رئيس التحرير
عصام كامل

سيطرة نسائية في "البندقية"

مغامرة كبيرة أقدم عليها مهرجان البندقية السينمائي الدولي، بتنظيم الدورة الـ77 رغم تفشي جائحة "كورونا" والزيادة الكبيرة في عدد المصابين بأوروبا، ليصبح أول مهرجان سينمائي دولي كبير يقام منذ بدء أزمة الفيروس، وترافق مع التنظيم الاستثنائي جملة تغييرات إيجابية سجلها أقدم مهرجانات العالم..

 

لعل أبرزها الانتصار الواضح للمرأة وهو الذي كان يتهم دائما باضطهادها والانتقاص من قدرتها لصالح صناع السينما الرجال، وحين سعت النساء لتغيير نهج مدير المهرجان ألبرتو باربيرا، هدد بالاستقالة من المهرجان، لو فرضت عليه مشاركة أفلام نسائية لم يقتنع بمستواها الفني.


خريف الرعب في الولايات المتحدة

 
تمثل التغيير الأول في اختيار الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت، لرئاسة لجنة التحكيم، فسعت لفرض قناعتها في تحكيم أفلام المسابقة الرسمية، ولم تجد بلانشيت "العقلانية" حرجا في تكرار إطلالتها في المهرجان الذي تترأس تحكيمه، إذ ارتدت في حفل الافتتاح فستانا أنيقا سبق أن أطلت به قبل 5 سنوات في العرض الأول لفيلمها "كارول" في لندن، وهو أزرق داكن متلألئ من مجموعة مصمم كولومبي لعام 2016. ثم ارتدت في عرض فيلم "Amants"، بلوزة مطرزة متعدد الألوان وبنطلونا أسود فضفاضا للمصمم البريطاني ألكساندر ماكوين، سبق أن ارتدتها في حفل جوائز Baftaالعام 2016.

أما التغيير الجذري الذي أحدثته بلانشيت في دورة المهرجان، فكان تتويج الفيلم الأميركي "نومادلاند" بجائزة "الأسد الذهبي"، بفضل الأداء اللافت للممثلة فرانسيس ماكدورماند الحائزة جائزتي "أوسكار"، لتصبح بذلك المخرجة الأميركية من أصل صيني كلوي تشاو (38 عاماً)، أول امرأة تنال الجائزة الإيطالية العريقة منذ 10 سنوات، حين فازت بها المخرجة صوفيا كوبولا عن فيلم "ساموير" العام 2010.

 

وأرادت بلانشيت بذلك إعادة المرأة إلى منصة تتويج "البندقية" بعد سنوات الغبن، فضلا عن أن الفيلم يمثل أحد الإنتاجات الأميركية القليلة المشاركة في المهرجان هذا العام.

لم تتمكن المخرجة كلوي تشاو، من حضور المهرجان بسبب الاحترازات الصحية العالمية، غير أنها علقت على فوزها بـ "الأسد الذهبي" في رسالة بالفيديو صورتها في حافلة بولاية كاليفورنيا وقالت "شكراً جزيلاً.. لم نتمكن من الحضور للظروف الصحية العالمية"، بينما قالت الممثلة فرانسيس ماكدورماند التي كانت بجانبها "شكراً لأنكم استقبلتمونا بمهرجانكم في هذا العالم شديد الغرابة، شكراً جزيلاً على الأسد الذهبي، سنعاود اللقاء مجدداً".

يتناول الفيلم الفائز "nomadland"، رحلة للتعرف إلى النفس، واستكشاف جوهر الكون، لتدرك البطلة أن الحقيقة الوحيدة هي الأرض والصخرة والشمس، خلال رحلة على الطريق بمركبتها، خارج مجتمعها التقليدي. أشارت المخرجة تشاو إلى إعجابها بفكرة قرأتها في كتاب لإدوارد آبي جاء فيها "يأتي الرجال ويذهبون، تنهض المدن وتنهار، وتظهر حضارات بأكملها وتختفي، وتبقى الأرض، رغم أنها تتغير قليلاً". 

 

إسرائيل اجتاحت العرب بـ "فوضى"

 

وأضافت: "بحكم نشأتي في مدن بالصين وبريطانيا، أجد نفسي منجذبة في التصوير إلى الطريق المفتوح والبحث عما هو أبعد من الأفق".

نال مهرجان "البندقية" الثناء والإشادة بتكريم استثنائي للممرضة الإيطالية أليسيا بوناري، من أبطال الصفوف الأولى الذين حاربوا جائحة كورونا بمستشفى ميلانو في أسوأ فترات تفشي الوباء، ومنحها المهرجان جائزة "شخصية العام" المستحدثة بناء على اقتراح تيزيانا روكا، إحدى مسؤولات المهرجان.


أطلت الممرضة بوناري على البساط الأحمر للمهرجان في ثالث أيامه، بوصفها من المكرمين والضيوف الرسميين، وتميزت بفستان أسود براق، وحقيبة أنيقة وماكياج خفيف وتصفيفة شعر بسيطة منسدلة، وقالت بوناري عن اختيارها "شخصية العام": "شكرا على المودة التي وجدتها وعلى التكريم في المهرجان، وقبل كل شيء شكرا إيطاليا. سعيدة لتمثيل فئتي من الممرضين والأطباء هنا، كان الأمر كالحلم، وغدا سأعود ميلانو، إلى العمل".


كما شهد المهرجان أيضا تكريم الممثلة الانكليزية تيلدا سوينتون ورئيسة لجنة التحكيم كيت بلانشيت بجائزة "انجاز العمر".  

وفي كلمتها الافتتاحية قالت بلانشيت، إنها أرادت التضامن مع صانعي الأفلام الذين اضطروا لاستكمال أعمالهم في ظل ظروف مليئة بالتحديات لمجابهة الجائحة، ومن حسن الحظ ان الأفلام الثمانية عشر المشاركة في المسابقة الرسمية، بينها ثمانية أفلام من إخراج نساء للمرة الأولى منذ سنوات.


وأشادت بلانشيت بحضور رؤساء أكبر 8 مهرجانات سينمائية لدعم "البندقية" وصناعة السينما، وقالت "أرى أنها تبدو كخطوة جماعية حقا وبطريقة ربما لم تحدث من قبل". ولم يغب عن بلانشيت ومدير المهرجان ألبرتو باربيرا، الإشارة إلى التأثير السلبي لارتفاع أسهم ودور منصات البث الرقمية خلال أشهر العزل وإغلاق السينما "نواجه اليوم خطر الاتجاه صوب تراجع مطرد لدور السينما لصالح المنصات الرقمية".

 

التطبيع في الدراما الرمضانية

 
وأثار حضور رؤساء المهرجانات السينمائية الكبرى "كانّ، برلين، روتردام، سان سيباستيان، لوكارنو، كارلوفي فاري ولندن" إلى "البندقية" الإعجاب، إذ أرادوا دعم أول حدث فني دولي يقام منذ بدء الأزمة الصحية التي أضرت كثيرا بعالم الترفيه وعانت بسببه السينما الأمرين وأصيبت بالشلل التام.

نجاح تنظيم مهرجان "البندقية"، لدورة استثنائية سيطرت عليها النساء في التحكيم والجوائز والتكريم وغيرها، على غير العادة، لم يخل من التحديات في ظل ارتفاع عدد الإصابات بالفيروس ثانية في إيطاليا وغيرها، لذا طبق المهرجان إجراءات احترازية صارمة..

 

منها إلزامية وضع الكمامات أثناء مشاهدة الأفلام وخلال حفلي الافتتاح والختام وعلى البساط الأحمر. وفي المباني المخصصة للعروض والمؤتمرات الصحافية ومعظمها على الشاطئ، نشرت الماسحات الضوئية لقياس درجة حرارة الحضور، مع وضع الكمامات داخل الصالات وخارجها، وتقليص عدد المقاعد في الصالات إلى النصف لضمان التباعد الاجتماعي، وزادت إدارة المهرجان نقاط التفتيش بالقرب من "قصر السينما"، حيث تولت عناصر الشرطة قياس درجة حرارة الداخلين، والتأكد من وضعهم الكمامات بطريقة سليمة، لتجنب تحوّل المهرجان بؤرة للفيروس.


ورغم محدودية حضور نجوم السينما العالميين إلى "البندقية" مقارنة بالدورات الفائتة، إلا أن المهرجان نجح تماما في الاختبار مما يشجع غيره من مهرجانات العالم على أن تتبع خطاه.

الجريدة الرسمية