رئيس التحرير
عصام كامل

هل يرقص الفساد في القاهرة بعد بيروت؟

من منا لا يُحب لبنان؟ البحر والجمال، وتلك اللكنة الشامية الرقيقة، وجبال الأرز والجليد والدبكة اللبناني والطعام اللبناني الشهي، ومن منا لا يتمنى السفر الى بيروت؟ مدينة البهجة والسعادة، وفجأة، تملأ المآتم بيروت، وتعم الأحزان لبنان، وتتجدد آلام الفقد والدمار التي أوشك اللبنانيون أن ينسوها منذ الثمانينيات.

وعُدنا لمشاهد الأم الثكلى، والأب الحائر بأبنائه، والدماء وهي تسيل من رؤوس الأبرياء، وخسائر بالمليارات، وتدمير في البنية الأساسية، وهناك بعض الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة:


1ــ ما السبب؟

2ــ هل تأملنا في هذا الحدث الجلل واعتبرنا؟

 

هذا هو المستشار محمد هشام مهنا "الإنسان"

لم تكن سوى لحظات، حين هزت انفجارات ضخمة مِرفأ بيروت، الثلاثاء الماضي، مما أدى إلى وفاة العشرات، ودمار جزء كبير من الميناء وتدمير مبان وتهشيم نوافذ وأبواب مع تصاعد سحابة على شكل فِطرٍ عِملاقة فوق العاصمة، شبهه البعض بقُنبلتي هيروشيما ونجازاكي على اليابان، في مشهدٍ تُجسده بصدق، لمن لم يُشاهِده، أغنية "انا وشادي" للرائعة فيروز.

وقال مدير الأمن العام اللبناني، إنه ربما يكون الانفجار قد وقع بسبب مواد شديدة الانفجار كانت مُصادرة من سفينة منذ وقت مضى ومُخزَنة في المرفأ. وقالت قناة إل بي سي اللبنانية إن المادة هي نترات الصوديوم.

كما صرح مدير الأمن العام أن 2700 طن، من مادة الأمونيوم هي ما انفجر داخل مرفأ بيروت، في دائرة قطرها ٩٠ كيلومتر، وتدخلت العناية الإلهية ليكون نصف تلك الدائرة في البحر، ويذكر أن تلك الشحنة كانت في طريقها إلى أفريقيا قبل مُصادرتِها.

 

«المنطقة الميتة» في المؤسسات المنكوبة

 

ونترات الأمونيوم، مادة كيميائية شائعة الاستخدام في الأسمدة الزراعية، وهي عبارة عن مركب خطر، يمكن أن يكون شديد الانفجار، وفق ما نقل موقع "لايف ساينس"، ونفهم من ذلك أن تلك الكمية سواءً أكانت نترات أمونيوم أم صوديوم هي التي أحدثت ذلك الدمار، وحولت بيروت، المدينة السياحية، إلى مدينة منكوبة.

وخوفًا من تكرار مثل هذا السيناريو، يجب علينا جميعًا أن نُحارب الإهمال والفساد كما نحارب الإرهاب، بل و أكثر، إذ إن لم يكن الإهمال مساويا للإرهاب فيما يخلفه للدولة من آثار مدمرة فهو أقوى منه في هدم مفاصلها وتدمير بنيتها التحتية، فنحن نملك أن نقطع يد الإرهاب برفع الوعي، وبشجاعة أبناء هذا الوطن البواسل.

ولكن أذرع الفساد متعددة ومتغلغلة، تنال منا دون أن نشعُر، وتُدمِر الأرضَ من تحتنا حتى تبتلعنا فجأة، أو يغرق كل منا وحيدًا في مياه الفساد العفنة التي تحيط به وهو يحاربها منفردًا، فلا تنتفض من أجله الأمم المتحدة، ولا يشجب غَرَقَهُ زعماء الدول الشقيقة.

 

لماذا تعدى سامح كمال على سلطة المشرع؟

 

لم يكن من السهل أن تهتز بيروت مجددًا جراء حربٍ أهلية، فقد وعى الجميع هناك الدرس، ولن يستطيع العدو التاريخي أن يتقدم خطوة واحدة داخل حدودها، ولو تجرأ لوجد من يُعْيدُه من حيث أتى.

ولكن الكارثة جاءت من عدم الضرب على أيدي الفاسدين، فهل حان الوقت لنعيَّ نحن ايضًا الدرس، ونحفظ أبناءنا وبناتنا من انفجار يبتلعهم فُرادى أو جماعات؟ ألم يئن للساكتين على الفساد أن يخرجوا عن صمتهم، ويكسروا قيودهم؟ أليس من الأسهل علينا أن نشُن حربًا على الفساد، ونُحدد نحن ساعة الصفر، و أرض المعركة، بدلًا من أن ينفجر في وجوهنا؟

ليست قذائف الفساد التي تقتلنا هي نترات الأمونيوم المُخزَنَّة بطريق الخطأ والإهمال وحسب، إنها أيضًا دواءٌ مغشوش، وغذاءٌ مُسرطَّن، ودعمٌ لا يصلُ لمستحقيه، وتعليمٌ فاشل، وتلوثٌ بيئي، وبناءٌ على أملاك الدولة، وبناءٌ آخرٌ مُخالِف، وشوارع بلا رصف، وأخري تُرصف كل عام، وسُيول بلا بلاعات مطر، وأموالٌ مُهدرة، ومناصبٌ تُسند لغيرِ أهلها، وغيرها من الجرائم والمخالفات التي طالما فضحناها، نحن وغيرنا، ولم تجد أبطالًا يواجهونها.

 

لماذا يفتقد طارق شوقي الإجابة النموذجية؟

 

واليوم، نُعيد طرقَ الأبواب، ودقَ النواقيس، وعلى الجهات المعنية مراجعة ما سبق نشره لسنوات، فأغلب هذه الجرائم لم تسقط بعد بالتقادم، وخالص تعازينا للشعب اللبناني الشقيق في نكبة الفساد، ولعلها تكون الأخيرة.. وللحديث بقية.

الجريدة الرسمية