رئيس التحرير
عصام كامل

هل قضاء الفوائت من الصلاة يكون على الفور أم يجوز فيه التراخي؟.. مفتي الجمهورية يجيب

 الدكتور شوقي علام،
الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "مضى عليَّ وقت طويل تركت فيه الصلاة، ثم تبت إلى الله تعالى، وأريد أن أقضي هذه الصلوات، فقال لي أحد أصحابي: إنني يجب أن أنقطع عن كل شيء حتى أنتهي من قضائها، فهل هذا صحيح، أم أنني يمكنني أن أقسمها على كل يوم جزءًا؟"، ومن جانبه أجاب الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، على هذا السؤال كالتالي: 



الصلاة لغة: الدعاء، ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: 103] أي: ادع لهم.

وشرعًا: أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة؛ وسميت بذلك لاشتمالها على الدعاء، إطلاقًا لاسم الجزء على الكل، وقد فرض الله تعالى الصلاة على كل مسلم بالغ عاقل، فلا تجب على كافر أصلي وجوب مطالبة بها في الدنيا لعدم صحتها منه، لكن تجب عليه وجوب عقاب عليها في الآخرة؛ لتمكنه من فعلها بالإسلام، ولا تجب على الصغير ولا المجنون لعدم تكليفه، ولا تجب على حائض أو نفساء لعدم صحتها منهما، فمن اجتمعت فيه هذه الشروط وجبت عليه الصلاة بالإجماع.

والأصل في وجوبها قبل الإجماع الكتاب والسنة؛ فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103]، أي: محتمة موقتة.

ومن السنة ما رواه الإمام البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «بُنِىَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».

وقد نقل الإجماعَ على فرضيتها العلامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (1/ 312، ط. دار الكتب العلمية) بعد أن ذكر شروط وجوبها؛ فقال: [فمن اجتمعت فيه هذه الشروط وجبت عليه الصلاة بالإجماع] اهـ.

فالصلاة واجبة على كل مسلم بالغ عاقل، وهي مؤقتة؛ فلكل صلاة وقتها الذي إذا قام بها المسلم فيه كانت أداء، وإلا كانت قضاء.

وقد أجمع الفقهاء على وجوب قضاء الصلاة الفائتة نسيانًا أو لعذر؛ قال العلامة ابن بزيزة المالكي في "روضة المستبين في شرح كتاب التلقين" (1/ 374، ط. دار ابن حزم): [وقد انعقد الإجماع على وجوب قضاء الصلوات الفوائت بنسيان أو نوم] اهـ.

ولا يجوز تأخير القضاء إلا لعذر؛ كالسعي لتحصيل الرزق وتحصيل العلم الواجب عليه وجوبًا عينيًّا، وكالأكل والنوم.

واختلفوا في الصلاة المتروكة عمدًا؛ قال العلامة ابن بزيزة المالكي في "روضة المستبين" (1/ 374): [واختلف في المتروك عمدًا، والجمهور على وجوب قضائها بعد التوبة والاستغفار] اهـ.

وقال العلامة بدر الدين العيني الحنفي في "البناية شرح الهداية" (2/ 582، ط. دار الكتب العلمية): [ومن فاتته صلاة... قضاها إذا ذكرها، سواء كان فوتها ناسيًا، أو بغير عذر النسيان، أو عامدًا، وبه قال مالك والشافعي، وقال أحمد وابن حبيب: لا يقضي المتعمد في الترك] اهـ.

وإنما قال الجمهور بقضاء الصلاة المتروكة عمدًا؛ قياسًا على التنبيه بالأدنى على الأعلى؛
فقد نبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الصلاة المنسية فيما رواه الإمام البخاري عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ»، وهي أدنى من المتعمد تركها فالأعلى تدخل في التنبيه من باب أولى.

وعليه: فلا ترتفع الصلاة التي فاتت بمجرد التوبة والندم؛ لأنها لا بدل لها، وقضاؤها واجب، سواء فاتت بعذر غير مسقط لها أو فاتت بغير عذر مطلقًا.

وقد اختلف الفقهاء: هل قضاء الصلاة يكون على الفور أم على التراخي؟
فيرى الحنفية في الأصح والمالكية والحنابلة أن قضاء الفوائت يكون على الفور، وأنه يجوز تأخيرها لعذر أو مشقة أو قضاء حاجة؛ قال العلامة الحصفكي الحنفي في "الدر المختار شرح تنوير الأبصار" للتمرتاشي، مع "حاشية ابن عابدين عليه المسماة رد المحتار" (2/ 74، ط. دار الفكر بيروت): [ويجوز تأخير الفوائت وإن وجبت على الفور؛ لعذر السعي على العيال، وفي الحوائج على الأصح] اهـ.

وقال العلامة الحطاب الرُّعيني المالكي في "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" (2/ 7، ط. دار الفكر): [قضاء المنسيات على الفور كما قال ابن رشد في "الأجوبة"] اهـ.
وقال العلامة أبو العباس شهاب الدين القرافي المالكي في "الذخيرة" (2/ 381، ط. دار الغرب الإسلامي، بيروت): [قال اللخمي: القضاء على الفور لا يؤخر إلا لمشقة] اهـ.
وقال العلامة مصطفى السيوطي الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى" (1/ 323، ط. المكتب الإسلامي): [ويجب قضاء فائتة فأكثر فورًا ما لم ينضر في بدنه بضعفه، أو ما لم ينضر في معيشة يحتاجها له أو لعياله؛ دفعًا للحرج والمشقة] اهـ.

وقد استدلوا لذلك بقوله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: 14]، وبما رواه الإمام البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ نَسِىَ صَلاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ»، فقد أمر بالصلاة عند الذكر، والأمر للوجوب؛ ولأن تأخير الصلاة بعد الوقت معصية، ولأنه إنما يأمر بتعجيل قضاء الفوائت خوفًا من معاجلة الموت، وإلا فيجوز تأخيرها لمدة بحيث يغلب على ظنه أداؤها.

ويرى الشافعية أن الصلاة إن فاتت بعذر كان قضاؤها على التراخي ويستحب تعجيلها، وإن فاتت بغير عذر فالصحيح أن قضاءها يكون على الفور؛ لأنه مفرط بتركها.

قال العلامة الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب، مع تكملة السبكي والمطيعي" (3/ 69، ط. دار الفكر): [من لزمه صلاة ففاتته، لزمه قضاؤها سواء فاتت بعذر أو بغيره، فإن كان فواتها بعذر كان قضاؤها على التراخي، ويستحب أن يقضيها على الفور. قال صاحب التهذيب: (وقيل: يجب قضاؤها حين ذكر)؛ للحديث، والذي قطع به الأصحاب أنه يجوز تأخيرها؛ لحديث عمران بن حصين رضي الله عنه وهذا هو المذهب، وإن فوتها بلا عذر، فوجهان كما ذكر المصنف: أصحهما عند العراقيين أنه يستحب القضاء على الفور، ويجوز التأخير كما لو فاتت بعذر، وأصحهما عند الخراسانيين أنه يجب القضاء على الفور، وبه قطع جماعات منهم أو أكثرهم، ونقل إمام الحرمين اتفاق الأصحاب عليه، وهذا هو الصحيح] اهـ.

وقد استدلوا لذلك بما رواه مسلم عن عمران بن الحصين رضي الله عنه أنه قال: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي سَفَرٍ، فَسَرَيْنَا لَيْلَةً حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قُبَيْلَ الصُّبْحِ وَقَعْنَا تِلْكَ الْوَقْعَةَ الَّتِي لا وَقْعَةَ عِنْدَ الْمُسَافِرِ أَحْلَى مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ... وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ سَلْمِ بْنِ زَرِيرٍ، وَزَادَ وَنَقَصَ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ، وَكَانَ أَجْوَفَ جَلِيدًا، فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لِشِدَّةِ صَوْتِهِ بِالتَّكْبِيرِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِى أَصَابَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «لا ضَيْرَ، ارْتَحِلُوا». فَسَارَ بِنَا، حَتَّى إِذَا ابْيَضَّتِ الشَّمْسُ نَزَلَ فَصَلَّى بِنَا...".

فعلى من فاتته صلوات أن يسارع في قضائها على قدر استطاعته؛ قال العلامة الحطاب الرُّعيني المالكي في "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" (2/ 7): [وقال الشيخ زروق في "شرح الرسالة": قوله: وكيفما تيسر له، يعني: من القلة والكثرة ما لم يخرج لحدّ التفريط، ولا حد في ذلك، بل يجتهد بقدر استطاعته، قال ابن رشد: مع التكسب لعياله ونحوه] اهـ.
وقد اعتبر بعض العلماء أن أقل قدر لا يكون معه مفرطًا، هو أن يقضي يومين مع كل يوم؛ قال العلامة الحطاب الرُّعيني المالكي في "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" (2/ 9): [وقيل: يلزمه أن يقضي يومين في يوم، ولا يكون مفرطًا. قاله أبو محمد صالح، وحكاه التادلي] اهـ.

فإن لم يستطع فمع كل يوم يوم؛ قال العلامة محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي في "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (1/ 263، ط. دار الفكر): [قوله: (فورًا)؛ أي: على الراجح، خلافًا لمن قال: إنه واجب على التراخي، وخلافًا لمن قال: إنه ليس بواجب على الفور، ولا على التراخي، بل الواجب حالة وسطى، فيكفي أن يقضي في اليوم الواحد صلاة يومين فأكثر، ولا يكفي قضاء صلاة يوم في يوم إلا إذا خشي ضياع عياله إن قضى أكثر من يوم في يوم] اهـ.

وبناءً على ذلك: فيجب على من ترك صلوات مفروضة متعمدًا أن يقضيها على الفور، ولا يجوز له أن يؤخر قضاءها إلا لعذر، أما من تركها لعذر النسيان ونحوه، فيستحب له أن يسارع في قضائها كلما تيسر له ذلك خروجًا من خلاف من قال بأن القضاء يكون على الفور، فيجتهد في القضاء قدر استطاعته؛ فيقضي في كل يوم يومين، أو يقضي مع كل يوم يومًا؛ مخافة أن يعاجله الموت، فإذا ضاق به الوقت لطلب الرزق ونحوه، فله أن يُقلد مَن قال بأن القضاء على التراخي فيقضي ما استطاع.
الجريدة الرسمية