رئيس التحرير
عصام كامل

إسرائيل اجتاحت العرب بـ "فوضى"

سعت إسرائيل إلى التطبيع المجتمعي مع مصر والأردن بعد أن أبرمت معهما معاهدات سلام دون فائدة، فاقتصرت العلاقات على المجال السياسي وبعض الجوانب التجارية، وكما ذكرت في مقال سابق، لذا لجأت أخيرا إلى التغلغل في المجتمع العربي حتى تتقبل الشعوب فكرة التطبيع، وبعدها تعلن بدء العلاقات الرسمية مع كثير من الدول العربية.

 

من هنا كان اللجوء إلى "القوّة الناعمة" ممثلة في الفنون، خصوصا الدراما لقدرتها على توجيه الرأي العام وتأثيرها البالغ في المتلقي، ومع مشاركة إسرائيل في مؤتمر بحريني وبطولة رياضية قطرية وأخرى إماراتية، تلاها عرض عملين دراميين في رمضان تناولا التواجد اليهودي في الخليج، والعلاقة مع إسرائيل، هما "أم هارون"، و"مخرج 7"، صحيح انهما أثارا جدلا بمضمونهما لكنهما جعلا المشاهد يفطن إلى أن الهدف من عرضهما حالياً هو التطبيع مع إسرائيل.

 

اقرأ أيضا: الصالح والطالح في المهن كلها

 

بالتزامن يعرض عبر "نتفليكس"، الجزء الثالث من المسلسل الإسرائيلي "فوضى"، الذي نجح في اختراق المجتمع العربي وجعله يتفاعل مع الحلقات ويتقبل الوجود الإسرائيلي، عبر التعاطف مع المواقف الإنسانية والشخصيات التي تتحدث العربية، وتجذبه الإثارة والتشويق في المعالجة والرؤية الفنية وصولا إلى تصديق الرواية الإسرائيلية للأحداث في الحلقات.

 

يعد "فوضى" نموذجا لعلاقة المصلحة المتبادلة بين "نتفليكس" و"إسرائيل"؛ فتطبيق "نتفليكس" المدفوع اجتاح العالم والدول العربية في ظل الحجر المنزلي، حتى إن الشركة المالكة حققت أرباحاً تفوق أرباح "ديزني"، خلال الأشهر الأخيرة، فمسلسل "فوضى" يحقق الهدف السياسي الذي تريده إسرائيل، وفي الوقت نفسه تجني شبكة "نتفليكس" مزيدا من المال في ظل الإقبال العربي غير المسبوق على مشاهدة أعمالها وفي مقدمتها "فوضى" الإسرائيلي، الذي تصدر "ترند" المشاهدة لبنانياً، بينما حل ثالثاً في الإمارات، وجاء في مركز متقدم في الأردن وسورية ودول عربية عدة.

 

دراما "فوضى" من 3 أجزاء، تروّج لأفكار إسرائيلية، من انتاج واخراج وتمثيل إسرائيلي بتعاون فلسطيني، صورت معظم أحداث الموسمين الأول والثاني في الضفة الغربية المحتلة، وفي الموسم الثالث، صور الكاتبان آفي اسخاروف وليئور راز معظم مشاهده على أنها بقطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس.

 

اقرأ أيضا: ارحموا مصر من الفضائح

 

أما كلمة "فوضى"، فهي شيفرة بين أعضاء مجموعة سرية تشير إلى أي عملية تخرج عن مسارها، والعمل عن فرقة عمليات خاصة "مستعربين" تابعة للموساد، تتعايش مع الفلسطينيين لملاحقة عناصر من حركتي "حماس" و"فتح".

 

يتعمق الموسم الحالي أكثر في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وسط تشويق وإثارة وأداء مميز بلغة عربية يتقنها الجميع، ونال المسلسل إشادة دولية لجرأته وتميزه، كما اختارته صحيفة "نيويورك تايمز" ضمن أفضل العروض الدرامية، بينما انتقده نشطاء فلسطينيون باعتباره دعاية لإسرائيل وطالبوا بمقاطعة "نتفليكس".

 

وفي هذه الجزئية تحديدا، يقر ثنائي التأليف اسخاروف وراز بأنهما عالجا الصراع من وجهة النظر الإسرائيلية، وقال آفي اسخاروف "بما أن ليئور وأنا كلانا يهودي وإسرائيلي وصهيوني فلا يمكن أن نكون منصفين، المسلسل ليس سردا مشتركا للأحداث".

 

اقرأ أيضا: العالم محجور والشائعات تزدهر

 

ويكمل ليئور راز "أردنا أن يشاهد الناس القصة والحبكة التي نكتبها، نحن لا نسعى إلى تغيير العالم، لكن بوسعنا دفع الناس للحديث مع بعضها البعض والسعي لفهم أفضل".

 

ولم يخف الثنائي اسخاروف وراز، أن فريق العمل تفاجأ بالانتشار الكبير للمسلسل في الدول العربية وتحقيقه مشاهدة قياسية في ظل الحجر الصحي وسياسة الإغلاق الجزئي، واعتبرا أن جزءا من "رواج المسلسل الإسرائيلي يعود إلى اللغة العربية المستخدمة، لكن نسب المشاهدة الكثيفة لها أثر بالغ في إسرائيل، فالمسلسل أول تواصل فني حقيقي مع الجمهور العربي الذي نفتقر لأي وسيلة تواصل معه".

 

يهدف المسلسل إلى تلميع صورة الاحتلال الإسرائيلي وإظهار ديمقراطيته وإنسانيته في مقابل وحشية وعدوانية الفلسطينيين، من خلال وحدة المستعربين، التي نفذت جرائم عدة ضد الشعب الفلسطيني، باعتبارها رد مشروع على عمليات المقاومة.

 

اقرأ ايضا: أردوغان "خليفة" الإبتزاز والبلطجة

 

في الموسم الثالث من "فوضى"، تختطف حركة حماس اثنين من الإسرائيليين في قطاع غزة، وتسعى فرقة "المستعربين" لتحريرهما والانتقام من الخاطفين، ومع تصاعد الأحداث وتشابكها يتعمد المسلسل تبيان الفرق بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فيظهر الإسرائيليون أصحاب مبادئ ويحترمون كلمتهم وعلاقاتهم، فيما الفلسطينيون خونة يبيعون من عاشروهم لمصالح شخصية أو عند حدوث مشكلة..

 

مع التأكيد على معاناة طرفي الصراع عند سقوط ضحايا أبرياء وخسائرهما المتبادلة نتيجة استمرار الاعتداءات وعدم التعايش، في محاولة لتضليل المتلقي وإيهامه بالحياد الإسرائيلي في تناوله الدرامي للصراع مع الفلسطينيين، وإغفاله رفض الاحتلال جميع الحلول السلمية لإنهاء الصراع وإصراره على اغتصاب مزيد من الأراضي العربية.

 

يجب التوقف عند الإقبال العربي على مشاهدة الدراما الإسرائيلية ممثلة في "فوضى"، لأنه ينم عن إعجاب بالفن الإسرائيلي أو حتى فضول للاطلاع على أفكار ومستوى دراما الإحتلال، وفي الحالتين على الآباء الانتباه لما يشاهده أبناؤهم خشية إعادة تشكيل وجدانهم بأفكار مغلوطة وتزييف للتاريخ وتصديق الرواية الإسرائيلية وسط أجواء الإبهار والتشويق والإثارة الدرامية.

الجريدة الرسمية