رئيس التحرير
عصام كامل

أردوغان "خليفة" الإبتزاز والبلطجة

 كلما غضت الدول الكبرى الطرف عن تغول الرئيس التركي أردوغان، زاد تطاولا اعتمادا على كونه عنصر رئيس في مؤامرة الربيع العربي، التي جنى الغرب من ورائها الكثير مقابل خراب كثير من الدول العربية..

 

ولأن حلم أردوغان في أن يكون "خليفة المسلمين"، بعد تولي "الإخوان" الحكم في العالم العربي، لم يتحقق واجهضت الشعوب المؤامرة، بات يهدد دول الغرب ويتطاول بين الحين والآخر إن لم تصمت أمام عدوانه على العرب لإعادة "الخلافة العثمانية"، من هنا تكررت المناوشات مع أردوغان والتصريحات المتبادلة التي تنتهي بتركه يفعل ما يريد شرط ألا يؤثر على مصالح الدول الكبرى.

 

بعد أن غير أردوغان دستور تركيا كي يضمن الحكم مدى الحياة، وتخلص من أقرب اصدقائه ومن أوصلوه لهذه المكانة الرفيعة، وفتح مجال الفساد أمام أسرته وأصهاره عبر الأعمال والمناصب الحكومية البارزة، فطن الشعب التركي لسوء حكم "الإخوان" وبدأت الخسائر الانتخابية ليفقد أردوغان وحزبه الكثير من المقاعد، فضلا عن أهم مدينتين في الانتخابات البلدية..

 

وامام النزيف الاقتصادي وانخفاض الليرة، لم يجد أردوغان أمامه سوى المغامرات الخارجية، لتحقيق طموحه في الخلافة ومحاولة كسب تأييد الشعب باعتبار أنه يخوض حرباً، لكن الحقيقة أنه أقحم تركيا في مستنقعات يصعب الخروج منها.

 

اقرأ ايضا: نساؤهم حاكمات ونساؤنا محبطات

 

استغل أردوغان مقاطعة الرباعي العربي لقطر، فعرض خدماته لحماية شريكه في مؤامرة الربيع العربي، ودعم وتمويل التنظيمات الإرهابية.. وما ان دخل مع جنوده الدوحة، حتى بات "الحاكم بأمره" والمتصرف في أمور الدويلة وبسط هيمنته بإنشاء قاعدة عسكرية تركية فيها.

 

زادت أطماع الرئيس التركي بعد اكتشافات الغاز المصرية، وجن جنونه بخسارته قاعدة سواكن العسكرية، التي اتفق على إقامتها في السودان أبان حكم البشير، ليهدد عن طريقها مصر، وبإنهاء حكم البشير وإيداعه السجن، ألغى المجلس السيادي الحاكم اتفاقية القاعدة التركية..

 

فتحول أردوغان إلى رئيس حكومة الوفاق "الإخواني" في ليبيا وعقد معه اتفاقية مشبوهة يسيطر بها على ثروة الشعب الليبي ويضمن تواجده ومليشياته بالبلد المجاور لمصر في تهديد مباشر لأمننا القومي.

 

اقرأ ايضا: "ممالك النار" والهذيان التركي القطري

 

بلغ أردوغان، حدا غير مسبوق من "البلطجة"، جعله يعترف في مؤتمر عام بأن حدود تركيا تمتد إلى ليبيا وسورية، وانه إذا انسحب من الدولتين "سندفع ثمنا باهظا"، موضحا ان "سياستنا في سورية وليبيا ليست مغامرة ولا خيارا عبثيا، لان الحياة على الأراضي التركية ستكون صعبة إن لم تتوسع وتتبوأ المكانة التي تستحقها مع تغير موازين القوى في المنطقة، حتى ان تعارضت مصالح تركيا أحيانا مع مصالح بعض الدول".

 

وأقر أردوغان، للمرة الأولى، بوجود مرتزقة موالين لأنقرة في ليبيا، إلى جانب الجيش التركي "نتواجد في ليبيا عبر قوّة تجري تدريبات، وهناك كذلك عناصر من الجيش الوطني السوري"، في إشارة إلى مقاتلي المعارضة "مرتزقة"، إلى جانب حكومة الوفاق ومليشياتها المتطرفة، ما يؤكد أطماع اردوغان في ليبيا، فهو قال للإعلام التركي: "ندعم حكومة طرابلس من أجل فرض "السيطرة الكاملة على ليبيا".

 

 اقرأ ايضا: احترموا تاريخ "العزيزة" والكبار

 

ازداد أردوغان تهورا وبلطجة باقتحامه سورية، ونقض اتفاقه مع روسيا وإيران، وزاد تمدده وتوغله في أراضيها حتى بدأت معركة إدلب، وللمرة الأولى منذ 8 سنوات يتواجه الجيشين السوري والتركي وجها لوجه، ورغم خسائر الجيش السوري، إلا أنه كبد الجيش التركي خسائر فادحة في السلاح والأرواح، جعلت أردوغان يستغيث بالناتو والإتحاد الأوروبي..

 

وأمام مطالبتهم له بوقف العدوان والعودة إلى التفاوض والحل السياسي، عاود نغمة الإبتزاز المعتادة، وفتح الحدود التركية أمام اللاجئين السوريين باتجاه أوروبا، رفضت اليونان الإبتزاز والبلطجة التركية ومنعت تقدم آلاف اللاجئين نحو أراضيها، كما عنفت ألمانيا وفرنسا أردوغان على تصرفه "لا أحد يستطيع ابتزازنا"..

 

فيما أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبي سيقدم لليونان "كلَّ الدعم" لمساعدتها في مواجهة تدفق اللاجئين من تركيا، مشيرة "إن من يسعون إلى اختبار وحدة أوروبا سيخيب أملهم. لن تضعف الضغوط من عزيمتنا، ووحدتنا ستنتصر".

 

اقرأ ايضا: لا تسامح مع المسيئين لمصر!

 

وأمام اصرار أردوغان على مواصلة القتال في إدلب السورية رغم الخسائر، هاجمه زعيم المعارضة التركية كمال قليجدار أوغلو "الموت من أجل الوطن فقط، فهل إدلب جزء من أرض تركيا؟!".

 

انتحار أردوغان في إدلب، يؤكد إصراره على سيناريو تقسيم سورية، بإقامة كيان سني مستقل يخضع للسيطرة التركية، تحت مسمى منطقة آمنة، شريط حدودي، أو سواها، وهذا ما جعل سكان إدلب يؤدون صلاة الغائب على أرواح الاتراك الذين قتلهم الجيش السوري في المواجهة العسكرية.

 

في مقابل سيطرة تركيا على الجزء السني، يبقى لدول الوصاية "أميركا، روسيا وايران" حصصا ومصالح محفوظة في الشام، فهناك شبه اتفاق على منح الأكراد كيان مستقل في سورية بشرط أن يلبي الشروط الأمنية لتركيا، ويوفر لأميركا حرية استغلال آبار النفط فيها كما تشاء، وبالنسبة لإسرائيل فهي ضمنت هضبة الجولان بعد أن اعترف ترامب بسيادتها عليها.

 

اقرأ ايضا: اعتذار القرني و"نونات" قطر

 

وفيما يخص روسيا فهي لها الكلمة العليا في سورية، وسيطرت على المواني ولديها قواعد عسكرية وضمنت نصيبها الوافر من الغاز الطبيعي، وتفرض قرارها في كثير من الأمور مقابل الحماية.

 

يبقى إيران التي تراجع دورها كثيرا منذ اغتيال قاسم سليماني، وهي تحاول في اليومين الماضيين اقناع روسيا وتركيا بالعودة إلى "مسار أستانا" بخصوص إدلب، وعقد اجتماع ثلاثي في طهران، دون أن تجد اذانا صاغية.

 

أما عن الدولة السورية الجديدة، فتظل دمشق عاصمة ما تبقى من الشام بعد تقطيع أوصاله لصالح الطامعين والمستعمرين، فهل يتحرك العرب لإنقاذ ما يمكن انقاذه؟

 

الجريدة الرسمية