رئيس التحرير
عصام كامل

د. جودة عبد الخالق: حكومة مدبولى تورطت في النظام الريعي وتضر بمستقبل الأجيال القادمة.. والديون وصلت لحدود تنذر بالخطر | حوار

الدكتور جودة عبد
الدكتور جودة عبد الخالق
أقترح استعادة وظيفة الوكيل الدائم بالوزارات لإعفاء الوزير من الاستغراق في التفاصيل البيرقراطية

خيارات الحكومة مبنية على جماعات المصالح وما تفرضه على المواطن في مناسبات متعددة من رسوم يدل على أنها حكومة جباية 



رسوم وراء رسوم، بعضها يصل إلى حد الخرافة، تتفنن حكومة الدكتور مصطفى مدبولي في جلد عموم المواطنين بها، مما دفع عددا كبيرا من خبراء الاقتصاد إلى تصنيفها بـ"حكومة الجباية"، فهل هي بالفعل كذلك أم أنها مظلومة، وتنشد إصلاحات اقتصادية جادة وحقيقية وشاملة.

وزير التضامن الاجتماعي والعدالة الاجتماعية والمفكر الاقتصادي البارز والأكاديمي المرموق الدكتور جودة عبد الخالق يتحدث في هذا الحوار عن هذه الإشكالية، بموضوعيته المعهودة وحياده المعروف، حيث يضع تفسيرًا علميًا لاقتصاد الجباية والاقتصاد الريعي، ويجيب علي سؤال مهم حول هل الحكومة الحالية تمضي قدمًا في انتهاج سياسة الجباية الحمقاء التي لا تميز بين فقير وميسور ومتوسط الدخل.

كما يطرح روشتة علمية رشيدة للخروج من هذا المأزق الذي وضعت الحكومة نفسها فيه بكامل إرادتها وتنويعات أخرى في ذات السياق.. وإلى التفاصيل:

* بداية ما مفهوم اقتصاد الجباية؟

عند تأزم الوضع المالى تلجأ الحكومة إلى الجباية، والمقصود به: الشطط في جمع الأموال من الشعب في صورة  ضرائب ورسوم لا تنتهي، وهذا يؤدى إلى تدهور الوضع الاقتصادى، والتفسير يعود إلى تأزم الوضع المالى للحكومة لأننا في مارس 2021، وما زلنا في العام المالى 2020.

ولو نظرنا إلى الموازنة العامة للدولة في 2021 سنجد أن المستهدف سواء العجز المالى أو نسبة الإنفاق أو الإيرادات مبنية على سعر النفط على مدار العام، وأى زيادة في هذا السعر يترتب عليها زيادة في العجز عن المقدر له في الموازنة العامة للدولة ، فإذا وصل سعر البرميل لـ70 دولارا فهذا يترتب عليه زيادة العجز، مما هو مقدر.

والسبب الآخر هو مبالغة الحكومة في الاستدانة إلى الحد الذي يجعل سداد أقساط الدين هو البند الأكبر في الموازنة لأكثر من 800 مليار جنيه ، وهى أكبر من مجموع الدعم والأجور في الموازنة، وهذا نتاج سياسات الحكومة المختلفة إلى جانب ما خلفته أزمة جائحة كورونا، وهذا هو سبب لجوء الحكومة إلى الجباية لمواجهة الوضع المالى الصعب لكن هذا ليس مبررا وهنا أقصد أن الحكومة هي التي وضعت نفسها فيه.

*وهل يمكن وصف حكومة مدبولى بأنها حكومة جباية؟

هذا صحيح؛ لأن الواقع يقول ذلك، خاصة أن كل تصرف لها يدل على ذلك، ولو نظرنا إلى ما يفرض على المواطن في مناسبات متعددة من رسوم مثل: القيد في الشهر العقارى والقيد في السجل المدنى في حالات الميلاد والوفاة والزواج والطلاق ورخص المرور أو استخراج الرقم القومى نجد إفراطا كبيرا في هذه الرسوم للحد الذي يصل إلى الجباية، وبالتالى يمكن القول: إنها حكومة جباية.

 *ولماذا لجأت الحكومة إلى اقتصاد الجباية من وجهة نظرك؟

نحن لدينا ميزان به كفتان، الأولى: النفقات والثانية: الإيرادات؛ لتغطية النفقات ورغم وجود بنود أخرى للإيرادات مثل الضرائب التي تحصل وفقا للقانون إلا أن الحكومة قررت أنه ليس في الإمكان أفضل مما كان لأنه لا يمكن زيادة الضرائب لما سيترتب عليها من آثار سلبية.

فضلا عن أن هذه الخطوة تزعج بعض الفئات بدليل أن لدينا ضريبة مؤجلة من عام 2014، وهى ضريبة الأرباح الناتجة من معاملات البورصة وهى 10% وضريبة كسب العمل 20% ومع ذلك تم تجميد الضريبة حتى الآن، والجانب الآخر  يجب على وزارة المالية ألا تفرض ضرائب على السندات الأجنبية وبالتالى خيارات الحكومة مبنية على جماعات المصالح.

ومن ناحية أخرى نجد أن الديون وصلت لحدود تنذر بالخطر في ظل أزمة جائحة كورونا، حيث تقترض لمواجهة الأزمة من أجل استكمال المشروعات والخلاصة هنا أن الحكومة لا تجد مصادر كافية للإيرادات لمواجهة عجز الموازنة العامة للدولة.

*وهل تعتقد أن اقتصاد الجباية يصلح طوال الوقت؟

بالطبع لا؛ فاقتصاد الجباية معناه: اقتطاع جزء من دخل المواطن لتوريده للحكومة تحت مسميات متعددة ومختلفة مثل رسوم، وهذا معناه ضرر للمواطن أشبه بمن قام بقتل الوزة التي تبيض ذهبا من أجل الحصول على كل الذهب، فلم يجن شيئا، وهذا يعد "قصر نظر" يؤدى إلى تراجع النشاط الاقتصادى الذي أصبح مهددا، لأن المواطن عندما يعرف أن أمواله ستسدد في صورة رسوم جباية سيتراجع عن استثمارها، وابن خلدون في كتابه المقدمة، حذر من التوسع في الجباية.

وإذا كانت التقارير تقول: إن الاقتصاد المصرى حقق نموا موجبا في 2020 إلا أن هذا لا يشعر به المواطن، لأن العرض والطلب هو المقياس للنمو الاقتصادى وخفض الدخول للأفراد يؤدى إلى تخفيض الاحتياجات، وبالتالى تراجع النشاط، وأيضا النمو الاقتصادى وهذا يرجع إلى أنه لا يوجد من يسأل الحكومة، ولولا تدخل الرئيس في مشكلة قانون الشهر العقارى وتأجيله لمزيد من الدراسة والحوار المجتمعى كان قد تم تفعيل القانون رغم وجود برلمان!

*وهل الرهان من جانب الحكومة على تحمل المواطن هو الرهان الرابح من وجهة نظرك؟

أعتقد لا؛ والمشكلة تكمن في سوء التقدير السياسي، فالحكومة تتعامل مع الناس بلا سياسة، فهى تقرر وعلى كل مواطن أن ينصاع للقرار، وهذا يعنى غياب السياسة، وتكرار هذا الأمر ربما يؤدى إلى عواقب في حالة عدم قدرة المواطن على التحمل لمزيد من الجباية ، وبالتالى على الحكومة أن تتحسب هذا الأمر ولا تستمر في سياسة الجباية إلى ما لا نهاية، وعليها التبصر في مجالات النشاط الاقتصادى الذي ينتج دخلا حقيقيا يمثل قيمة مضافة للاقتصاد وللمواطن في زيادة دخله.

*وما الاقتصاد الريعى وكيف تتحول الحكومة إليه؟

الاقتصاد الريعى هو الذي يقوم على الريع، وهو جزء من الدخل غير المرتبط بالإنتاج ، فمثلا لدينا آبار بترول وغاز طبيعى تتضمن احتياطيا له حجم محدد معلوم، وكلما تم السحب منه يقل الموجود، وهذا يعد نشاطا ريعيا، والحكومة منغمسة في النظام الريعى والورطة هنا أنها لا تستطيع الخروج منه.

ونحن نطالب بخروجها من هذا النظام، لأنها تضر بمستقبل الأجيال القادمة، فضلا عن أن هذا النوع من الاقتصاد غير متجدد وبالتالى المطلوب التوجه إلى الاقتصاد الذي يخلق قيمة مضافة من خلال الزراعة والصناعة.

*وهل الخطاب الذي يتبناه وزراء الحكومة لمخاطبة الشعب في هذا الشأن خطاب سياسي عاقل أم صدامى غاشم؟

الخطاب الذي يتبناه وزراء الحكومة ليس سياسيا، ولو نظرنا للوزارات المختلفة نجد أن بعضها يلجأ للتواصل والشرح للمواطن لكن الحكومة ككل لا تفعل ذلك ، فالوضع الطبيعى أن كل اجتماع لمجلس الوزراء يعلن عما تم به وألا يترك الأمر للقيل والقال وللأسف الشديد غياب السياسة في التعامل مع الناس ناتج من عملية اختيار الوزراء.

فهم رغم مؤهلاتهم غير مؤهلين سياسيا، وبالتالى لا ننتظر جديدا، وهذا يحتاج إلى علاج هذه الجزئية من خلال قيام الحكومة بالشرح ومخاطبة المواطن، لكن التجاهل وإصدار القرارات التي لا تنفذ مردودها سيكون سيئا، وهنا على الحكومة أن تنظر إلى الخطاب السياسي على أنه نوع من الاستثمار من خلال كسب رضا الناس عنها، فضلا عن أن هذه الخطوة تزيد من احتمالات الوصول للقرار الصائب.

وهنا تظهر أهمية السياسة في إبعاد الوزراء عن البيروقراطية الغارقين فيها، وهنا اقترح استعادة وظيفة الوكيل الدائم بالوزارات، وهو شخص مؤهل ومتخصص في أعمال الوزارة وهذا يعفى الوزير من الاستغراق في التفاصيل البيروقراطية.

*وما أسوأ رسوم الجباية التي اعتمدتها الحكومة مؤخرا من وجهة نظرك؟

قانون الشهر العقارى؛ لأن الجباية لا تتوقف عند دفع الرسوم وإنما من لا يدفع الرسوم لا يتم تقديم الخدمات له سواء الكهرباء أو الغاز أو المياه، وبالتالى ستكون لها أضرار على المواطن، وليس إرهاقه بالجباية فقط، وإنما به شق عقابى للمواطن من خلال منع الخدمات.

أما الجانب المالى فمعظم الناس تواجه انخفاضا في الدخول، بسبب جائحة كورونا، وبالتالى إرهاقهم بمبالغ أكبر تحت بند الجباية، وهذا الظلم الاجتماعى والظلم - كما قال ابن خلدون- الظلم يؤذن بخراب العمران ، وهذا الكلام في منتهى الحكمة وعلى الحكومة التنبه لذلك.

*وأخيرا ما  الذي يدعو الحكومة للمبالغة في فرض الرسوم الكثيرة التي تثقل كاهل المواطن وهل هناك حلول؟

ما يدعو الحكومة للجباية  أنها تقوم بإنفاق كبير على المشروعات القومية، وكل يوم نسمع عن مشروعات جديدة، وهذا يحتاج لأموال ضخمة، ويتطلب عمل حصر للمشروعات وتأجيل بعضها، ويكون التنفيذ للمشروعات التي لها أولوية قومية.

وتكون متعلقة بالمشروعات الإنتاجية وعلى رأسها الزراعة والصناعة إلى جانب مراجعة بنود الإنفاق في الموازنة العامة للدولة، بالإضافة إلى التوجهات الاقتصادية للحكومة، بدلا من التركيز على الاقتصاد الريعى ويحل محله نشاط اقتصادى زراعى وصناعى.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..
الجريدة الرسمية