رئيس التحرير
عصام كامل

الجوع يهدد سكان القارة السمراء.. 216 مليون أفريقي مهددون بالموت.. و5 ملايين طفل يعانون من سوء التغذية.. والعالم يبحث جمع 7.1 مليارات دولار لمواجهة الأزمة

الجوع يهدد سكان القارة
الجوع يهدد سكان القارة السمراء-أرشيفية

في وقت يعانى فيه ربع سكان أفريقيا من نقص التغذية؛ يستضيف الاتحاد الأفريقي الأحد المقبل وعلى مدى يومين اجتماعا دوليا رفيع المستوى في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لبحث تجديد الشراكة من أجل اتخاذ مواقف موحدة لإنهاء الجوع في القارة، ودعم البلدان الأفريقية وحكوماتها والمجتمع المدنى حول تبنى التجارب التي أثبتت نجاحها في بلدان أخرى.


ودعت إلى هذا الاجتماع مفوضية الاتحاد الأفريقى، ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو" ومعهد لولا دا سيلفا البرازيلى، ويتوقع أن يسفر عن الاجتماع تبنى إعلان يعبر عن ألتزام سياسي بتعزيز ومظافرة الجهود الأفريقية والدولية لمحاربة الجوع وتقوية ومرونة المجتمعات الريفية وضمان الأمن الغذائى لسكان الحواضر، وأيضا تحديد العمل المشترك المطلوب القيام به على الفور في أماكن محددة بأفريقيا لأبراز قدرات هذه المبادرة.

أنها لمفارقة قاسية في عالم اليوم الذي يشهد فائضا في الغذاء أن يظل الجوع وسوء التغذية منتشرين في قارة تتمتع بمقدرات زراعية هائلة.. فأفريقيا تلك القارة التي تملك الموارد المائية والثروات مالاتملكه قارة أخرى، تجوع شعوبها إلى درجة الموت أن لم تأت المعونات من الخارج معونات لاتمنع من وقوع كارثة أخرى، وأنما تمهد لوقوع ماهو أشد فقد قال روبرت بير منسق شئون المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة أن هناك 11 مليون شخص على شفا الموت جوعا في منطقة الساحل الأفريقى، وأكثر من 200 مليون جائع في أفريقيا جنوب الصحراء، و5 ملايين طفل يعانون من سوء التغذية؛ مضيفا أن العالم في حاجة إلى 7.1 مليارات دولار لإنقاذهم لكن الأمم المتحدة لم تستطع جمع أكثر من 36 % من هذا المبلغ.

وإذا كانت الاقتصادات الأفريقية حققت نموا بنسبة 5% في العشر سنوات الماضية إلا أن هذا النمو لم يفعل إلا القليل نحو خفض معدلات الفقر والجوع وبالتالى فالانتعاش الأقتصادى لم يكن له الأثر المتوقع حيث تمثل أفريقيا ثانى أسرع نمو في العالم بعد آسيا إلا أن 48% من سكانها يعانون من الفقر.

وذكر تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائى إلى أن أفريقيا تحتاج إلى تعزيز القطاع الزراعى ومكافحة مشكلة الجوع إذا أرادت المحافظة على نمو اقتصادى مستمر، ودعا التقرير إلى الاستثمار في زيادة الإنتاج الزراعى ليس من أجل مكافحة الفقر فقط ولكن أيضا لتوفير وظائف جديدة للعدد المتزايد من السكان الذي سيتضاعف إلى مليارى نسمة بحلول عام 2050.

ويرى المتخصصون أن الجوع يعتبر وصمة عار لعصر العولمة وللدول الغربية والمنظمات الدولية مما يتطلب تحركا سريعا من المجتمع الدولى وبذل جهد أكبر من أجل حل دائم لمشكلة المجاعات الدائمة في أفريقيا ويجب أن تطال هذه الحلول اساليب الزراعة المتبعة والقيام بأرشاد الفلاحين إلى أساليب أخرى تعود بالنفع الأكبر عليهم إلى جانب تحسين الخطط والتقنيات الزراعية بالإضافة إلى الاهتمام بالبنية التحتية.

ومثال ذلك في النيجر ذلك البلد المترامى الأطراف يعانى ممن عدم وجود شبكة طرق تربط الحقول بأسواق البذور والأسمدة وغيرها من المستلزمات الزراعية أو حتى بأسواق التصريف، وفى نفس الوقت ضرورة بلورة إستراتيجية حقيقية للتنمية الزراعية ومقاومة المضاربات حول المواد الأولية ومساعدة الفلاحين الفقراء على الاستثمار في الزراعة.

ومن ناحية أخرى تستطيع الدول الأفريقية درء مخاطر المجاعات حتى قبل وقوعها والتخلص من ويلاتها وذلك بإنشاء مشاريع الطاقة المائية لتستخدم في الزراعة والصناعة والنقل فأفريقيا من أغنى قارات العالم في الثروة المائية.

ووفقا لتقرير من البنك الدولى فإن أزالة القيود بين الحدود من شأنه تفادى أزمات غذائية مع أتاحة الفرصة أمام المزارعين للتجارة بحرية أكبر مع بعضهم البعض وتوصيل الغذاء إلى المناطق التي تعانى نقصا فيه بالإضافة إلى ذلك يرى البنك الدولى أن تخفيف القيود على تجارة المواد الغذائية من شأنه أن يدر مايقدر بنحو 20 مليار دولار في صورة إيرادات سنوية للحكومات الأفريقية.

كم من ملايين الأطنان من المواد الغذائية يمكن أن تنتج سنويا لو تضافرت الجهود الأفريقية وأنتهجت سياسات اقتصادية تخدم شعوبها، وأيضا لو توفرت لها الارادة لما جاع شعب من شعوبها ولما أنتظر المعونات والإغاثات فمع العزم والإرادة يمكن تخطى الأزمات وإلا فعند ظهور أي مجاعة في أي بلد أفريقى لن تكون سوى كارثة جديدة تواجهها القارة.

وقد حذر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الانمائى في 16 مايو 2012 من تأثير فترات الجوع طويلة المدى وسوء التغذية في تدمير الأسر والمجتمعات المحلية على المدى القصير مما يؤدى إلى ترك أثر على أجيال المستقبل مما يقوض جهود التنمية البشرية.

ويرى التقرير الأممى ضرورة إطلاق خطة أمن غذائى من خلال اتخاذ إجراءات فورية في 4 مجالات أساسية منها وضع خطة لزيادة الإنتاجية، ووضع سياسات تساعد على زيادة الإنتاجية بما في ذلك تنمية البنية التحتية وتشجيع المبادرات الزراعية لتغطية احتياجات سكان القارة.

وبالرغم من هذه الأوضاع المأساوية إلا أن هناك فجرا جديدا من التفاؤل بدأ يبزغ أمام تنمية أفريقيا وزيادة الإنتاجية الزراعية بعد عقود من تراجع الإنتاج الغذائى للفرد، وقد أظهر تقرير أصدره المعهد الدولى لبحوث سياسة الغذاء بالتعاون مع منظمات أخرى تعمل في هذا المجال أن أفريقيا ككل كان أداؤها في معالجة مشكلة الجوع خلال العقد الماضى أفضل نسبيا ويرجع ذلك إلى قلة الحروب، وأن الحكومات أصبحت أفضل في التركيز على تحسين الصحة بين صغار الأطفال.

وذكر التقرير أيضا أن مؤشر الجوع في العالم يشير إلى أن نسبة نقص الأغذية وسوء التغذية قلت في أجزاء كثيرة من القارة الأفريقية ولكن تلك النسب لازالت مثيرة للقلق في بلدان مثل اريتريا وبوروندى، وأضاف التقرير الذي اتسم بالشمول أن العالم بمجمله مقبل على تقلص كبير في حجم الأراضى الزراعيةالمنتجة بسبب زيادة السكان.

ويرى المراقبون أن مشكلة الجوع تبدو للوهلة ظاهرة اقتصادية بل وظاهرة من مظاهر عمل الطبيعة أيضا وهذا ماتركز عليه معظم المنظمات الدولية بسبب الجفاف والفيضانات والأعاصير وغزو الجراد والأفات الضارة والأمراض التي تصيب المحاصيل.. أما السبب الثانى لتفاقم كارثة المجاعة غياب الاستثمار في مجال الزراعة وسوء إدارة الموارد الطبيعية غير أن أكثر الأسباب شيوعا الحروب التي تنشب وتؤثر على توزيع المحاصيل والمواد الغذائية جراء اللجوء لأساليب الحصار والأغلاق وتدمير طرق النقل والشاحنات، كما تشكل الحروب أكثر العوامل المؤدية إلى توسيع دائرة الجوع فمنذ عام 1992 تضاعفت الأزمات الغذائية حيث أرتفعت من 15% إلى أكثر من 35 %.

كما ترجع ظاهرة الجوع بالأساس إلى ارتفاع أسعار الغذاء وعدم قدرة الفقراء على الحصول عليها، وارتفاع أسعار الغذاء يعود في جزء ملحوظ منه لتنامى الأعتماد في أوربا وأمريكا على الوقود الحيوى الذي يعنى تحويل الأراضى الزراعية من إنتاج الغذاء إلى إنتاج محاصيل مستخلص منها الوقود.

ومما يفاقم مشكلة الجوع ويزيد من وتيرتها سوء إدارة الحكم وانعدام الأمن والافتقار إلى البنية التحتية الضرورية والتعليم الجيد، ولقد ظل الفقر المدقع وسوء التغذية ومعدل الوفيات المرتفع لاسيما وسط الاطفال هي السمات الغالبة في كل المجاعات.

ومما يذكر فإن تاريخ المجاعات في أفريقيا يمتد لقرون طويلة ففى ثماننييات القرن السابع عشر طالت المجاعة أرجاء الساحل الأفريقى برمته وتعرضت إثيوبيا لكوارث جوع متكررة ولعل أسوأها كان عام 1888 والسنوات التي تلتها، وكانت الحروب سببًا في معظم المجاعات التي شهدتها أفريقيا خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، كما ساهم أدخال المحاصيل النقدية كالقطن وأرغام الفلاحين على زراعتها في أفقارهم في العديد من المناطق مثل شمال نيجيريا مما أدى إلى تعرضها للمجاعة عندما ضربها جفاف شديد عام 1931 وعانت رواندا من المجاعة أبان الحرب العالمية الثانية وكذلك مالاوى عام 1949 وخلال الفترة بين عامين 1967 و1969 حدثت مجاعة على نطاق واسع في إقليم بيافررا ونيجيريا ويقدر عدد من ماتوا خلالها بنحو 1.5 مليون نسمة.

ومن الدول التي شهدت مجاعات خلال الفترة من 1983و 1985 إثيوبيا والسودان وهى المجاعة التي كانت أحد أسباب الأطاحة بالرئيس جعفر النميرى، وفى عام 1991و 1992 تسبب الجفاف والحرب الأهلية في المجاعة في الصومال.

ومن أسوء المجاعات التي حدثت في أفريقيا تلك التي طالت الساحل الأفريقى عام 2010 خصوصا في النيجر ومنطقة غرب أفريقيا حيث عانى ملايين الناس من قلة الأمطار ونقص الغذاء في بلدان مثل تشاد وبوركينا فاسو، شمال نيجيريا، وفى عام 2011 ضرب جفاف شديد منطقة القرن الأفريقي مما أودي بحياة الآلاف في الصومال والدول المجاورة.

ويعتقد المتخصصون أن السبيل الفعال الوحيد لمواجهة مشكلة الجوع يتمثل في تضافر وتنسيق أنشطة الحكومات والوكالات التي تمثل الأفارقة والوكالات متعددة الأطراف والمنظمات الدولية مع أشتراك القطاع الخاص والمجتمع المدنى، بالإضافة إلى تعزيز دور برامج النيباد وبرنامج التنمية الزراعية الأفريقى الشامل لتنسيق وتوحيد المبادرات المختلفة الجارية التي تستهدف القضاء على المجاعة في أفريقيا.
الجريدة الرسمية