رئيس التحرير
عصام كامل

عباس شراقى عن مفاوضات سد النهضة بواشنطن : على مصر التمسك بنسبة من مياه النيل الأزرق منعا للخلافات المستقبلية ( حوار )

عباس شراقى
عباس شراقى

 أي إلغاء لاتفاقيات المياه مع دول حوض النيل يعني إلغاء الاعتراف بالحدود الحالية لها

 الاتفاق على تمرير 40 مليار متر مكعب يجب أن يكون محددا بمدى زمنى مرتبط بالملء الأول لخزان سد النهضة

 يجب على المفاوض المصري تحديد فترة الملء بوقت معين حتى لا تكتسب إثيوبيا حصة من مياه النيل

 أي خصم من حصة مصر خلال فترة ملء سد النهضة يجب أن نقتسمه مع السودان

 إثيوبيا بالغت في مواصفات سد النهضة بسبب تجاهل نظام مبارك تأثير سدي تاكيزي وتانا بيلز

 لا مكان لمياه النيل إلا في دول المصب والطبيعة الجبلية لإثيوبيا تمنعها من تخزين المياه

 مكتب الاستصلاح الأمريكي وضع عام 1964 لإثيوبيا دراسات لبناء 3 سدود على النيل الأزرق بهدف الإضرار بمصر

 أحذر من مبدأ استخدام حصص المياه خارج الحدود

 

«مشهد واحد وسيناريوهات عدة».. من هنا يمكن تلخيص الحوار الممتد مع الدكتور عباس شراقى، أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا، كلية الدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، أما المشهد فهو «سد النهضة الإثيوبي» خصوصا بعد البيان شديد اللهجة الذى أصدرته الخارجية المصرية يوم الجمعة الماضى، وكذلك الاجتماع المنعقد فى واشنطن حاليا بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا، وفي حضور ممثلين عن الجانب الأمريكي والبنك الدولي، لاستكمال التفاوض بهدف التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة.

وفيما يتعلق بالسيناريوهات فقدمها «د.عباس» بحيادية الخبير ودقة الباحث فى حوار خاص لـ"فيتو" ، لا سيما وأنه لم يلتزم - مثل غيره - بالحديث عن النتائج المترتبة على أزمة «السد الإثيوبى»، لكنه قدم تحليلًا تاريخيًا للأزمة، منذ عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وحتى وقتنا الحالى، ليس هذا فحسب، لكنه استفاض في توضيح الخطورة التي يمثلها السد الإثيوبى، ليس على مصر فقط، ولكن على السودان وإثيوبيا أيضا. 

«د.عباس» الذي فرض نفسه على مشهد تحليل مجريات أحداث سد النهضة ومستقبل المياه في أفريقيا، كصاحب وجهات نظر خارج الصندوق، قدم بيانات دقيقة عن السد، حدد السيناريوهات الواجب أن تتبعها مصر في الفترة المقبلة، سواء استمر التعنت الإثيوبى، أو رأت أديس أبابا أن التفاوض هو الحل الوحيد المتاح أمامها.

سيناريوهات «د.عباس» امتدت أيضا إلى ما هو أبعد من الأزمة الإثيوبية، حيث طالب الجانب المصرى بالعمل على إنشاء ودعم المشروعات التنموية في جنوب السودان، لا سيما وأن الأخيرة يمكن أن توفر «بديل آمن» للمياه في حالة رفع معدلات الاهتمام المصرى بها.. وعن تفاصيل هذه المشروعات وقضايا أخرى كان الحوار التالى: 

*بداية.. كيف ترى الجولة الأخيرة من مفاوضات سد النهضة الإثيوبي وكذلك بيان الخارجية شديد اللهجة ؟

بالتأكيد ما ظهر لنا من تصريحات كان عاديا ولم يكشف جوانب المفاوضات بشكل شامل، لكن من واقع مسار المفاوضات الأخيرة نجد أن مصر قدمت المبادرة بمراجعة مقترحها الخاص بملء وتشغيل سد النهضة، مقابل أن تبدي إثيوبيا مرونة أكثر للاتفاق على بنود واضحة تنهي الأزمة، وأعتقد أن الموقف المصري نجح في تحريك الأرقام التي طرحتها إثيوبيا من حيث كميات المياه الممررة من سد النهضة لتكون بين 35 و40 مليار متر مكعب بدلا من مقترحها الأول الذي تضمن تمرير 31 مليار متر مكعب فقط.

*برأيك.. هل من الممكن أن توافق إثيوبيا على تمرير 40 مليار متر مكعب من سد النهضة خلال فترة الملء؟

كل شيء ممكن، ودعنى أوضح أن إيراد النيل الأزرق يقدر بـ50 مليار متر مكعب سنويا والـ 40 مليار متر مكعب التي نطالب بها هي 80% من كمية مياه هذا النهر، لذلك أقترح أن تطالب مصر بتمرير نسبة مئوية من مياه النيل الأزرق، وليس رقما محددا حتى لا نقع في خلافات مستقبلية إذا ما انخفض إيراد النيل الأزرق بعد الاتفاق بسبب أي عوامل طبيعية تتعلق بالجفاف والتغيرات المناخية.

*فيما يتعلق بمقترح للتعاون في تشغيل سد النهضة.. لماذا ترفضه إثيوبيا رغم النص عليه في اتفاق مبادئ سد النهضة؟

أولا.. اتفاق المبادئ هو اتفاق للتعبير عن حُسن نوايا الدول الثلاث خلال فترة المفاوضات، وللحق كان الخطوة الأولى التي تمكنت مصر من خلالها من استئناف سير المفاوضات بعد توقفها عام 2014، ورفض إثيوبيا تشغيل سد النهضة في وجود بعثة مصرية في إثيوبيا تنسق مع الجانب الإثيوبي بشأن تشغيل السد لا يخيفها، لأن وجود تلك البعثة لن يكون على سبيل إملاء قرارات أو وجهات نظر مصرية على الدولة الإثيوبية بل للتنسيق بشأن مواعيد فتح بوابات السد وكميات المياه الممررة، وهو أمر مهم وضروري لارتباطه بنا في مصر من حيث مواعيد وصول المياه وارتباطها بمواعيد الزراعة مثلا.

وتخيل معي أن تقرر إثيوبيا تأجيل موعد تمرير المياه من السد في وقت اعتدنا نحن على استقبال المياه فيه دون أي تنسيق، وبالتالي وجود تعاون في التشغيل أمر ضروري وليس مستحدث، فهناك بعثة مصرية عند سد أوين في أوغندا، وهناك بعثة ري مصرية في السودان منذ سنوات طويلة.

*ماذا عن النسبة المخصومة من إيراد النيل الأزرق بعد بدء ملء سد النهضة.. هل ستتحملها مصر فقط؟

المفروض أن الخصم خلال فترة ملء سد النهضة يكون من حصتي مصر والسودان، وللتوضيح النيل الأزرق يخرج منه 50 مليار متر مكعب يخرج منها 9 مليارات متر مكعب في صورة بخر، ويتبقى 41 مليار متر مكعب مصر لها فيهم 33 مليار صافي، وبالتالي يجب أن تتناصف مصر والسودان الحصة.

*لكن هل السودان مستعد لتقبل مناصفة من الحصة المائية مع مصر؟

  لم تتطرق مصر أو السودان حتى الآن لهذا الأمر، لكن دعنا نتذكر تصريحات وزير الخارجية السوداني قبل أكثر من سنتين عندما قال إن «السودان له كميات كبيرة من المياه لدى مصر في صورة قرض خلال الفترة من بعد بناء السد العالي»، وهو يقصد هنا أن السودان لم يكن يستخدم كامل حصته المائية في السنوات السابقة، وكان يمررها إلى مصر، وبالتالي يلمح إلى أنه على مصر تحمل الخصم من حصتها بشكل كامل، وهو كلام مردود عليه بأن هذه المياه مررت إلى البحر المتوسط ولم تحتفظ بها مصر في بحيرة السد العالي، ولا يوجد لدى السودان ما يؤكد أن تلك المياه لم تمرر إلى البحر، لكن العلاقات بين مصر والسودان أكبر وأعمق من الخلاف بسبب تصريحات كتلك.

*بشكل عام.. وفى ضوء جولة مفاوضات واشنطن أمس .. كيف تري مصير المفاوضات خلال عام 2020؟

أعتقد أن وجود البنك الدولي والولايات المتحدة هو ما أحيا عملية المفاوضات في الوقت الحالي، لأن اللقاء الأخير في السودان قبل لقاء 6 نوفمبر في واشنطن أعلنت مصر بعده وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، والعودة إلى مسار المفاوضات مرة أخرى حدث بفضل السعي المصري لوجود طرف دولي كبير في المفاوضات وهي الولايات المتحدة والبنك الدولي.

ومن وجهة نظري فإن وجودهما يدفع بشكل أكبر نحو صياغة اتفاق بين الدول الثلاثة في واشنطن منتصف يناير الجاري بسبب الثقل الدولي للأطراف المراقبة للمفاوضات، لكن حتى لو لم نتوصل لاتفاق نهائي حالي، فإن مصر أعلنت مسار التفاوض بعد تلك الأزمة وهو اللجوء للوساطة الدولية مباشر.

وأتوقع أن تكون الولايات المتحدة الوسيط أيضا في المفاوضات، ولن ترفض إثيوبيا أو السودان الوساطة الأمريكية مثلما رفضوا مبدأ الوساطة الدولية من قبل، لأن الثقل الأمريكي يدفعهم للقبول، وفي حال فشل هذه الوساطة واستمرار التعنت الإثيوبي فإن تقديم شكوى إلى مجلس الأمن سيكون الخيار الأخير أمام مصر لحل أزمة سد النهضة بشكل سلمي، ويمكن وقتها تقديم جميع الأوراق التي تثبت التعنت الإثيوبي في المفاوضات ورفضه تخفيف الضرر عن مصر.

*ولماذا ترفض إثيوبيا الوساطة الدولية في المفاوضات؟

الرفض الإثيوبي لوجود أي طرف دولي، سواء دولا أو خبراء في المفاوضات الفنية والسياسية لسد النهضة، يعود إلى الإدانة التي وجهها لها تقرير الخبراء الدوليين حول دراسات سد النهضة وآثاره، والذي قدمته اللجنة عام 2013، وكانت تضم وقتها 10 أعضاء منهم 4 دوليين من خارج دول حوض نهر النيل، وتشكلت بموافقة مصر وإثيوبيا والسودان.

وفي بداية عمل اللجنة لم يكن هناك أي اعتراض من إثيوبيا التي اقترحت وقت وجود الرئيس الراحل مليس زيناوي ضمن تشكيلها، وكانت على أعلى مستوى من تخصصات مختلفة ودرست كل الدراسات الإثيوبية المتخصصة بالسد في سنة كاملة، وخرجت بتقرير يدين بشدة إثيوبيا ويؤكد أن السد ضخم ولا يتناسب مع الدراسات الإثيوبية المعدة له، وأن عوامل الأمان غير مدروسة جيدا وأن النماذج الرياضية التي تم استخدامها لإنشاء السد ضعيفة وأولية.

وأوصي التقرير وقتها بعدد من الدراسات المكملة للتأكد من أمان السد وتأثيره على مصر والسودان، لكن هذا التقرير لم يُعرض ورفضت إثيوبيا إعلان تفاصيله، وتم الاتفاق أن يكون التقرير سريا، لكن تم تسريب أجزاء منه بشكل غير رسمي ومع عودة المفاوضات في يناير 2014 أصرت إثيوبيا على عدم تشكيل أي لجان دولية مرة أخرى لدراسة السد، وأن تكون اللجان كلها من دول حوض النيل، ليسهل عليها الرد على ملاحظاتهم بأنها تنطلق من مصالح بلادهم وغير منصفة أو متجردة.

*ما الأهمية التي يمثلها تقرير لجنة الخبراء الدوليين للمفاوض المصري وكيف يكون له أثر في سير المفاوضات؟

تقرير الخبراء الدوليين أهم ورقة في يد مصر يمكن استخدامها في حال فشل المفاوضات وجهود الوساطة، لأنه يكشف المشكلات الكبري في سد النهضة وأثره الكبير على مصر والسودان، وهو ورقة لها حجية على إثيوبيا بسبب توقيع خبيرين من إثيوبيا على التقرير، هذا إلى جانب أهميته في التحركات الدولية المحتملة في حالة استمرار التعنت الإثيوبي ورفضه تخفيف الأضرار عن مصر والسودان.

فلا يوجد مزيد من الوقت لنفقده مرة أخرى لأن ضياع الوقت في الفترة من 2011 وحتى 2014 جعلنا نتفاوض الآن حول نقاط الملء والتشغيل بدلا من الدراسات الهندسية وعوامل أمان السد التي كان من الممكن الحديث عنهم قبل أن يقترب انتهاء بناء سد النهضة.

*ما موقف القوانين الدولية المتعلقة بالأنهار الدولية والمياه من قضية سد النهضة؟

يوجد قانون المجاري المائية العابرة للحدود الصادر عن الأمم المتحدة عام 1997 الذي دخل حيز التنفيذ فقط منذ عام 2014 بعد أن وقعت عليه 34 دولة، ولا توجد أي دولة من حوض النيل ومن ضمنها مصر موقعة على القانون.

ووجهة النظر المصرية لعدم التوقيع على هذا القانون تعود إلى أن موضوع بنوده هو المياه الجارية في النهر، ومصر لديها وجهة نظر أننا يجب أن نتحدث عن المياه المتساقطة على المنابع ودول حوض النهر، لأن هذا القانون يحمل حجة تروجها دول الحوض أن مصر والسودان يستخدمون 100% من مياه النيل وهو مبدأ غير صحيح ومغالط، لأنه كيف يعيشون هم في ظل استخدامنا 100% من مياه النيل.

ولكن الحقيقة أننا نستخدم بقايا مياه الأمطار التي تسقط على تلك الدول لأن المياه التي تدخل حوض النهر لا تمثل إلا 5% من المياه التي تسقط على حوض نهر النيل و1% من الأمطار التي تتساقط على دول الحوض خارج مناطق منابع النهر، دول الحوض تتحدث أن القانون فيه نقاط تمثل نقطة ضعف لها كالإخطار المسبق بالمشروعات المائية ومبدأ عدم الضرر، وهي الأمور التي تلزم إثيوبيا بإخطار مصر ببناء سد النهضة والالتزام بعدم وقوع ضرر علينا.

*وكيف تري الآلية المناسبة لتطبيق بند التعاون في الملء الأول والتشغيل للسد الإثيوبي؟

لدينا نموذج سابق يمكننا الدفع نحو تطبيقه في قضية سد النهضة، وهو ما حدث في سد «أون» الأوغندي، وهناك بعثة مصرية تتعاون في تشغيل السد وقبل بنائه أرسلت أوغندا الدراسات الخاصة بالسد، وبالمناسبة هذا التصرف الأوغندي كان بناء على الاتفاقيات التي أبرمناها مع دول حوض النيل، ومن ضمنها أوغندا، فهناك بين مصر ودول حوض النيل 15 اتفاقية منها 3 مع إثيوبيا، قبل أن تجتمع بعض دول الحوض تحت مظلة «عنتيبي» ويتلن عدم الاعتراف بالاتفاقيات السابقة، وتلك الاتفاقيات متعلقة بالمياه والحدود أيضا وإذا ألغيناها نكون ألغينا اتفاقات الحدود، وبذلك نكون بصدد نزاع حدوي وبوادر لحروب.

*إذن.. في رأيك ما السيناريو المناسب لمصر فيما يخص عملية الملء الأول لسد النهضة ؟

أعتقد أن الاتفاق على تمرير 40 مليار متر مكعب أو أقل يجب أن يكون محددا بمدى زمنى مرتبط بالملء الأول لخزان سد النهضة، وألا يكون بشكل دائم، لأن ذلك يعطى الحق لإثيوبيا فيما بعد باحتجاز قرابة 10 مليارات متر مكعب بشكل دائم، وتكون كحصة مكتسبة لها، وأن يكون الاتفاق على تمرير 40 مليار أو أقل خلال فترة زمنية محددة، وبعدها يكون التدفق للنيل الأزرق طبيعى بكامل إيراده.

*وما خطورة اكتساب إثيوبيا لحصة من مياه النيل؟

إثيوبيا إذا احتجزت حصة لن تستخدمها في أراضيها بسبب الطبيعة الجبلية للبلاد والمنطقة الواقع فيها سد النهضة، ولن تستطيع استيعابها في أراضيها التي  هي عبارة عن طبيعة جبلية ومرتفعات لا تصلح للزراعة المروية، وهذا يعني أن إثيوبيا قد تستخدم تلك الحصة في الأراضي السودانية في مشروعات زراعية وهذا أمر خطير يشبه بيع المياه لأنه حال تحقق ذلك فإن الدول الأخرى في حوض النيل ستطالب بحصص وتستخدمها في دول أخرى لأن دول المنابع طبيعتها جبلية ولن يمكنها استخدامها داخلها وهذا مبدأ يجب أن نصر عليه.

*هل هناك مشروعات مائية أخرى أجرتها إثيوبيا على سد النهضة وتسببت في مشكلات لمصر؟

أقول دائما إن بداية مشكلة المياه مع إثيوبيا بدأت منذ نهاية عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وتحديدًا بعد أن شيدت إثيوبيا سد تاكيزي على نهر عطبرة بسعة تخزينية 9 مليارات متر مكعب عام 2009 ، وهذا السد حرم مصر في بداية تشغيله من 4 مليارات متر مكعب، ولم ينتبه نظام مبارك وقتها لهذا الأمر أو لم يعيروه أهمية، وأيضا لم تبد مصر عام 2010 أي رد فعل مناسبة لمشروع سد تانا بيليز الذي شيدته إثيوبيا في 2010 ولم يكن هناك رد فعل قوي من مصر على المشروعين، وهو ما دفع إثيوبيا للمبالغة في المواصفات الجديدة لسد النهضة الذي تغير اسمه من سد الحدود إلى سد أكس ثم سد الألفية قبل الاستقرار على تسميته بسد النهضة ورفع مواصفاته من 11 مليار متر مكعب إلى 64 ثم 74 مليار متر مكعب، وكل ذلك حدث في 45 يوما بين شهري فبراير وأبريل 2011.

*وسط هذا كله.. ما الخطوات التي يمكن أن تتخذها مصر لزيادة حصتها المائية التي لم ترتفع منذ عام 1959 في ظل وجود زيادة سكانية كبيرة ؟

أعتقد أن مستقبل مصر المائي موجود في دولة واحدة وهي جنوب السودان، التي يمكن لمصر أن ترفع حصتها من خلالها على أقل تقدير إلى 70 مليار متر مكعب من خلال جلب الفواقد بعمل القنوات والأنفاق والسدود في جنوب السودان، فهناك بحار من المياه العذبة ولا تجد قنوات تجري فيها، لأن المياه تدخل جنوب السودان من النيل الأبيض بهدوء، وليست عنيفة كالنيل الأزرق الذي عمقة يبدأ من 500 متر في إثيوبيا إلى 50 متر في السودان، بينما النيل الأبيض عمقه 4 أمتار فقط.

لذلك يحتاج النيل الأبيض إلى ما يمكن أن نطلق عليه «مساعدة» ليجري في قنوات مائية لتجميع كمية المياه المفقودة منه إلى مجرى النهر، لذلك يجب أن تقدم مصر عروضا تنموية ضخمة على جنوب السودان لإنشاء مجتمعات حضرية، وإنشاء محطات كهرباء وطرق ومشروعات زراعية عملاقة تخلق وظائف وحياة للمواطنين هناك، مقابل عمل مشروعات مائية تجلب تلك الفواقد والمياه إلى مصر، ويجب أن نتعامل في التفكير مع جنوب السودان كمحافظة مصرية، ويجب أن تشملها الخطط التنموية المصرية لأنها طريق مصر لزيادة حصتها المائية.

هل من الممكن أن تكون شبكة نقل الكهرباء المصرية نقطة قوة لمصر في مفاوضاتها مع إثيوبيا؟

من الممكن أن تكون مصر مركز تصدير كهرباء لأفريقيا، لكن إثيوبيا تعدادها 110 ملايين نسمة، وتولد من الكهرباء 4 آلاف ميجا وات فقط، وهو أقل من إنتاج محطة بني سويف في مصر، وإذا شيدت إثيوبيا 10 مشروعات مثل سد النهضة لن تكفي الكهرباء 80% من المواطنين، والحقيقة أن إثيوبيا وهي إحدى أفقر 10 دول في العالم لا تمتلك القدرة على نقل الكهرباء داخل أراضيها، نظرا لأن المواطنين منتشرين بطول وعرض إثيوبيا بكاملها وهى تكلفة تعجز إثيوبيا في تغطية جزء صغير منها، لذلك فتصدير الكهرباء أمر حتمي بالنسبة لهم والأقرب هو التصدير إلى الدول المجاورة ككينيا.

*من واقع متابعتك للأحداث.. ما المردود الاقتصادى الذي سيعود على المواطن الإثيوبي من وراء سد النهضة؟

دعنا نتناول الأمر من بدايته، إثيوبيا أكبر دولة تعاني من مشكلات المياه في حوض النيل باستثناء موسم الأمطار فلا يوجد مياه طوال العام بعد انتهاء موسم الأمطار وبدء الجفاف، وذلك بسبب الطبيعة الجبلية لإثيوبيا فلا توجد أنهار ولا مجار مائية، ولو كان سد النهضة سيوفر مياه للإثيوبيين بعد موسم المطر كان سيكون مشروع نهضوي عظيم لهم.

لكن الحقيقة أن سد النهضة يقع على ارتفاع 500 متر من سطح البحر، وعلى بعد 5 كيلو مترات من الحدود السودانية، بينما المواطنين الإثيوبيين يعيشون على مسافة 2000 متر فوق سطح البحر والعاصمة أديس أبابا نفسها تقع على ارتفاع 2500 متر من سطح البحر، وهناك 600 كيلو مسافة سطحية بين السكان ومكان تشييد السد، ما يعني أن سد النهضة لن يوفر المياه للناس في موسم الجفاف، وأيضا بعيد عن المساحات الصالحة للزراعة وأقصى مساحة يمكن زراعتها على مياهه هي 200 ألف فدان، في حين وفر السد العالي لنا مياها تكفي لزراعة 1.7 مليون فدان.

وبالتالي سد النهضة لن يفيد المواطن الإثيوبي في توفير المياه في موسم الجفاف أو في إحداث نهضة زراعية أو توفير الكهرباء التي ستصدر إلى الخارج، أي إن المواطن الإثيوبي لن يأخذ شيئا من وراء سد النهضة، والجدوى الاقتصادية من السد غير موجودة بعد أن استهلك نصف الميزانية الإثيوبية البالغة 15 مليار دولار سنويا في بناء السد، وكان من الأجدى لإثيوبيا عمل عدد من السدود الصغيرة فوق الهضاب والجبال، حيث تجمع السكان لحجز كمية من المياه لفترات الجفاف، لكن تصميم وموقع سد النهضة لا يعود بأي فائدة على المواطن الإثيوبي.

*هل من الممكن أن يعمل سد النهضة كـ«محبس للمياه» في حوض النيل ؟

المياه ستأتي إلى دول المصب مصر والسودان بأي شكل وبأية طريقة، لأنه لا مكان للمياه إلا نهر النيل بسبب أن الطبيعة الجبلية مستحيلة الترويض لا تمكن إثيوبيا من تخزين المياه أو تحويل مسارها إلى أي مكان آخر كالصحراء مثلا، وإثيوبيا دولة حبيسة بلا بحار أو ظهير صحراوي، وبالتالي لا طريق إلا وصول المياه إلى مصر التي تملك إمكانيات كبيرة على مستوى المشروعات المائية بفضل طبيعة الأرض المنبسطة والتي مكنتنا من توصيل المياه إلى مرسي مطروح وإلى بئر العبد في سيناء، ولدينا 50 ألف كيلو متر ترع ومجاري مائية.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"

الجريدة الرسمية