رئيس التحرير
عصام كامل

ما حكم الشرع في علاج الجنين بداخل بطن أمه؟.. دار الإفتاء تُجيب

دار الإفتاء
دار الإفتاء
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه: " ما حكم الشرع في علاج الجنين بداخل بطن أمه من احتباس في مجرى البول عن طريق الجراحة، وذلك حفاظًا على حياته دون حدوث أي ضرر للأم"، وجاء رد الدار كالتالي: 


يجب شرعًا علاج الجنين داخل بطن أمه ولو بالجراحة إذا أقر بذلك أهل الخبرة والاختصاص من الأطباء؛ وذلك حفاظًا على حياة الجنين، وبشرط أن لا يترتب على ذلك خطر محقق بحياة الأم. ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال إذا كان الحال كما ورد به.

كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه" امرأة متزوجة ولها أربعة أبناء أصيبت بمرضٍ أضعفَ صحَّتها، ونَصَحَها الأطباء بعدم الإنجاب، وأشاروا عليها بعدم استعمال أي وسيلة من وسائل منع الحمل المؤقتة المعروفة مثل استعمال حبوب منع الحمل؛ لأنه خطر على صحتها ولا سبيل أمامها سوى إجراء عملية جراحية لربط المبايض؛ مما سيترتب عليه منع الحمل مستقبلًا بصفةٍ دائمةٍ، وذلك حفاظًا على صحتهاـ وهي تسأل عن رأي الشرع في ذلك."، ومن جانبها أجابت الدار على هذا السؤال كالتالي: 

المنع النهائِيُّ للنَّسل بتعطيل أعضاء الجسم القابلة لذلك ممنوعٌ محظور؛ لأنه إفسادٌ لأعضاء جعلها الله أمانة بيد أصحابها لا يمتلكونها، كما أنه تعطيلٌ لإحدى الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة للمحافظة عليها، وهي: الدين، والحياة، والعقل، والنسل، والمال.

والذي استقرت عليه الفتوى: عدم جواز المنع النهائي للنسل بمعنى ربط المبايض أو غيرها من طرق المنع النهائي للحمل إلا مع ضرورة تبيح هذا المحظور، وهي الخطورة التي تذهب بحياة المرأة أو عضو من أعضائها أو انتقال مرضٍ إلى الجنين، فيكون من باب الضرورات المبيحة للمحظورات.

كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه" ما حكم أخذ الزوجة وسائل منع الحمل بلا إذن من الزوج أو معرفة؟ وكذلك إعطاؤها للزوجة بدون علمها؟"، وجاء رد الدار كالتالي:


يقوم أحد الزوجين بفعل ما يمنع الحمل منه أو من الطرف الآخر دون علمه، والدوافع في هذه الحالات مختلفة، ويتساءل الناس هل هناك حكم واحد ينطبق على كل الحالات؟ وما الأصل فيه؟ وهل هناك حالات تخرج عن هذا الأصل؟ وما هي؟

وقد فطر الله الخلق على حب النسل؛ قال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ﴾ [آل عمران: 14]، وأخبرنا أن من صفوته من خلقه من طلب ذلك، فحكى عن زكريا عليه السلام قوله: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾ [الأنبياء: 89]، وحكى عن إبراهيم عليه السلام قوله: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الصافات: 100].

وعن آسية -وهي ممن كمل من النساء كما في الحديث الشريف- قال: ﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ [القصص: 9].

ولم يترك الله طريقة إيجاد ذلك النسل هملًا، بل قيد العلاقة التي يمكن إيجاد النسل من خلالها؛ فقال عز من قائل: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ۞ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ۞ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ [المؤمنون: 5-7]، وقال: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 32]، فأحل الزواج وحرم السفاح حفاظًا على الأعراض والنسل، وكذا شرع العدد للمزوجات بعد الدخول إذا كان هناك فرقة؛ لـحكم متعددة: منها استبراء الرحم.

ومنع الله النسب إلا مِن طريقِ ما شرعه لعباده ولو كان هذا الطريق بعيدًا عن الفاحشة كالتبني، وفي هذا يقول سبحانه: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ۞ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ﴾ [الأحزاب: 4-5].

والخلاصة: أن طلب النسل جائز ومشروع، ولا يُعدُّ الحرص عليه من المكروهات؛ لفعل الصفوة ذلك.

وقد تكلم الفقهاء على منع النسل بوسائل مؤقتة من الزوجين أو من أحدهما خاصة في كتاب النكاح.

والحكم الشرعي في ذلك أنه لا يجوز استخدام وسيلة لمنع الحمل بدون إذن الطرف الآخر، فكل من الزوجين لا يحق له أن ينفرد بتحديد النسل، لكن بالتشاور.

والدليل على ذلك أن طلب الولد يُعدّ حاجة لكل منهما، كما أنه مطلب عام من مطالب الزواج، حتى ذهب بعض السلف إلى أن العقم عيب يرد به النكاح، قال الحسن البصري: إذا وجد الآخر عقيمًا يخير، وأحب أحمد أن يتبين أمره، وقال: عسى امرأته تريد الولد. انظر: "المغني" لابن قدامة (7/ 186، ط. مكتبة القاهرة).

ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها" أخرجه ابن ماجه، وله شواهد موقوفة عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، وهو قول سعيد بن جبير وعكرمة وعطاء؛ كما في "مصنف عبد الرزاق" و"السنن الكبرى" للبيهقي.

قال ابن عبد البر في "التمهيد" (3/ 150، ط. وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب): [وقد روي في هذا الباب حديث مرفوع في إسناده ضعف، ولكن إجماع الحجة على القول بمعناه يقضي بصحته] اهـ.

وبنحو ما ذكرنا ذهب كثير من أهل العلم:
قال العلامة ابن قدامة في "المغني" (7/ 298): [ولا يعزل عن زوجته الحرة إلا بإذنها. قال القاضي: ظاهر كلام أحمد وجوب استئذان الزوجة في العزل، ويحتمل أن يكون مستحبا؛ لأن حقها في الوطء دون الإنزال، بدليل أنه يخرج به من الفيئة والعنة. وللشافعية في ذلك وجهان، والأول أولى؛ لما روي عن عمر رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها". رواه الإمام أحمد في "المسند" وابن ماجه؛ ولأن لها في الولد حقًّا، وعليها في العزل ضرر، فلم يجز إلا بإذنها] اهـ.

وقال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (3/ 225، ط. دار الفكر للطباعة): [(ولزوجها العزل إن أذنت وسيدها كالحرة إذا أذنت) يعني أنه يجوز للرجل أن يعزل عن زوجته، لكن إن كانت أمةً فلا بد من إذنها وإذن سيدها للزوج حيث كانت ممن تحمل لحقه في الولد فلا تستقل دون السيد، فإن امتنع حملها لصغرٍ أو كبرٍ أو حملٍ استقلت، قاله اللخمي، وإن كانت حرةً فيكفي إذنها، وإن لم يأذن وليها وظاهر كلامهم، ولو كانت صغيرةً] اهـ.

وقال العلامة ابن عابدين في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار" (3/ 176، ط. دار الفكر): [أخذ في "النهر" من هذا ومما قدمه الشارح عن الخانية والكمال أنه يجوز لها سدّ فم رحمها كما تفعله النساء مخالفًا لما بحثه في "البحر" من أنه ينبغي أن يكون حرامًا بغير إذن الزوج قياسًا على عزله بغير إذنها. قلت: لكن في "البزازية" أن له منع امرأته عن العزل. اهـ. نعم، النظر إلى فساد الزمان يفيد الجواز من الجانبين. فما في "البحر" مبني على ما هو أصل المذهب، وما في "النهر" على ما قاله المشايخ. والله الموفق] اهـ.

وقال الإمام الماوردي "الحاوي الكبير" (11/ 159، ط. دار الكتب العلمية): [أما العزل فضربان: عزل عن الإنزال، وعزل عن الإيلاج، وكلاهما مباح في الأمة والزوجة، ولكن يلزم استطابة نفس الزوجة عنه، وإن لم يلزمه استطابة نفس الأمة؛ لأن للحرة حقا في الولد دون الأمة، فأما العزل عن الإنزال فهو أن يولج في الفرج، فإذا أحس بالإنزال أقلع فأنزل خارج الفرج، وهذا العزل لا يمنع من لحوق الولد] اهـ.

فهذه النقول السابقة يفهم منها عدم جواز العزل عن الزوجة إلا بإذنها؛ لحقها في الولد.
لكن إن كان هناك أسباب شرعية جاز لطرف أن ينفرد بذلك، كتضرر الزوجة بالحمل وعدم اكتراث الزوج لذلك، أو كان فاسقًا ماجنًا وكانت ترجو الانفصال، وهو كذلك إن كان في بيئة يخاف على ذريته من الفساد.

قال العلامة ابن عابدين في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار" (3 /176): [(قوله: لكن في "الخانية") عبارتها على ما في "البحر": ذكر في "الكتاب" أنه لا يباح بغير إذنها، وقالوا في زماننا: يباح لسوء الزمان. اهـ . (قوله: قال الكمال) عبارته: وفي الفتاوى إن خاف من الولد السوء في الحرة يسعه العزل بغير رضاها لفساد الزمان، فليعتبر مثله من الأعذار مسقطًا لإذنها. اهـ. فقد علم مما في "الخانية" أن منقول المذهب عدم الإباحة، وأن هذا تقييد من مشايخ المذهب لتغير بعض الأحكام بتغير الزمان، وأقره في "الفتح" وبه جزم القهستاني أيضًا حيث قال: وهذا إذا لم يخف على الولد السوء لفساد الزمان وإلا فيجوز بلا إذنها. اهـ.


لكن قول "الفتح": "فليعتبر مثله يحتمل أن يريد بالمثل ذلك العذر؛ كقولهم: مثلك لا يبخل. ويحتمل أنه أراد إلحاق مثل هذا العذر به؛ كأن يكون في سفرٍ بعيدٍ، أو في دار الحرب فخاف على الولد، أو كانت الزوجة سيئة الخلق ويريد فراقها فخاف أن تحبل، وكذا ما يأتي في إسقاط الحمل عن ابن وهبان فافهم] اهـ.
ومما تقدم يتبين عدم جواز أخذ وسائل منع الحمل مؤقتًا للزوجة بدون إذن الزوج، كما أنه لا يجوز للزوج أن يتغافلها ويجعلها تتناول ما يمنع عنها الحمل دون علمها وإذنها، إلا أن توجد حاجةٌ شرعيةٌ لذلك كما مَرّ.
الجريدة الرسمية