رئيس التحرير
عصام كامل

60 سنة تليفزيون.. حان وقت الإصلاح.. خبراء إعلام يرسمون "خارطة طريق" لعودة أمجاد التليفزيون.. وحل جذري للديون

حسن عماد مكاوي
حسن عماد مكاوي

في الساعة السابعة من مساء يوم الحادى والعشرين من يوليو العام 1960، أي قبل ستين عامًا بالتمام والكمال، انطلق التليفزيون المصرى، مُستهلًا إرساله باحتفالات ثورة 23 يوليو التي لم تكن قد بلغت عامها الثامن.

 

وبعيدًا عن المحطات والمراحل التي سبقت انطلاق التليفزيون المصرى، وبعيدًا عن التغنى بأمجاد الماضى، فمثل هذا الكلام سوف تجدونه في مواضع أخرى، فإننا ومن خلال هذه المناسبة يجب أن يكون شغلنا الشاغل، البحث في الأسباب التي غاب من أجلها ماسبيرو في السنوات الأخيرة، حتى هجره المشاهدون إلى غيره من الشاشات الخاصة والعربية، والبحث أيضًا في سبل استعادة الريادة الإعلامية المفقودة التي جعلته بلا تأثير رغم ما تمر به البلاد من تحديات داخلية وخارجية.

 

فقدان البوصلة

 

دعونا نعترف بأن الإعلام الرسمى، وفى القلب منه التليفزيون، فقد بوصلته ورشده وضل الطريق، حتى أصبح عبئًا ثقيلًا على الدولة، وضيفًا غير مرغوب فيه على المشاهد. هناك أسباب كثيرة قادته إلى هذا المصير البائس، بعضها داخلى، والبعض الآخر بسبب ظروف خارجة عن إرادته. التليفزيون المصري في هذه اللحظة الراهنة فاقد الرؤية، عديم الأثر، غائب عن الوعى، أشبه بمريض موضوع على أجهزة التنفس الصناعى، وهو أقرب إلى الموت منه إلى الحياة. رغم كل المشروعات التي استهدفت تصويب مسار ماسبيرو، إلا إنها إما لم تكتمل، أو تم حفظها في أدراج النسيان وغياهب التجاهل.

 

لا يجب أن يكون الاحتفال بمرور 60 عامًا على إطلاق التليفزيون مناسبة ليحتفل من خلالها الفاشلون والمقصرون بأمجاد لم يشاركوا في صنعها، وإنجازات لم يسهموا في تحقيقها. الآن، وقبل أي وقت مضى، تحتاج مصر إعلامًا مرئيًا عاقلًا ورشيدًا وجادًا وموهوبًا، وهذا لن يتحقق في ظل الاستمرار في سياسة العائلات الحاكمة، أو الاستعانة بكوادر أبعد ما تكون عند مهنة الإعلام.

 

ورغم ضبابية المشهد وتعقيداته والأمل في تغييره، إلا أن هذا لا يجب أن يمنعنا عن تقديم التهنئة الواجبة لكل من حققوا ريادة التليفزيون المصرى وصنعوا أمجاده، أمَّا من صنعوا خيباته وإخفاقاته فعليهم أن يراجعوا حساباتهم فورًا.

 

روشتة الإصلاح

 

حدد عدد من خبراء الإعلام مجموعة من الحلول التي يحتاجها التليفزيون المصري للعودة إلى أمجاده من جديد، بمناسبة مرور 60 سنة على إنشاء أهم وسيلة إعلامية في الوطن العربي، مشيرين إلى أن اتحاد الإذاعة والتليفزيون له تاريخ طويل ومكانة مرموقة في صناعة الوعي، ويحتاج إلى دعم كبير حتى يستطيع منافسة القنوات الخاصة.

 

الدكتورة حنان يوسف أستاذة الإذاعة والتليفزيون جامعة عين شمس وعميد كلية الإعلام بالاكاديمية البحرية بالقرية الذكية قالت إن التليفزيون بصفة عامة يعتبر واحدا من أهم وسائل توصيل المعلومات ونوعا من أنواع الترفيه ونشر الثقافة وبناء الوعي عند الشعب المصري، ولم يتأثر بمواقع التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية الجديدة بل ظل محافظا على رونقه وسيطرته على المتلقي ومخاطبة جميع فئات الشعب المختلفة منهم الأميون الذين لا يستطيعون الاستفادة من الصحافة.

 

فالتليفزيون تتوفر فيه إمكانيات الصوت والصورة واللون والحركة مما جعله جزءا مصغرا من واقع الإنسان، وبالتالي احتفظ بجاذبيته كوسيلة إعلام على مر الزمن مما أثر على وعي المواطن، ولم يتغير بل ما زال يطور من محتواه ومضمونه، لذلك يعتبر التليفزيون أقوى وسيلة إعلامية حتى الآن رغم ظهور وسائل إعلامية جديدة لها تأثير أكبر على الجمهور، مؤكدة أن التليفزيون من أكثر الوسائل مشاهدة ومازال يحظى بشعبية كبيرة عند المتلقي والدراسات اثبتت ذلك.

 

القنوات الفضائية

 

وأشارت "يوسف" إلى أن التليفزيون شأنه شأن أي وسيلة إعلامية أخرى تتأثر بظهور الوسائل الإعلامية الجديدة صعودا أو هبوطا لكنه ما زال محتفظا بمحتواه، مشيرة إلى أن القنوات الفضائية الخاصة تحظى بمكانة أكثر جاذبية للمواطن من التليفزيون المصري.

 

لكن مازالت هناك محاولات لتنشيط وتطوير التليفزيون المصري لما له من دور وطني في التنشئة الاجتماعية والثقافية والاصطفاف الوطني، ومن هنا لابد من العمل على جذب انتباه المشاهد للتليفزيون المصري أكثر من القنوات الخاصة التي غرضها الربح وتحقيق أهداف أخرى غير الأهداف الأساسية التي يعتمد عليها التليفزيون المصري ، والتي يتم تحقيقها تحت إشراف الدستور والقانون.

 

مؤكدة أنه من حق المواطن الاعتراض على ما يقدمه التليفزيون،لأنه ملزم بتقديم ما هو أوضح للمواطن ويشبع رغباته.

 

الأداء الصوتي

 

وطالبت "يوسف" بالاهتمام بتطور الأداء الصوتي والصورة البصرية بحيث تكون أكثر وضوحا، وتحسين نظام البث واستخدام التكنولوجيا الحديثة لتطوير التليفزيون وتحسن محتواه، فضلا عن إنتاج برامج متنوعة تخاطب الشباب وتهتم بقضايا مجتمعهم بأسلوب حديث وأكثر جاذبية والحفاظ على الدقة والمصداقية للحصول على مكانه تنويرية تجذب المشاهد له.

 

وهو ما سيميز التليفزيون المصري عن القنوات الخاصة. التليفزيون المصري كان له مكانة مرموقة منذ بداية افتتاحه وكان له تأثير كبيرة على المنطقة العربية بأكملها، وهو ما أكده الدكتور حسن عماد مكاوي عميد سابق كلية إعلام جامعة القاهرة ورئيس قسم الإذاعة التليفزيون، خلال كشفه عن الأزمات التي تواجه التليفزيون المصري خصوصا خلال الـ١٠ السنوات الماضية التي فقد فيها التليفزيون ريادته.

 

التمويل

 

وذلك لعدم توفر أموال للإنفاق على البرامج وإنتاج المسلسلات والأعمال المختلفة فتراكمت الديون على المبنى التليفزيوني، مما أثر سلبا على الإنتاج والعاملين به وتسبب في مغادرة أصحاب الكفاءات، فضلا عن زيادة حدة المنافسة مع القنوات الخاصة والقنوات العربية والسوشيال ميديا ونجاحهم في جذب المشاهدين لعدم وجود إرادة حقيقية لإصلاح هذا المبني وانتشاله من العثرة التي يواجهها، كما افتقد التليفزيون المصري للعناصر الإبداعية.

 

وأيضا من أسباب فقده الريادة الترهل الإدارى داخله وكثرة عدد العاملين به، وعن سبل انتشال التليفزيون من انتكاسته، قال "مكاوي" إنه لابد من إعادة هيكله النظام داخل التليفزيون وليس معناه تقليل عدد العاملين به بل وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وتقليص عدد القنوات لزياده كفاءتها بشكل أكبر.

 

ويفضل "مكاوي" وجود قنوات بعدد أقل تمتلك إمكانيات وأموال أكبر يجعلها محط انظار الجمهور، وأيضا تحديث الإمكانيات الخاصة بالاستديوهات والإضاءة والتصوير وخاصة أنها غير مواكبة للتطور الذي يحدث في تكنولوجيا التليفزيون في السنوات الأخيرة، إلى جانب ضرورة تدريب وتأهيل العاملين بحيث يواكبون ما يحدث الآن من تطورات.

 

وهذا يعتبر دور الهيئه الإعلامية الوطنيه التي تدير هذا المبني بكل ما فيه من قطاعات وقنوات إذاعية وتليفزيونية.

 

 

استراتيجية إعلامية

 

وأكد عميد كلية الإعلام السابق أن الرسالة الإعلامية تحتاج لإستراتيجية طويلة الامد لتستطيع ترجمة التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطروحة على الساحة المصرية، بحيث يكون لديها القدرة على مواجهة الإعلام المعادي والإعلام المتعدد الذي يبث من مختلف الدول ويصور مصر بطريقة تشوه الإنجازات التي تحققت السنوات الاخيره.

 

لذلك لابد من وضع إستراتيجية لتطوير الإعلام المصري مرئي أو مقروء، على أن يتم تطوير مبني التليفزيون من قبل الأشخاص الموجودين فيه بالفعل، وليس من قبل أشخاص أغراب عنه، لأن العاملين به هم الأكثر دراية بمشاكله.

 

وأوضح"مكاوي" أنه بدون تمويل ضخم لن يستطيع التليفزيون المصري النجاح في المنافسة والتفوق فيها، ولن يتم ذلك إلا من خلال عدة أمور تتمثل في أن يحصل التليفزيون المصري من الوزارات المختلفة على مقابل لـ"الخدمات" بمعني أن كل وزارة استفادت من إعلان نُشر في التليفزيون المصري يجب عليها دفع مقابل ذلك، وذلك لم يحدث حتى الآن.

 

وأيضا إيجاد حل للديون المتراكمة ولن يتم ذلك إلا بالحصول على إصدار قانوني من مجلس النواب بإعفاء التليفزيون والصحف من الديون المتراكمة عليها، ومن هنا نبدأ خطة جديدة من الاستثمارات وتنفيذ مشروعات استثمارية تجلب دخل لهيئة التليفزيون المصري.

 

كما ينبغي أن تلتزم الدولة بتمويله وتقديم المرتبات والحوافز للعاملين به، قائلا "باختصار نحتاج إلى دعم الدولة للإعلام كدعمها للسلع، فالمصري من حقه أن يعرف ويتعلم دون مقابل".

 

ومن جانبه، قال الدكتور مدكور عميد إعلام جامعة 6 أكتوبر سابق إن افتتاح التليفزيون المصري كان بمثابة طفرة كبيرة تضاف إلى الإنجازات التي حققتها ثورة ١٩٥٢، وظل لفترة طويلة ذا قيمة كبيرة عند المصريين ينتظرون برامجه ذات القيمة الثقافية بالساعة والدقيقة وخاصة المواطنين ذوي المستوي الثقافي والتعليمي الضعيف، فكان له تأثير إيجابي على المجتمع والأجيال الناشئة.

 

دليل الفساد

 

بينما الآن تحول لدليل للفساد النوعي عند المواطنين، بعدما كثرت مشاهد البلطجة والقتل وتناول المخدرات وأصبح مرشدا لكل أشكال الفساد الأخلاقي وكشف "مدكور" عن عدة متطلبات لابد من أخذها في الاعتبار لإعادة الريادة المفقودة للتليفزيون والتي أبرزها أن تكون الرسالة الإعلامية مبنية على قيم إيجابية، فضلا عن الاهتمام بالانضباط الأخلاقي داخل المؤسسة بتطبيق نظم وأسس لمحاسبة المخطئين من العاملين فيها.

 

إلى جانب الاستعانة بكوارد مدربة وذات خبرة رفيعة في المجال الإعلامي والإعداد المهني لهم وإرسالهم بعثات وتوفير دورات تدريبية لهم كل 6 شهور، بحيث يكونون قادرين على المنافسة مع الإعلام الخاص واستغلال معاهد الإذاعة والتليفزيون في إعادة تأهيلهم بما يتناسب مع متطلبات العصر، وإتاحة الفرصة لهم لاستكمال تعليمهم والحصول على الماجستير والدكتوراه.

 

الرواتب

 

كما طالب عميد 6 أكتوبر السابق بالتنسيق بين مرتبات العاملين في التليفزيون المصري والعاملين في الإعلام الخاص والوافد، موضحا أن مذيع قناة الجزيرة على سبيل المثال مؤمن عليه بمليون جنيه ولم يستطع كثير من المذيعيين المصريين توفير الملبس المناسب لوظيفته بما يدفعهم لترك العمل بالتليفزيون المصري والانضمام للإعلام الخاص والوافد.

 

وأكد "مدكور" أن الأسس التي تنساق من خلالها الأخبار في التليفزيون المصري تحتاج إلى إعادة تغييرها، وخاصة أنها تهتم بتغطية الخبر فقط دون وضع أي إستراتيجية لمعالجته بتوضيحه ووضع حلول جيدة للقضية المطروحة، مطالبا بوضع إستراتيجية علمية أساسية تنظم عمل التليفزيون المصري يشارك فيها كل أطراف القضية، مشيرا إلى أن للمجلس الأعلي للإعلام دور في إعادة الريادة للتليفزيون المصري.

 

في نفس السياق تقول ميرفت الطرابيشي أستاذة الإعلام جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا: ظهرت على الساحة بوادر رجوع التليفزيون المصري لمكانته المفقودة في العهد القديم، وذلك بالتركيز على محتوى البرامج ومظهر المذيعين، مؤكدة أن معظم البرامج أصبحت متنوعة ومختلفة كتيرا عما سبق، وأيضا الموسم الرمضاني تم استغلاله بتنسيق الأعمال الإعلامية بين البرامج والمسلسلات بأسلوب كان له دور في إعادة المكانة للتليفزيون المصري.

 

وعن واقع مكانة التليفزيون المصري بين الوسائل الإعلامية الآخري بصفة عامة والقنوات الخاصة والوافدة بصفة خاصة، أوضحت "الطرابيشي" أن لكل وسيلة إعلامية شخصيتها ولكل قناة مشاهديها، والتليفزيون المصري استطاع دخول المنافسة من جديد بحفاظه على المصداقية، فأصبحت معظم برامجه لم تختلف كثير عن برامج القطاع الخاص، ويقدم برامج تتمتع بمكانة مرموقة مثل برنامج صباح الخير.

 

وسردت أستاذة الإعلام تطلعاتها فيما يخص التليفزيون المصري، حيث أكدت أنه ينبغي أن يكون هناك توجه لإخراج مسلسلات من إنتاج التليفزيون المصري وأيضا إخراج برامج وطنية وتاريخية تساعد في تنشئة الاجيال القادمة بتجسيد الواقع مع التقليل من مشاهد العنف والبلطجة والقتل، وإنتاج جرعة ثقافية تنموية بطريقة تشويقية بعيدة عن التلقين أو المعلومة الجافة وتقديمها في قالب ترفيهي مبسط.

 

نقلًا عن العدد الورقي...،

الجريدة الرسمية