيا أكبر مصدر لمخدر القات في العالم وتقوم بزراعته على مياه الأمطار أيضا وهو استغلال خاطيء للمياه يتنافى مع القيم العالمية الرافضة للمخدرات بشكل عام.

كما حولت المياه الخضراء إثيوبيا إلى صاحبة أكبر ثروة حيوانية في إفريقيا بواقع 100 مليون رأس ماشية تستهلك سنويا 84 مليار م3 أى ما يوازي إيراد نهر النيل، وكل تلك الأرقام يجب أن نلفت نظر المجتمع الدولي إليها وأن تصبح جزءا أصيلا من ملف مفاوضات سد النهضة، ليعلم الجميع أن مصر من أكثر دول العالم جفافاً ومساحة الأراضي الخضراء فيها لا تتعدى 6% بينما 94% من مساحة إثيوبيا أراضي خضراء بفضل الأمطار الغزيرة التي تتساقط عليها سنوياً.

*ما تقييمك لمشروع الدلتا الجديدة ؟

أولاً اختيار المكان متميز جدا، ويبرهن عن ذكاء  لعدة أسباب، أولها أن الموقع الجغرافي  يتسم بمناخ البحر المتوسط وبالتالي سنوفر كثير من مياه الري عكس الاستصلاح في المناطق الحارة بالجنوب التي ترتفع فيها معدلات البحر.

كما أن المنطقة بها ميزة نسبية وهي ملائمتها لكثير من المحاصيل إلى جانب الاعتماد على عدة أنواع من المياه في  الري وهي المياه الجوفية إلى جانب المياه الخضراء وهي الأمطار المتساقطة على المناطق الشمالية والمياه الرمادية أو الصرف الزراعي المعالج  والمياه السوداء وهي مياه الصرف الصحي المعالجة، ويقدم المشروع حلاً أيضا لمشكلة سوء الصرف الزراعي باستخدام المياه التي كانت تتراكم اسفل التربة في الدلتا وتتسبب في خفض الانتاجية في زراعة مناطق جديدة .

*ولماذا تتوجه الحكومة احيانا للاستصلاح في المناطق شديدة الجفاف ؟

هذا يحدث بالطبع وأشهرها مشروع توشكى  في جنوب مصر وهي من المناطق شديدة الجفاف وهو أمر كان عليه علامات استفهام تتعلق بارتفاع الاستهلاك المائى للمساحات المستهدفه نتيجة الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة وهو مايستلزم حسن اختيار التركيب المحصولى الذى يحقق أعلى عائد اقتصادى من كل متر مكعب مياه.

والحالة الآخرى مشروع شرق العوينات الذى يروى بمياه جوفية مصدرها خزان جوفي مشترك مع تشاد وليبيا وهو ما يضاعف مسئوليه ترشيد الرى وحسن اختيار التراكيب المحصولية طبقا لناتج معادلة كفاءة استخدام وحدة المياه لتحقيق أعلى عائد اقتصادى وهى المعادله التى تحدد بها اسرائيل وغيرها انواع المحاصيل التى تزرعها، بينما لا يراعى ذلك فى مصر بالرغم من محدودية المياه وهناك تقارير دولية تشير الى أن عائد استخدام وحدة المياه فى الزراعة ببلدنا لا يتجاوز 2-3 دولارت بينما المتوسط المقبول نسبيا عالميا هو 10 دولارات.

 

الجريدة الرسمية