رئيس التحرير
عصام كامل

أبطال الظل في معركة كورونا.. طبيب بمستشفى إسنا يكشف تفاصيل 14 يوماً في العزل | فيديو

أطباء مستشفى العزل
أطباء مستشفى العزل

في الثانية من منتصف ليل الجمعة قبل الماضية، أعلنت مستشفى إسنا التخصصي في محافظة الأقصر، حالة النفير العالم، أوامر عليا بسرعة إخلاء المستشفى تماما من أي مريض بها مهما كانت حالته الصحية ونقل المرضى لمستشفى آخر قريب، 154 سريرا لا بدّ أن يتهيؤوا لزيارة مفاجئة قد تطول مدة انتظارها أو تقصر، الدكتور تحسين رفق أخصائي الحميات بالمستشفى مع 12 طبيبا وطاقم التمريض، على أهبة الاستعداد لتلك الزيارة بينما بدأ الخوف يتسلل تدريجيا إلى نفوسهم، "كنت خلاص عارف إنه من اللحظة دي ولمدة أسبوعين، وبمجرد دخول أول مريض بالكورونا، مش هخرج من باب المستشفى دي ولا هشوف أهلي" يتحدث الدكتور تحسين.

 

كل لحظة تخرج علينا نشرات الأخبار والمواقع الصحفية الإخبارية، بتقارير حول آخر مستجدات انتشار فيروس كورونا المستجد كوفيد- 19 عدد المصابين، حصيلة الوفيات وعدد الحالات الحرجة، مستشفيات الجمهورية التي تفتح أبوابها كل دقيقة لاستقبال المزيد من حالات الإصابة بفيروس سريع الانتشار، ولكن ثمة حكايات تجري خلف الكواليس، أبطالها لا يظهرون من فصولها إلا القليل جدا، "أطباء مستشفيات العزل في مصر"، كيف يمر يومهم خلف جدران المستشفى، أربعة عشر يوما.. الحياة شبه متوقفة عند النقطة ذاتها، لحظة دخول أول حالة إصابة بفيروس كورونا.

 

تواصلت “فيتو” مع أحد أطباء العزل بمستشفى إسنا بمحافظة الأقصر ليسرد لنا تفاصيل البقاء في حضرة الموت 14 يوما. 

 

الصحة العالمية تكشف أحدث إحصائيات الإصابة بفيروس كورونا

 

وفي مساء الجمعة الثالث عشر من مارس الجاري، كان الدكتور تحسين أخصائي الحميات في مستشفى إسنا العام بالأقصر منذ أكثر من عشر سنوات،  يبدأ "نوبتجية" الطوارئ كعادته حينما تدق الساعة الثانية عشر من منتصف الليل، حتى أتته إخبارية بسرعة إخلاء المستشفى من المرضى تماما والاستعداد الذاتي  بارتداء البدلة الصفراء الواقية والنظارة والكمامات.

 

كجندي في ساحة معركة وقف تحسين في منتصف حجرة الملابس بالمستشفى، "كانت أول حاجة بفكر فيها إني خلاص كدة مجبر أبعد عن أهلي أسبوعين، خايف اتعدي وأولادي أو أهلي يعرفوا كنت بفكر فيهم هما، إحنا واخدين على كدة في الحميات على طول"، مهما بلغت سنوات عملك كطبيب، حتما ستشعر كأنك حديث العهد بمهنة الطب، ارتباك التعرض لأول حالة منذ التخرج يسيطر على تحسين، حوالي ساعة واحدة كانت الفيصل قبل أن يبدأ العد التنازلي.

 

 

"أخلينا الأقسام الداخلية كلها من المرضى وفي الفترة دي بنستقبل الحالات الطارئة العادية جراحة أو باطنة لكن بنعالجها في الاستقبال فقط ونمشيها لأنه لو دخلت حالة مينفعش حد يفضل فيها، وحولناهم لكل المستشفيات اللي حوالينا، وفي تمام الواحدة صباحا، وصلت سيارة الإسعاف محملة بـ 12 مريض بفيروس كورونا".

 

أعلنت حالة الطوارئ في المستشفى التي كانت خاوية لا صوت فيها يعلو فوق صوت مسئولي مكافحة العدوى أثناء إلقاء التعليمات على الأطباء، "الناس وصلت.. كانت الحالات كلها أجانب وبين حالات خطيرة ومتوسطة، كنت واقف مش عارف أعمل إيه أنا قدام حالة إصابة بمرض عمرنا ما عالجناه من يوم تخرجنا من الجامعة". 

 

كانت الحالات جميعها لأجانب بين الطليان والألمان، حالة واحدة سارع الموت إليها أمام عين تحسين، بذل مع الطاقم الطبي قصارى جهده إلا أن المصاب كان قد تجاوز التسعين عاما، ولديه عدة أمراض مزمنة، فكانت مسألة وقت وسيموت، منذ تلك اللحظة خيم شبح الموت على أرجاء المستشفى، الخوف منه حاضرا وبقوة في كل خطوة يخطوها أحدهم، البقاء في بدلة العزل لساعات قد تتعدى الثمانية، المجموعة اللي كانت موجودة عزلت نفسها مع الحالات لأن الموضوع كان مفاجئ لدرجة إننا استقدمنا اطباء مكافحة عدوى “مكانوش معانا وقتها، وعملوا لنا محاضرة عدوى الصبح ومشيوا لكن آخر اليوم قرروا يفضلوا معانا وواقفين على كل حاجة وبيورونا نعمل إيه في كل موقف".

 

 

رتب تحسين يومه بطريقة ثابتة لا يحيد عنها يوما واحدا، ففي الصباح يدخل في البدلة الصفراء يرتدي النظارة السميكة يغسل يديه عدد مرات نسي هو كم يحصيها، ثم يرتدي القفاز والكمامة، يجوب عنابر المستشفى الواحد تلو الآخر، ثم يعبر إلى حجرة العناية المركزة، "فيه حالات بدون أعراض لها وضع معين في علاجها وحالات متوسطة، والحرجة بنحطها في العناية، يوم ورا يوم بتزيد الحالات ومن كثير حالات خطيرة، في هذه اللحظة التي أحدثك فيها وصلنا حوالي 75 حالة غالبيتهم مصريين من الأقصر وسوهاج وقنا وفيه حالة من القاهرة وأسيوط والمنيا وبني سويف، أعمارهم بين 19 حتى 90 سنة، والحالات الخطيرة فوق الأربعين لحد فوق الثمانين، كل الحالات بالنسبة لنا علينا إحنا سواء أعراض خفيفة أو شديدة هو يحمل خطر علينا خطأ بسيط منا ممكن ينقل العدوى".

 

دقائق قليلة يتمكن فيها المحارب من أخذ استراحته القصيرة، يخفف من وطأته الملابس الواقية على جسده، يعود إلى الاستراحة لتلقي المزيد من التفاصيل حول مستجدات المرض، " بيدور بينا نقاش علمي والبروتكولات العالمية وندخل على المواقع العالمية وبنزل مواقع الصحة العالمية اللي بتدينا كل يوم تحديثات للأدوية اللي بتستخدم، لأنه الفيروس جديد ومحدش تعامل معاه فكله كان مفاجأة فبنستغل وقت الفراغ في كورسات، اللي يعرف معلومة يطرحها اللي عايز حاجة يقولها، لأنه الحالة الواحدة بتتغير من مرحلة لأخرى ومن متابعتنا للمرضى فهمنا القصة".

 

 

"إحنا مش بس أطباء حميات أو جهاز هضمي، إحنا كمان دكاترة نفسيين للمرضى"، هكذا يصف تحسين نفسه وبقية طاقم الأطباء، مهمة مضاعفة تقع على كاهلهم، كيف يبث الطمأنينة في نفس أم ابتعدت عن فلذات أكبادها، كيف يطمأن شاب أن الأمر ما هو إلا مسألة وقت وسيعود لحضن أمه وأبيه مجدا، "الأسئلة من أول لحظة دخولهم المستشفى متكررة، هنخرج امتى هنخف إمتى أهالينا وحشونا، أنا بستخدم طريقة لطيفة معاهم عن طريق إقناع المريض إنه كويس ومافيش حاجة وممكن ينزل الشارع من الصبح، لكن احتجازه من أجل حماية من حوله، فيتحول الموضوع بالنسبة لواجب إنساني”.

 

الجريدة الرسمية