رئيس التحرير
عصام كامل

الحرية في تمثال

أطلت علينا وسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية في الخامس والعشرين من مايو الماضي، بخبر عن أهم دول العالم، ولم يكن خبرا عن البترول أو البورصة الأمريكية أو عدد مصابي فيروس كورونا وتحدياته الاقتصادية أو تصريحات ترامب شبه اليومية.

 

الخبر كان عن مقتل مواطن أسمر أمريكي ذي الأصل الإفريقي "جورج فلويد"، على يد ضابط أبيض بعدما ترجاه بصوت مرتعش  "لا أستطيع أن أتنفس" فقد استقرت ركبته فوق أصغر وأهم عظام رقبته. ولم تطل الاستغاثة ولم يعد هناك للنداء فائدة فقد مات الشاب في عقده الأربعين، وقد شاع الفيديو المصور للجريمة بين الملايين ونشره كثير من المشاهدين.

 

وتحولت وفاة “فلويد” لقضية عامة لها توجهات و أهداف سياسية، فراهن الكثير على تأثيرها في الانتخابات الرئاسية القادمة نهاية هذا العام، فقد يخرج ترامب من البيت الأبيض، ويتركه لمنافسه المرشح الديمقراطي "بايدن" والذي انتقد أداء ترامب في ذلك الحادث وذهب للقاء أسرة القتيل، وداعب حلم الرئاسة منافسين قدامي، فقد أطل علينا  "أوباما" الرئيس الأسبق ذو البشرة السمراء، باكيا ومحدثا الشعب الأمريكى عن حقوق للسود وإنها ليست قضية جديدة بل مستمرة ودائمة.

 

اقرأ أيضا: أطفال أمريكيون يجمعون 40 ألف دولار لدعم ذوي البشرة السمراء

 

وامتلأت الشوارع بالشرطة لتخرس  أصوات المواطنين المنددين بالجريمة وكبت الحرية، وتضامنت معهم مختلف الشعوب في دول العالم في الشوارع وأمام السفارات الأمريكية.ففي بريطانيا حطم المواطنون تمثال "إدورد كولستون" أحد أشهر تجار الرقيق، وجروه مكبلا بالقيود وألقوه في نهر "آفون" ذلك التمثال الذي استقر في مكانه منذ عام ١٨٩٥، ها قد غرق مع ذكرى صاحبه في نهر العبودية، والذي ألقي فيه عبر مؤسسته الآلاف من الأفارقة عام ١٦٩٨.

 

أما عن تمثال الحرية بنيويورك والذي صممه "جوستاف إيفل" وأهدته فرنسا لأمريكا عام ١٨٨٦، فقد شهد بنفسه على الجريمة التي كانت تبعد عنه بضعة أمتار.

 

هذا عن الحجر ، أما عن البشر فقد سبق "فلويد" الناشط السياسي "مارثن لوثر كنج" ذو البشرة السمراء، أحد أهم المطالبين بوقف العنصرية، و أصغر من نال جائزة نوبل عن مطالبته السلمية للحرية، فقد اغتيل ومعه حلمه بعدها بأربع سنوات عام ١٩٦٨ .

 

اقرأ أيضا: الفيروس واحتجاجات أمريكا!

 

حتى وسائل التواصل الاجتماعي أهم منصات الحرية الإلكترونية لم تسلم، فقد انتهت سنوات العسل بين ترامب وبينها منذ عام ٢٠١٦، بداية بنقدها بقوله "إن الاختيارات التي تقوم بها جعلتها منصة عامة غير محايدة"، للتعليق عما نشرته حول حادثة القتل الأخيرة، وصولا لتهديدها بتفسيره للمادة رقم٢٣٠عام ١٩٩٦ والخاصة بحمايتها وما تعرضه عبر منصاتها من بعض الدعاوي القضائية.

 

وبادلته "تويتر" اللكمة ووضعت إخطارا على تغريدتين له حول التصويت عبر البريد في الانتخابات القادمة، وأعلنت "سناب شات" بحقها في الحذف، أما عن مارك زوكربرج مؤسس "فيسبوك" فقد تبرع ب١٠ ملايين دولار لدعم قضية العنصرية.

 

لم تع تلك الدولة التي تزعم أنها أحد أهم مراقبي حقوق الإنسان، أنه لا يعلي من شأنها ما ترفعه من شعارات بقدر إيمان مواطنيها بها وممارستهم لها، وإن الحرية ليست تمثالا.

 

الجريدة الرسمية