رئيس التحرير
عصام كامل

لجان المناقشات بالجامعات المصرية

حينما أشرف على باحث أو باحثة، أتعب كثيرا.. وأفتح عقلي وقلبي وبيتي لاستقبال الجميع.. وأعطي من الوقت والجهد والعلم من باب الضمير وعلم ينتفع به، ومن باب المسؤولية والمساهمة في تشكيل رؤية ناقدة واعية لمن هم أصغر منا ولديهم رغبة في التعلم والإجادة.


ويزداد الأمر صعوبة في حال إذا كان الباحث من المعيدين أو المدرسين المساعدين.. وفي هذه الحالة، يتطلب الأمر بناء عقلية قادرة على التوجيه والإشراف العلمي فيما بعد، ومؤهلة لتشكيل فكر ووجدان باحثين آخرين على المستويين البحثي والخلقي.


وأتوقف كثيرا عند اقتراح أعضاء لجنة المناقشة العلمية.. وتكون لحظة الاقتراح شاقة ومجهدة، كجهد الإشراف، وبخاصة مع رقي وعلو المستوى الفكري والعلمي والمنهجي للباحث.

 

تفعيل البريد الإلكتروني الجامعي


ومنهجي في اقتراح لجنة المناقشة لا يرتبط أبدا بكون المناقش من المقربين أو من الأصدقاء، أو من الأساتذة أصحاب الدرجة الرفيعة في حال مناقشة رسائل الماجستير، أو بأقدمية المناقش..


ولكن معياري الأول في منهجية الاختيار يكون التخصص المباشر والدقيق في موضوع الرسالة التي أشرف عليها.. والمعيار الثاني هو ارتباط التخصص بالقدرة على العطاء وإضافة الجديد، والمناقشة العلمية الرصينة الموزونة.. بينما يتمثل المعيار الثالث في أخلاق المناقش وتهذبه، في مناقش صاحب أصل طيب، وامين على الأطروحة، ويعي دور الكلمة وتأثيرها على مستقبل باحث.


ومن ثم، ترتبط منهجية اقتراح أعضاء لجنة المناقشة بتوافر مناقش متخصص وصاحب علم أصيل وخلق رفيع. وأرى أن المناقشة العلمية يجب أن تضيف للباحث ولي كمشرف، وتنير لنا دروبا لم نسلكها، وتوجههنا نحو مزيد من التجويد والإبداع..ويرتبط الأمر بوجود مناقش راقي علما وفكرا.. كما أرى أن المناقشة العلمية يجب أن تلتزم بالأخلاقيات الراقية عند توجيه النقد للباحث، فلا تجرح، ولا تقهر، ولا تخدش، ولا تذل، ولا تضعف، ولا تبكي.. ويرتبط الأمر بوجود مناقش مهذب وراق خلقا.


لا تعد المناقشة العلمية حفلة سنسعد بها! وليست فترة من الوقت ويجب أن تمر بسلام! وليست مجاملة لباحث أو أستاذ! فلا أستسلم لأي باحث أو باحثة يريدا الاستسهال أو المناقشة والسلام، دون إضافة، أو توجيه، أو إنارة للعقل والفكر والروح! ولماذا التنازل وقد تعبنا معا، وأنتجنا رسالة علمية راقية تستلزم وجود هيئة مناقشة رفيعة نبيلة تضيف وتنقد وتعدل وتوجه وتقترح وتعرض تجاربها وخبراتها وتفتح الأذهان! هيئة مناقشة تناسب رسالة تم إعدادها بجهد كبير من قبل الباحث والمشرف!


وفي الواقع، يتعب الباحث معي كثيرا في اقتراح المناقش الخارجي بخاصة (في حال مشاركتي للباحث في عملية اقتراح المناقش)، حيث أطلب من معظمهم البحث عن السيرة الذاتية له، وإسهاماته وكتبه وبحوثه العلمية، وحضوره في المجتمع العلمي والعام، وأبحث عنه على جوجل ويوتيوب، وافحص طريقة حديثه، وأسلوبه، وآرائه.. ونقترح في آخر الأمر وبشكل دقيق من سيناقش الفكر والطرح بأسلوب علمي مهذب يحفظ كرامة الباحث والمشرف.. وحفظ كرامة الباحث بالتحديد تهمني كثيرا، لأنني لن أكترث اذا حصل الباحث على درجة الماجستير والدكتوراه من ناحية، ومن ناحية اخرى أهدرت كرامته أمام نفسه وأهله وفقد الثقة بذاته..

 

هوية الجامعات المصرية: دليل كتابة الرسائل العلمية

 
إن اختيار لجنة المناقشة ليس بالأمر الهين، بل يصحبه جهد وبحث وعملية تفكير تؤرق كل من المشرف والباحث الأصيل فقط.. ولدي قناعة أن الأطروحة القوية، التي بذل فيها الكثير، وقدم الباحث والمشرف كل ما لديهما من جهد وفكر ورؤية وتطوير، كل ذلك يستلزم وجود لجنة مناقشة قوية تضيف لهما وللأطروحة. 

 

وليبارك الله جهود كل باحث خلوق أصيل يقدر تعب مشرفه، وحرصه على مصلحته، وفي جهود كل مشرف محترم يتقي الله في من يشرف عليهم، ويكون لهم قدوة قبل أي شيء.


ومن المهم، في رأي، أن يتواجد في المناقشات العلمية ممثلا عن لجنة الدراسات العليا بالكلية أو الجامعة.. هكذا تمت مناقشتي بكندا، حيث تشكلت اللجنة من المشرف وعضوين وممثل الدراسات العليا بالكلية ليراقب سير المناقشة، وقدرة الباحث على عرض اطروحته والرد على الانتقادات، ونفي شبهة المجاملات..

 

ويحصل الباحث على الدرجة في ضوء تقرير جماعي ثلاثي، وفردي رباعي، ويكون لرأي الممثل كلمة مؤثرة في هذا الشأن. ولا اناقش إلا اذا تقدمت اللجنة الثلاثية قبل المناقشة بثلاثة أسابيع بتقرير يفيد صلاحية الرسالة للمناقشة، ونقاط القوة والضعف بها، وأوجه التعديل والتطوير.

 

أما في المملكة العربية السعودية، فإن المشرف يتقدم إلى مجلس القسم بطلب تشكيل لجنة للمناقشة دون تحديد أسماء المناقشين، ويحدث الاختيار والتوافق بين أعضاء المجلس وقت طرح الموضوع في ضوء التخصص، مع مراعاة التوزيع العادل للمناقشات بين جميع الأعضاء.

ماذا لو توقف الإعلام عن التغطية الدرامية للجرائم الإرهابية!!

 
وفي سلطنة عمان، ومن واقع تجربة أحد الأساتذة بجامعة نزوى، حينما يسطر المشرف بأن الباحث أنهى رسالته، ويطلب تشكيل لجنة المناقشة والحكم، في التو واللحظة يكون أخلى مسئوليته عن الرسالة. وبعد ذلك، تتشكل لجنة المناقشة بدون علمه، ولا يكون أحد أعضائها ولا يعرف من هى إلا وقت المناقشة، ولا حتى يكون حاضرا اثناء مناقشة الطالب، ولا يكون مسئولا عن تصويبات الرسالة من خلال ملاحظات الأعضاء المناقشين، فتقع المسئولية على رئيس اللجنة ويراجع تصويبات الدارس للملاحظات التي أثيرت بالمناقشة.

 

مع العلم قبل أن يتقدم المشرف لتشكيل اللجنة، يكون هناك سيمنار لمناقشة نتائج الدراسة، وتوجيه الباحث على نقاط بعينها لتصويبها، ثم بعد ذلك يطلب المشرف لتحكيم الرسالة خارجيا - خارج الجامعة أو خارج الدولة - وبعد التصويب للمحكم الخارجي، تأتي مرحلة تشكيل لجنة المناقشة.

 

نحتاج إلى معايير تضمن موضوعية المناقشات وثرائها الفكري والعلمي، بعيدا عن المجاملات والشكليات.

الجريدة الرسمية