رئيس التحرير
عصام كامل

أردوغان و2021.. عام "السقوط الكبير".. أزمات داخلية وانشقاقات حزبية وعقوبات دولية في الطريق.. وانتقادات حادة بسبب حقوق الإنسان

أردوغان
أردوغان
«عام جديد وأزمات مضاعفة» هكذا هو المشهد في الداخل التركي، الذي يخطو أولى خطواته في العام الجديد وعلى كاهله حمل ثقيل من الأزمات والتحديات التي يعاني منها، ليس فقط بسبب الآثار الضخمة الناجمة عن تفشي وباء فيروس كورونا، لكن أيضًا بسبب التحركات العدائية التي أقبل عليها أردوغان سواء في ليبيا أو العراق أو سوريا أو إقليم ناجورني قرة باج، والتي مثلت انعكاسًا بالغ الضرر على المجتمع التركي.


وزادت من الأزمات المتلاحقة التي يعانيها الأتراك، هذا إلى جانب أنها أدت إلى مزيد من الانقسامات السياسية التي باتت تهدد وجود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تشير غالبية التوقعات إلى أنه سيواجه عامًا قاسيًا جدًا.

الأوضاع المعيشية

في مقدمة الأزمات التي تواجه «أردوغان» خلال العام الجديد، الأوضاع المعيشية الصعبة التي يمر بها المواطن التركي، خاصة بعد انهيار قيمة الليرة التركية ، والتي شهدت انحدارًا متواصلًا منذ بداية العام الماضي، مما أدى إلى هروب الاستثمارات الأجنبية بمعدل ضخم، وتراجع التصنيف الائتماني لتركيا في مؤشرات العديد من المؤسسات النقدية.

بالإضافة إلى زيادة التضخم وارتفاع الديون الخارجية، كلها عوامل باتت تشير إلى سقوط وشيك لحكومة الرئيس التركي، التي اتخذت قرارًا ليس مفاجئًا منذ وقت قريب بإقالة صهر أردوغان بيرات البيرق، بسبب فشله المتلاحق في إدارة الملفات المالية للحكومة.

الانشقاقات الكبرى

كذلك من بين التهديدات التي تواجه «أردوغان» أيضًا، الانشقاقات الكبرى التي ضربت حزب العدالة والتنمية الحاكم، يأتى في مقدمتها انشقاق رئيس الوزراء الأسبق أحمد داوود أوغلو، الذي أسس حزبا قويا تحت اسم «المستقبل»، وكذلك على باباجان الذي أسس حزبا آخر بدأ ينال شعبية لا بأس بها ، وهو «الديمقراطية والتقدم».

كما أن الحزب الحاكم تعرض لموجة من الاستقالات الجماعية من جانب أعضائه، وتخلى عدد من رجال الأعمال الذين يمولونه عنه؛ بسبب اعتراضاتهم المستمرة على سياسات أردوغان.

كما تعد انتهاكات المنظومة الأمنية التركية لحقوق الأكراد وأنصار الداعية فتح الله جولن من أبرز الممارسات التي قد تنقلب على الرئيس التركي خلال العام الجديد، خاصة بعدما واصل اعتقال عدد كبير منهم، وحاصر مواقع التواصل والصحف ووسائل الإعلام المختلفة، مع وجود آلاف المعتقلين السياسيين في السجون، والفضيحة الأخيرة لتفتيش النساء عاريات في السجون، كلها عوامل تدفع الاتحاد الأوروبي إلى مزيد من الضغط على تركيا من أجل وقف تلك الانتهاكات وتحسين البيئة السياسية في الداخل.

سيناريوهات الفشل

سيناريوهات «فشل أردوغان» لم تتوقف عند الداخل التركي، لكنها امتدت إلى خارج الحدود، وباتت شبحًا يهدد استقرار نظامه، فقد ورط بلاده في حروب عدة وساءت علاقاته مع الدول العربية، واليونان وقبرص، وباتت هناك رغبة دولية في البحث عن بديل للرئيس التركي يمكنه التعاطي مع ملفات بلاده وعلاقاتها بجيرانها بطريقة أكثر عقلانية وهدوء، بدلًا من القطيعة السياسية التي أدخل بلاده فيها مع العديد من الدول والتي لم تجن منها أنقرة سوى الخسائر المتلاحقة، بالإضافة إلى العلاقات المتردية مع أمريكا، والتي نتج عنها فرض عقوبات ضد صناعة السلاح التركية.

في وقت تحل فيه إدارة جديدة بقيادة جو بايدن، والذي عبر في أكثر من مناسبة عن استيائه من سياسات أردوغان.

حقوق الإنسان

من جانبه، توقع المحلل السياسي التركي كمال جودت، أن «أردوغان سيتلقى انتقادات حادة وواسعة من المعارضة التركية في ٢٠٢١ خاصة في ملفات حقوق الإنسان وانتهاكاتها وفي حرية الرأي والتعبير، فهناك ما يقرب ٢٠٠ صحفي معتقل في سجون تركيا ولا يوجد أي دليل قانوني ضدهم وتهمتهم الوحيدة هي انتقاد سياسات أردوغان وحزبه.

وكذلك هناك ما يقرب ٩٠ ألف محتجز ومعتقل سياسي في السجون، وهذا يؤدى إلى فقد أصوات أكثر كل يوم من شريحة الحزب الحاكم».

وأضاف: الاقتصاد التركي يحتضر ولا يوجد أي مواطن في تركيا سواء كان من مؤيدي أردوغان أو معارضيه إلا تأثر تأثرا شديدا، وأصبح الجميع يشكو من الحالة الاقتصادية المتدهورة، متوقعًا أن تزيد تلك الحالة سوءًا في ٢٠٢١، نتيجة اتخاذ القرارات الصارمة المحتملة ضد تركيا من قبل جو بايدن الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية ومن قبل الاتحاد الأوروبي.

في المقابل أشاد «جودت» بالسياسة الخارجية لمصر في ليبيا، والتي وصفها بأنها «ناجحة للغاية» حيث تحذر دائما من التصادم لكنها لا تتراجع عن مصالحها الوطنية، مؤكدًا أن مصر تتحرك مع القوى الدولية في ليبيا وفي البحر المتوسط، فهذا يجعل أردوغان يتراجع دائما في سياساته الخاطئة في المنطقة، متوقعًا أن تخرج القوات التركية من ليبيا في ٢٠٢١ بعد أن تتضح معالم سياسة أمريكا في المنطقة.

واستطرد: «أردوغان زعزع ثقة الاتحاد الأوروبي في تركيا بسياساته المتقلبة، وجعل مستقبل تركيا في ظل حكمه غير معلوم، لعدم وجود الأرضية السياسية المدروسة والتي يمكن تأسيس إستراتيجية الدولة التركية عليها، ولكن لن تنقطع العلاقات الأوروبية والتركية تماما لكنها لن تكون وثيقة أيضا على المدى القريب».

من جهته، توقع محمد حامد، مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن تشهد تركيا انتخابات مبكرة؛ يهدف من ورائها أردوغان لتعزيز شرعيته على أرض الواقع وقطع الطريق على المعارضة التركية، وقد لا تشهد تركيا انتخابات لكي يبقى أردوغان في السلطة ويقر إستراتيجية لمواجهة بايدن الذي توعد بإسقاطه.

وأضاف: أردوغان يرتعد من ملف السياسة الخارجية حيث تخطى خلال السنوات الأخيرة الخطوط الحمراء، فعدل الدستور، وتمدد في سوريا وليبيا وأذربيجان وشرق المتوسط، وعلى ما يبدو لن يتكرر ذلك في عهد بايدن.

عام العقوبات الأمريكية

ومن المتوقع أن يكون 2021 عام العقوبات الأوروبية والأمريكية على تركيا، والتي سوف تقوض الاقتصاد التركي بشكل كبير، وتفتح الباب للمعارضة التركية لاستلام الحكم والوصول إليه من خلال أي انتخابات مقبلة، هذا إلى جانب أن الاقتصاد التركي يمر بركود منذ عام 2018 ونسبة البطالة مرتفعة، وهناك ارتفاع في معدل إفلاس الشركات، وتراجع العملة.

من جانبه، قال محمد ربيع الديهي، الباحث في الشأن التركي: إن الاقتصاد التركي يشهد تراجعا وتهميشا منذ أكثر من عامين إلا أن سياسة النظام التركي أدت إلى تهاوي الاقتصاد بصورة كبيرة خلال عام 2020 فبدلا من أن تحرص تركيا على إقامة علاقات اقتصادية مع الدول وجذب الاستثمارات الأجنبية عمل النظام في تركيا على دعم عدم الاستقرار والفوضى في الدول فضلا عن سوء السمعة الدولية لأنقرة ناهيك عن الدمار الذي أصاب الليرة التركية.

وأدى إلى فقدانها أكثر من 25% خلال العام الماضي 2020 من قيمتها، فضلا عن ارتفاع معدل البطالة الذي يقدر بأكثر من 25% خلال عام 2020، ناهيك عن ارتفاع معدل التضخم ليصبح الأعلى على مستوى العالم ناهيك عن عجز الميزانية التركية وارتفاع معدل الدين الخارجي بنسبة 165% بحسب بعض التقارير وكل هذه الأوضاع الاقتصادية تنذر أن الأوضاع الاقتصادية في عام 2021 سوف تزداد سوءا خلال هذا العام.

وهو ما قد يدفع النظام التركي لبيع المزيد من الأصول التركية لصالح قطر في محاولة لإنقاذ اقتصادها المتهاوي الذي يصارع الإفلاس نظرا لسياسة النظام العدائية مع الدول خاصة في ظل أن 19.5٪ من الإيرادات الضريبية للبلاد في الموازنة الجديدة ستذهب لسداد فوائد اقتراض الحكومة.

وأوضح «الديهي» أن «الوضع السياسي الداخلي لم يكن أفضل بكثير من قرينه الاقتصادي فكلاهما يشهدان قمعا وفرض رؤية أحادية من جانب أردوغان، فضلا عن سجن المعارضة والبرلمانيين المعارضين للنظام وتمرير العديد من القوانين خلال عام 2020 بهدف حفاظ النظام التركي على الأغلبية البرلمانية وتمرير قوانين تؤكد بقاءه في الحكم لأطول فترة ممكنة.

كل ذلك في ظل الانقسام الداخلي الذي يعانيه الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) من انشقاقات بعد خروج العديد من الشخصيات المؤسسة ورفضها لسياسات الحزب وسياسة أردوغان الديكتاتورية في تركيا حيث انفصلت أكثر الشخصيات تأثيرا في الحزب وهم على باباجان وأحمد دود أوغلو عن الحزب بل وقام كلاهما بفضح النظام التركي وطرق خداع الحزب مما أفقد الحزب العديد من قياداته المؤثرة في تركيا، فضلا عن انشقاق أكثر من مليون عضو من القاعدة الشعبية للحزب عنه.

كل هذه المؤشرات وغيرها قد تواجه بمزيد من القمع من جانب النظام في ظل تمرير النظام التركي قانون حراس الليل وهو الأمر الذي يهدد أي معارض، ومن هنا فإن المعارضة التركية، وإن كانت في تزايد خلال الأعوام السابقة، إلا أن عام 2021 سوف يكون أكثر الأعوام قمعا للحريات وللمعارضة بشكل عام».

سياسة تركيا العدائية

ولفت «الديهي» إلى أن حقيقة سياسة أردوغان عدائية وقد عفا عليها الزمن إلا أنه ما زال يسعى لفرض أمر واقع وإعادة إحياء الإرث العثماني، فضلا عن استخدامه الإرهاب كأداة لتحقيق هذا الطموح، إضافة إلى الرفض الشعبي لأى نفوذ أو حضور تركي داخل المنطقة، لذلك فشلت السياسة التركية في الملفين الليبي والسوري.

ومن هنا فمن المتوقع استمرار فشل أنقرة في تلك السياسات خلال عام 2021، وأوضح أنه على صعيد العلاقات الأوروبية التركية لن يشهد العام أي تحسن في العلاقات مع أنقرة حتى إن قام أردوغان بتعديل سلوكه فما أحدثه النظام التركي من انتهاكات وتعد على السيادة الأوروبية كاف لاستمرار الرفض الأوروبي لتركي فضلا عن إضعاف فرص انضمام أنقرة للاتحاد في ظل الخلافات التركية مع الدول الأوروبية.

ومن هنا فعام 2021 سوف يشهد مزيدا من التوتر في العلاقات فضلا عن مزيد من العقوبات على أنقرة بسبب عدد من الملفات منها انتهاكات شرق المتوسط والتدخل في ليبيا وسوريا ودعم الإرهاب والفوضى فضلا عن العداء التركي مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

نقلًا عن العدد الورقي...
الجريدة الرسمية