رئيس التحرير
عصام كامل

جمهورية الحريم.. 34 مليون امرأة بلا رجل.. 10 ملايين طفل يواجهون المجهول.. والشرقاوي: المجتمع الذكورى يفاقم أزمة المطلقات والأرامل

طلاق - صورة أرشيفية
طلاق - صورة أرشيفية
أن يكون في مصر 34 مليون امرأة بلا رجل، لأسباب تتعلق بالطلاق أو وفاة الزوج أو تأخر سن الزواج، فهذا رقم صادم بكل المقاييس، حتى لو كان الرقم أقل من ذلك بضعة ملايين، وتتضاعف الصدمة عندما نعلم أن 10 ملايين طفل على الأقل ضحية الصراعات الزوجية ويواجهون المجهول.


الأسرة المصرية تعاني مشكلات نفسية واجتماعية مريرة، نسب الطلاق مؤلمة، والأرقام مخيفة فالإحصائيات الرسمية ترصد حالة طلاق كل 4 دقائق، ما يجعلنا بصدد مأساة إنسانية متكاملة الأركان، لا نجيد التعامل معها، ولكن نجيد التنظير الذي لا يقود إلى شيء.

امرأة بلا رجل كخيمة بلا عمود، تفتقد القوامة، ويغيب عنها الاستقرار والهدوء النفسي، وتعاني فراغًا كبيرًا، وتشتبك مع المجتمع بحثًا عن غطاء مالي تستر به نفسها وأولادها، وهي معركة لا تضع أوزارها سريعًا.

المجتمع الذكوري ينظر إلى المطلقات والأرامل نظرة دونية أو شهوانية، لا يحكمها دين ولا قانون ولا عقل رشيد، وهو ما يضاعف الأزمات والمشكلات الاجتماعية والنفسية والأخلاقية.

قوانين الأحوال الشخصية، قديمها وحديثها، لا تغني شيئًا، بل تفاقم الفجوة وتزيدها اتساعًا، ولم تنجح يومًا في فرملة وتيرة الطلاق وتخفيف حدتها، وتضاعف الصراعات بين من كان يؤيهم بيت واحد.



قوانين الزواج
الزواج في زمن هذه القوانين الجائرة لم يعد كما خلقه الله عز وجل سكنًا ولا مودة ولا رحمة، بل غدا معركة ساخنة مشتعلة، من أول يوم إلى آخر يوم، إلا من رحم الله.

بعيدًا عن أية انتهازية أو عنصرية أو نصرة طرف على حساب آخر أو أي انحراف تشريعي غاشم.. المجتمع المصري، بمؤسساته ذات الصلة وعلمائه الأكارم في جميع المناحي والتخصصات مدعوون إلى التفكير الرشيد لإنقاذ الأسرة المصرية مما أحاط بها وحاصرها وسكنها من معوقات قادتنا إلى ما نحن فيه من نسب أسطورية في الطلاق وتأخر الزواج وتشريد أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم أبصروا النور لأزواج لم يقدِّروا نعمة الأسرة حق قدرها.

"فيتو" تطرح هذه القضية للنقاش في هذا الملف..

المجتمع الذكوري
تقول جيهان الشرقاوي، استشاري الصحة النفسية وعلم النفس الإكلينكي وعضو المجلس القومي للمرأة: هؤلاء السيدات يفقدن جزءا كبيرا من الشعور بالاستقرار والأمان، فالمرأة خلقت في الأرض لتكون مسئولة من رجل، سواء على قوامة الأب أو على كفالة الزوج.

كما أن تحميلها مسئوليات زائدة له آثار سلبية كثيرة عليها، أبرزها تأثر نزعة الأنوثة لديها وتعيش دور "الاسترجال"، وذلك يخلق لديها عنفا وعدوانية لأنها تتحمل جزءا كبيرا من مسئوليات ليست من اختصاصها، كما أنها تفقد الأمان ويكون لديها عدم ثقة، لأن المرأة أساسها الأمان والاستقرار، فبمجرد نزعهما منها يصيبها خلل في الأمان.

وتابعت قائلة: الاحتياج الجنسي وبالأخص للسيدات المطلقات أو الأرامل يسبب لهن صراعات وبعض الاضطرابات الهرمونية مثل اضطرابات القلق واضطرابات المخاوف واضطرابات الهلع، كما أنها تواجه أيضا وصمة المجتمع، باعتبار هذه السيدة بها شيء منتقص ومباحة للجميع.

وأنها فريسة بما يسبب لها صراعا نفسيا مع المجتمع فتفقد الأمان المجتمعي أو تعامل المجتمع معها بالشفقة الزائدة، وذلك يؤثر عليها سلبيا أيضا، لأنها لن تحتاج شفقة أو استعطافا ولكنها تحتاج دعما ومساندة.

وأردفت: إذا كان لديها أطفال فإنها تواجه مشكلات نفسية كثيرة مع أطفالها، لأنها تقوم بدور الأب والأم، لأن من أبرز مسئوليتها التوفيق بين احتياجات أبنائها والخروج للعمل وزرع التوازن النفسي لدى الأطفال، وكل ذلك ضغط نفسي عليها، وكثيرا ما يحمل الأطفال أمهاتهم فوق طاقتها بأن يكون اهتمامهم الأساسي احتياجاتهم فقط، كما أنها تواجه صعوبة في إشعارهم بالأمان بعد نزعه منها.

الاحتياج المالي
كما أن المرأة التي تواجه ضغوطا مالية، هذا الأمر يفقدها التوافق الانفعالي وهو ما أكدته "الشرقاوي"، حيث إنها لا تستطيع تحقيق التوازن بين انفعالاتها ورد الفعل، وذلك نتيجة الضغوط الزائدة المادية واحتياجاتها هي وأسرتها، وبالأخص أنها ليس لديها القدرة على الإتيان بها، فتصبح شخصا عصبيا وعنيفا جدا مع أبنائها، وذلك يشعرها بالسخط من نفسها.

وتضع نفسها في دائرة اللوم والنقد، فتصاب بتأنيب الضمير وجلد الذات قبل النوم ما يسبب لها اضطرابات النوم واضطرابات قلق.

أما عن كيفية تقديم الدعم لها، فتقول استشاري الطب النفسي: إنها تحتاج دعما وتبادل ثقة وتغيير نظرة المجتمع الموروثة عنها، حتى لو كان لديها يد في ذلك، فالله سبحانه وتعالى هو الرحيم، وإن كان ليس لديها يد في ذلك فلماذا تعاقب على أمر ليس لها ذنب فيه، كما أنها أكثر شخص يحتاج الدعم والثقة والمساندة.

وتابعت قائلة: يجب أن نعمل على تقديم النصائح لها بالاحتفاظ بهدوئها، وتنمية شعورها بأنها على حق وليست على باطل، وتشجيعها على تقبل وحب النفس والشعور بأن لها قيمة وأن الأمان سيتواجد، كما ننصحها بتعدد مصادر الأمان لديها.

كما يجب عليها تعليم أبنائها الاهتمام والعطاء والثقة بالآخرين، وذلك سيجعلها تتزن نفسيا لأن نجلها سيهتم بالآخر ويدرك الواجبات والحقوق، وبالتالي لن يظلمها أو ينتقص من قيمها، وأن تدرك بأن المسئولية أمر محبب وليس مكروها، فالله سبحانه وتعالى اشترط الغني على الأرض للعائل (وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ) لذلك لا بد من إقناعها بأن تلك المسئولية تكريم لها وليس انتقاصا من شأنها.

وأنه كلما زادت المسئولية عليها كان هناك تكريم من الله سبحانه وتعالى، وذلك وعد حق من الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، لا بد من أن تأخذ المسئولية بالشكل الإيجابي الذي أشار الله سبحانه وتعالى إليه وليس بنظرة المجتمع التي تجعلها تسخط منها.

وأضافت كما ننصح مؤسسات الدولة والمراكز والمتخصصين بترك باب مفتوح لكل سيدة تعيش بدون رجل وتربي بمفردها، لأنها تحتاج دعما نفسيا وإعدادا لمواجهة الحياة مرة أخرى.

وأيضا توعيتها بالتربية الصحيحة التي يجب أن تربي بها أبناءها وتقوم بها حياتها، وهو ما يحاول المجلس القومي للمرأة القيام به، حيث إن المركز لديه قسم خاص للمرأة التي تربي بمفردها لإشعارها بأننا معها وبجوارها، وأن هناك من يدعمها ويساندها ويضعها على خطوات ثابتة، لكي تشعر بأن الرجل لم يكن هو من يجعلها موجودة أو غير موجودة بالعكس نحن كمجتمع وكمتخصصين سنكون معك وبجوارك.

التكنولوجيا الحديثة 
في نفس السياق، يقول أحمد الباسوسي استشاري الطب النفسي: الزواج علاقة إنسانية بين شريكين، هذه العلاقة تتفاعل مع الواقع أو الغلاف المحيط الذي يحمل مضامين اجتماعية وثقافة خاصة، موضحا أن علاقة الزواج مثل الكائن الحي يتطلب ظروفا خاصة لكي يستمر على قيد الحياة.

مضيفا: الثورة في علوم الفيزياء والكيمياء والبيولوجي وحتى في العلوم الاجتماعية مثل الاجتماع والاقتصاد وعلم النفس غيرت كثيرا من الواقع الاجتماعي للأفراد في المجتمعات المختلفة، وبالتالي لاحظنا تغييرات دراماتيكية في أنساق القيم والاتجاهات وأيضا المعتقدات وبالتالي انعكس كل ذلك على سلوك الأفراد والجماعات.

فأصبحت علاقة الزواج في الواقع الحديث في ظل ثورة الاتصالات وعالم القرية الصغيرة مجرد علاقة عادية مثل علاقة أي شريكين أو صديقين، لم تعد تحمل القداسة كما في السابق.

وأضاف الباسوسي: أصبح الطلاق والتخلص من العلاقة قرارا عاديا لدى كل من الرجل والمرأة للتخلص من المشكلات، لذلك لاحظنا ارتفاعا كبيرا في معدلات الطلاق، ونعاني من عواقب هذه الأمور في حالة وجود أطفال، منوها إلى أن الواقع الحديث له تأثيرات إيجابية من دون شك على المرأة حيث دعم استقلالها ماديا ومعنويا، وأصبحت تعمل ولها مالها الخاص، الأمر الذي هيأ لها حرية الاستمرار في علاقة مع شخص مناسب أو مغادرته طالما سببت لها هذه العلاقة آلاما وجراحا.

كما أن الفضاء الإلكتروني والعالم الافتراضي أفسحا للمرأة المجال لإمكانية الاندماج والتعرف على أشخاص، وبالتالي تغير منظورها المعرفي والقيمي والسلوكي للواقع والعلاقات الإنسانية، ومن ثم تغيرت نظرتها لعلاقة الزواج.

واستطرد: علاقة الزواج أصبحت ندية بدرجة كاملة بين الزوجين، وبالتالي يجب أن يستوعب الرجل صاحب الميراث الذكوري التقليدي هذا الأمر ويستطيع التعامل معه بحكمة ورؤية، وإلا فالصدام والمشكلات ثم الطلاق، مشيرا إلى أن طبيعة الحياة الحديثة تتطلب من طرفي علاقة الزواج تفهم كل ذلك والتوافق عند اتخاذ القرارات لكن للأسف ضغوط الواقع وميراث الماضي وعدم القدرة على التوافق والتعجل وعدم التحمل.

كل ذلك أثر سلبيا على علاقات الزواج التي لم تعد مقدسة، مشيرا إلى أن وجود نحو عشرة ملايين طفل لزوجين مطلقين كارثة بكل المقاييس، ويتوقع أن يكون نصفهم على الأقل مصابا بنوع من الاضطرابات النفسية.

وأوضح "الباسوسي": المرأة غريزيا خلقت ليتم احتواؤها من قبل الرجل، وبالتالي تستطيع العيش في حياة اجتماعية واستقرار، وبغياب هذا الأمر تصبح المرأة في حالة من الانشغال الدائم والبحث عن الاستقرار الغريزي الذي يشاركها فيه الرجل، وإذا غاب هذا الشيء ربما تدخل في حالة من عدم الثقة في أنوثتها وتتشوه صورة الذات لديها، وقد تنتابها نوبات اكتئابية بسيطة وأحيانا عصبية قد تؤثر في علاقتها بالآخرين. 

واختتم قائلا: الفتاة أو السيدة التي تعيش بدون رجل وتهتم بتطوير نفسها تعليميا ومهنيا واجتماعيا قادرة على تجاوز تلك النوبات البسيطة، وقادرة أيضا على منح نفسها صورة ذات حقيقية جميلة تفتخر بها، وأن تعيش حياة سوية.

نقلًا عن العدد الورقي...
الجريدة الرسمية