رئيس التحرير
عصام كامل

"الزبور".. معجزة داوود إلى بني إسرائيل.. نزل في 12 ليلة وذكر في القرآن الكريم.. والعدل والتوحيد وحسن الخلق أبرز تعاليمه

كتاب الزبور
كتاب الزبور

لم يكن القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الذي نزل في شهر رمضان المبارك وإنما جميع الكتب السماوية نزلت في هذا الشهر الكريم.

 

الزبور

ومن هذه الكتب كتاب الزبور الذي نزل على النبي داوود عليه السلام ونزل إلى بني إسرائيل حيث كان يعيش النبي داوود عليه السلام، وعن نزول الزبور في رمضان يقول أبو زرعة الدمشقي: حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني معاوية بن صالح، عمن حدثه قال: «أنزلت التوراة على موسى في ست ليال خلون من شهر رمضان ونزل الزبور على داود في اثنتي عشر ليلة خلت من شهر رمضان، وذلك بعد التوراة بأربعمائة سنة واثنتين وثمانين سنة». 

ويرجع الأصل في تسمية كتاب الزبور الذي نزل على نبي الله داوود عليه السلام إلى المعنى الذي يحمله هذا الاسم، فالزبور في المعاجم العربية يعني الكتاب، وهو اسم مشتق من كلمة زُبر التي تدل على الكتابة وجمع زبور هي الزُّبر، وجاء في القرآن الكريم ذكر هذه الكلمة بجمعها ومفردها في مواطن عديدة، فقال الله تعالى في سورة القمر: «وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ» أي كلّ ما فعلوه في كتابٍ محفوظ.

الأخلاق والعقائد

والكتب السماوية نوعان كتاب في الأخلاق والعقائد والأحكام ومن هذا الصنف جاءت معظم الكتب السماوية ثم كتاب في أسرار الخلق وفي المادة والطاقة والحكمة وهو الزبور، فقال الله تعالى: «وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ» - 20 ص.

وقال الإمام القرطبي: «الزبور كتاب داود وكان مائة وخمسين سورة ليس فيها حكم ولا حلال ولا حرام وإنما هو حِكَم ومواعظ».

ويؤكد القرطبي أنّ المائة وخمسين سورة في الكتاب احتوت على كم هائل من الدروس والعبر والحكم والمواعظ، وقد كان نبي الله داوود - عليه السلام - طري اللسان حسن الصوت يسر السامعين أثناء قراءته لسور الزبور، وكانت المخلوقات كلها من الإنس والجن والطيور وغيرها تجتمع حوله أثناء تلاوته.

كتاب سماوي

والزبور كان كتابا سماويًا متفردًا في إعجازه، وجعله الله متميزًا عن بقبة الكتب السماوية، إذ ذكره منفردا عنها فقال تعالى: «إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا» - النساء 163 - وقال الله تعالى: «وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا» - الإسراء 55.

ومن مميزات الزبور أن الله تعالى أخبر فيه ببعض غيب المستقبل فقال تعالى: «وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ» - الأنبياء 105، والكتاب الذي أنزله الله على سيدنا داوود عليه السلام كتاب علمي، ذلك لأن الله خص سيدنا داوود ببعض العلوم دونًا عن البشر منها تسخير الجبال له والطير ومطاوعة الحديد له ليصنع منه ما يشاء فقال الله تعالى: «وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ. أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» - سبأ 10.

وقال الله تعالى: «وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ» وقال تعالى: «وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ. وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ» - الأنبياء 79.

إرث سليمان

وورث النبي سليمان عليه السلام الزبور من أبيه داوود وبه استطاع التحكم في الرياح وأصبح له جيش من الإنس والجن والطير فيقول الله تعالى: «وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ» - النمل 15.

كما قال الله تعالى: «وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ» - النمل 17، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهما ، وأورثوا العلم» ولذلك فإن سليمان ورث داوود عليه السلام في العلم ولم يرثه في الأموال ولأنه علم تطبيقى فهو قابل لأن يتعلمه الغير بل أن يتوارثه ابنه سليمان.

ولذلك أعلن سليمان في حياة أبيه أنهما «تعلما» يقول تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ».

وفى عهد سليمان أدخله الله تعالى في اختبار فنجح فيه فكافأه رب العزة بالمزيد مما يتعلمه من أسرار الزبور فتطورت الاستفادة من كتاب الزبور وتعدد العلماء به ومنهم ذلك الموصوف في القرآن الكريم بأنه عنده علم من الكتاب أي كان لديه بعض العلم من بعض ما جاء في كتاب الزبور، وبهذا العلم تمكن النبي سليمان عليه السلام من استحضار عرش ملكة سبأ في أقل من لمح البصر.

وبالعلم بما في كتاب الزبور امتدت سيطرة سليمان عليه السلام على بعض عوالم الغيب مثل الجن والشياطين مع بعض مظاهر الطبيعة الظاهرة كالريح، يقول تعالى: «وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ».

وبعدها طلب سليمان ممن حوله الإتيان بعرش ملكة سبأ العظيم: «يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ» - النمل 38 ويلاحظ هنا أن النبي سليمان عليه السلام علم من الكتاب غيب المستقبل، وهى أن بلقيس وقومها سيؤمنون فقال: «قبل أن يأتوني مسلمين».

الصحف الأولى

يقول الدكتور ياسر أحمد مرسي مدرس مساعد تفسير القرآن الكريم بكلية أصول الدين بالقاهرة: إن الزبور من الصحف الأولى والتي جاءت لتؤكد على الأخلاق الحسنة والقيم وأصول عقيدة التوحيد، مضيفا أن الله تعالى حفظ جميع الكتب السماوية التي أرسلت إلى الأنبياء في القرآن الكريم مع تصحيح بعض الأحكام نظرًا لتطور الإنسانية.

وأكد أن من القيم التي وردت في الزبور قيمة العدل، حيث قال الله تعالى: «يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه» وبهذه التعاليم من الحق والعدل استطاع النبي داوود وولده سليمان الحكم بين الناس والفصل بين المتخاصمين فيقول الله تعالى: «وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ» - الانبياء 78.

وأكد الدكتور ياسر مرسي أنه لا توجد حاليًا نسخة باسم الزبور وإنما أخبرنا القرآن الكريم عنه، وعما ورد فيه من حكمة وموعظة حيث ورد في القرآن الكريم تعاليم الكتب السماوية السابقة لتكون محفوظة إلى الأبد ، مشيرًا إلى اتحاد الشرائع في الأصول والعقاد في الكتب التي نزلت على الأنبياء من حيث الأخلاق والتوحيد.

كما أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم جاء متممًا لباقي الرسل في الأخلاق والتشريعات الإنسانية فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مَثَلي ومثلَ الأنبياء منْ قَبلي، كَمَثَلِ رجلٍ بنى بَيْتًا، فأحْسَنَهُ وأجْمَلَهُ، إلا مَوْضعَ لَبِنَةٍ من زاوية، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفونَ بِهِ، ويَعْجَبونَ له، ويقُولونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هذه اللَّبِنَة؟، وقال: "فأنا اللَّبِنَة، وأنا خاتمُ النَّبيِّينَ".

وأكد «مرسي» أنه ورد في التفاسير أن داوود كان إذا دخل المحراب اصطحب معه الزبور وبدأ في الذكر والتسبيح والإنشاد حيث كان يمتاز بالصوت العذب فعندما أثني الرسول صلى الله عليه وسلم على صوت أبي موسى الأشعري في قراءة القرآن الكريم قال: «أعطي مزمارًا من مزامير آل داود» أي كناية عن حسن الصوت الحسن، ولم يرد في الكتاب المقدس لفظ الزبور وإنما ورد عن النبي داوود سفر المزامير وهي عبارة عن تسابيح لله وأناشيد حمد وتمجيد له.

مزامير داوود

وقال القرطبي المزمور هو الصوت الحسن، وفي 1984 عُثر في مقبرة طفلة في قرية المضل، جنوب شرق بني سويف، على مخطوط أثري مكتوب باللغة القبطية يرجع‏ ‏للقرنين‏ ‏الخامس‏ ‏والسادس‏ ‏الميلاديين‏ ‏عبارة‏ عن ‏نسخة‏ ‏كاملة‏ ‏من‏ ‏سفر‏ ‏المزامير‏ ‏للنبي‏ ‏داود‏ ‏تشمل‏ ‏مائة‏ ‏وواحدا‏ ‏وخمسين‏ ‏مزمورًا بحالة جيدة ‏وصنفته‏ ‏وكالات‏ ‏الأنباء‏ ‏العالمية‏ ‏بأنه‏ ‏يصل‏ ‏في‏ ‏أهميته‏ ‏إلى‏ ‏حدث‏ ‏اكتشاف‏ ‏مقبرة توت‏ ‏عنخ‏ ‏آمون وهو أحد مقتنيات المتحف القبطي حاليًا.

والمخطوط‏ ‏عبارة عن‏ ‏ورق من‏ ‏الرق والطبقة‏ ‏الداخلية‏ ‏من‏ ‏جلد‏ ‏الحيوان وهو‏ ‏أسلوب‏ ‏قديم‏ ‏في‏ ‏الكتابة‏ ‏قبل‏ ‏معرفة‏ ‏الورق،‏ ‏وهو‏ ‏مكون‏ ‏من‏ 64 ‏ملزمة‏ ‏كل‏ ‏ملزمة‏ 8 ‏صفحات‏ ‏وعلي‏ ‏كل‏ ‏صفحهة ‏حزوز‏ ‏لتحديد‏ ‏عدد‏ ‏الأسطر‏ ‏والصفحات‏ ‏والملازم‏ ‏مرقمة‏، ‏كما‏ ‏أن‏ ‏لكل‏ ‏مزمور‏ ‏علامة‏ ‏مميزة‏ ‏أو‏ ‏رسمة‏ ‏خاصة‏ ‏به‏ ‏تسمى‏ ‏المخصص، ‏كما‏ ‏أن‏ ‏الكتاب‏ ‏مجلد ‏بغلاف‏ ‏من‏ ‏الخشب‏ ‏المبطن‏ ‏بالجلد‏ ‏المزخرف‏ ‏بزخارف‏ ‏نباتية‏ ‏وهندسية‏.

نقلًا عن العدد الورقي...

الجريدة الرسمية