رئيس التحرير
عصام كامل

الإفتاء تفضح انحرافات الإخوان.. دراسة جديدة تكشف خلل المرجعية الدينية عند مؤسس الجماعة.. ولماذا لجأ لتنظيم عسكري

فيتو

يثير البحث في تاريخ جماعة الإخوان عددا من التساؤلات، منها ما يتعلق بطبيعة الجماعة، فهل هي جماعة دينية أم جماعة سياسية؟ وما الحدود الفاصلة بين الشأن الديني والقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية في فكر الجماعة؟ وأخيرا هل خطابها ذو النزعة الدينية يتماهى مع قراراتها على الأرض؟!

من جانبها أعدت دار الإفتاء دراسة جديدة للبحث في خلفية الجماعة ومحاولة إيجاد أسئلة على التساؤلات السابقة.

نشأة الجماعة

أشارت الدراسة إلى أن "حسن البنا" مؤسس الجماعة تخرج من كلية دار العلوم عام 1927م، وتم تعيينه معلمًا بمدرسة "الإسماعيلية الابتدائية الأميرية"، ثم كون "البنا" علاقة بمجموعة من العمال في الإسماعيلية كانوا هم النواة الأولى المكونة للجماعة، ليعلن "البنا" عن نشأة الجماعة وتأسيسها عام 1928م،  وكانت المرحلة الأولى في الإسماعيلية أثناء عمل حسن البنا في هذه المنطقة، واستمرت هذه المرحلة بين عامي 1928 و،1932 وخلالها كان التنظيم يدور حركة وفكرًا حول شخصه.

ثم شكل "البنا" جماعة الإخوان على أسس إدارية شديدة التعقيد، فكان المنظم الأساسي للجماعة وصاحب نظريتها التنظيمية، فصاغ للجماعة فكرًا وتنظيمًا مرتبط بشخصه، ما يجعله المسيطر الأوحد عليها والموجه لنشاط الجماعة، وقد أستغل في ذلك عاملين: أولهما الغموض المحيط بأهداف وطبيعة الجماعة، طريقة بناء التنظيم جعلت منه صاحب الأمر وحده، حيث يأتي هو على رأس الشكل الهرمي للتنظيم.

وبعد إعلان "البنا" عن الجماعة في عام 1928، افتتحت لها أفرع في جميع أنحاء الدولة المصرية، وكان كل واحد من تلك الأفرع يدير مسجدا ومدرسة وناديا رياضيا، وسرعان ما انتشرت عضويتها، وفي أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، انتشرت أفكار الجماعة في ربوع مصر وفي جميع أنحاء العالم العربي، وفي الوقت نفسه، أسس البنا جناحا شبه عسكري -وهو الجهاز السري الخاص بجماعة الإخوان-بهدف محاربة الحكم الإنجليزي، والمشاركة بواحدة من حملات التفجيرات والاغتيالات.

المنطلقات الفكرية

وأضافت الدراسة أن الرؤية الفكرية لتيار الإسلام السياسي، تنطلق من أن الأمة الإسلامية واجهت في أعقاب الغزوة الاستعمارية مع مطلع القرن العشرين، صراعًا بين تيارين تجاذبا حركتها واجتهدا في استقطابها:

التيار الأول "تيار التغريب": الذي تمثل الحضارة الغربية خلاصة رؤيته للتطور والتقدم، ويرى أصحاب هذا الاتجاه ضرورة القضاء على التواصل الحضاري للأمة، وفك الارتباط بين حاضرها ومستقبلها، ومن ثم تحويلها إلى تابع وهامش لحضارة الغرب، لا يهدف أن نتحضر حقيقة بالحضارة الغربية ونستفيد بإيجابيات حضارتهم، وإنما لتتأبّد تبعيتنا له في الفكر والقيم ونمط العيش وأسلوب الحياة

التيار الثاني "تيار الجمود": الذي جاهد لاستقطاب الأمة، فهو تيار الجمود، ذلك الذي تحصن أعلامه وتحصنت فكريته بالمؤسسات التعليمية الموروثة، والذي أثقلت كواهل مقولاته وتصوراته بالركاكة والخرافة والنصوصية الجامدة.

وأوضحت الدارسة أن جماعة الإخوان قامت بتأسيس منطلقاتها الدينية بالاشتباك بكل ما هو سياسي، ويأتي على رأسها الدعوة بعودة الخلافة، حيث تمثل جماعة الإخوان أحد أهم القوى المعاصرة التي تنادي بفكرة الخلافة وضرورة بعثها، وقد امتازت بأنها أقامت تنظيمًا دوليًا على نمط الخلافة المنشود، وتقول الوثيقة المعنونة "النظام العام للإخوان المسلمين" الإخوان المسلمون في كل مكان جماعة واحدة تؤلف بينها الدعوة ويجمعهم النظام الأساسي، وتهدف الجماعة إلى "إعداد الأمة إعدادًا جهاديًا لتقف جبهة واحدة تمهيدًا لإقامة الدولة الإسلامية الراشدة".

ووفق هذه الرؤية أقامت الجماعة خلافتها الخاصة بها على امتداد وجودها في مختلف الأقطار سعيًا وراء إقامة دولة الخلافة الراشدة.

ولفتت الدراسة أن "البنا" حاول التأصيل لأفكاره بشكل يظهر فيه الحامي للدين الإسلامي والمدافع عنه في وجه الحضارة الغربية المادية المعادية للإسلام، وهو ما صاغه في رسالته المعنونة بـ"الإخوان المسلمون تحت راية القرآن" ليحدد ملامح جماعته ودورها والمهام الملقاة على عاتقها

نهج الجماعة المتطرف:

وتابعت الدراسة إن جماعة الإخوان تعتبر رسائل حسن البنا -والذي يسمى بأدبيات الإخوان بالإمام الشهيد، ويوصف بالمجدد- أهم مفردات منهج الإخوان المسلمين وعمدة نظامهم الأساسي، وما تزال فعالة في نهج الحركة وفكرها، وقد بلغت هذه قرابة العشرين رسالة، تناولت مواضيع مختلفة في أوقات ومناسبات مختلفة، وتشتمل على آراء ومواقف دينية، وسياسية، واقتصادية، وتنظيمية وغيرها، كما إن إحداها تضمنت عشرين أصلًا احتفى الإخوان بها احتفاء خاصًا من حيث شرحها وتعليمها والالتزام بها.

ووفق هذه الرؤية الشمولية والخطابات الرنانة أضحى منهج جماعة الإخوان قائم على الشعارات الفضفاضة كي تستحوذ على القلوب والعقول دون أن تحدد معايير عمل هذه الشعارات في الوضع الراهن وتطبيقاتها، فرفعت الجماعة شعار "شمولية الإسلام" حيث أكد مؤسس الجماعة أن الدين الإسلامي ليس دينا تعبديا روحيا وفقط، فالإسلام "عبادة وقيادة، ودين ودولة، وروحانية وعمل، وصلاة وجهاد، وطاعة وحكم، ومصحف وسيف لا ينفك واحد من هذه عن الأخرى".

أسس الجماعة

وبناء على "شمولية الإسلام" قرر البنا أن دعوة الإخوان المسلمين تقوم على عدة أسس دعوة سلفية: لأنهم يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله، وطريقة سنية: لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، حقيقة صوفية: لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والارتباط على الخير.

هيئة سياسية: لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم في الداخل وتعديل النظر في صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج، وتربية الشعب على العزة والكرامة والحرص على قوميته إلى أبعد حد، جماعة رياضية: لأنهم يعنون بجسومهم، ويعلمون أن المؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف، رابطة علمية ثقافية: لأن الإسلام يجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، شركة اقتصادية: لأن الإسلام يعنى بتدبير المال وكسبه من وجهة، واجهة اجتماعية: لأنهم يعنون بأدواء المجتمع الإسلامي ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها وشفاء الأمة منها.

وبتعريف البنّا للجماعة بأنها "دعوة سلفية"، قام البناء بتأسيس التصور السلفي –وفق النمط المشوه عند الجماعات المتسلفة- عبر مختلف دول العالم الإسلامي المنتشرة فيها الجماعة، فقد ساهمت الطبيعة التنظيمية لا الفكرية لجماعة الإخوان على توغل الفكر السلفي فيها في فترات مختلفة وبنسب مختلفة، فيما رأى محللون مثل الباحث حسام تمام، أن جماعة الإخوان بأكملها كانت تتجه نحو “التسلّف”، ورصد ذلك في عدّة مظاهر أغلبها مظاهر خارجية خاصة بالسمت من اللحية والنقاب وغيرها، أو ظهور مشايخ الإخوان على القنوات السلفية، أو بروز أصحاب الفكر السلفي في المناصب القيادية.

التوغل السلفي

من أهم الأسباب التي يرى تمّام أنها كانت السبب في توغل الفكر السلفي داخل الجماعة هو القمع الذي تعرضت له إبان حكم جمال عبد الناصر، وأدى إلى هجرة العديد من أفرادها إلى دول الخليج وأهمها السعودية، وتأثّرهم بالفكر السلفي الوهابي. مرّت الجماعة بعدة مراحل فيما بعد، في السبعينيات، حيث الموجة الثانية من تسلّف الإخوان والهجرة مجددًا إلى المملكة السعودية لا هربًا من النظام، بل بحثًا عن تحسين المستوى المعيشي، فضلًا عن الانفراجة التي عرفتها العلاقات المصرية السعودية بعد حرب 1973، ثم بداية الجماعات الإسلامية في مصر على مستوى طلبة الجامعات، والجماعات السلفية مثل جماعة أنصار السنّة.

لذلك قامت الجماعة باعتبار كافة القضايا التي تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية قضايا "عقيدة ودين" وليست قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية، وأن كافة هذه القضايا عبارة عن صراع بين الكفر والإيمان بين كارهي الإسلامي والمسلمين، ولذلك فلا تخلوا أية حادثة من هذا الدمج بين الدين والتشابك مع كل هذه القضايا لخدمة أهداف الجماعة، ففي السياسة والانتخابات ترفع شعار "الإسلام هو الحل" و"غزوة الصناديق"، وفي الاقتصاد "الاقتصاد الإسلامي" و"البنوك الإسلامية"، لم تلبث هذه الشعارات أن تطايرت مع أول  اختبار لها في الواقع، فهي محض شعارات براقة لم تحقق أي شيء ملموس يشعر به المواطنون على أرض الواقع.

لقد كان تحرك جماعة الإخوان المسلمين تجاه الدين بهذا الشكل من السطحية والفراغ المعرفي نتيجة التصور القاصر عن الدين عند قيادات الجماعة، فضعف المعرفة الدينية لديهم جعل لديهم تصورات مبتورة عن الدين ومقاصده العليا من حفظ "النفس/ العرض/ المال/..."، ما جعل الجماعة تتأرجح بين تصوراتها الشكلية عن الدين بإلصاق المسمى الدين على كل ما هو سياسي واجتماعي وغيره وصولا إلى استغلال الدين في تحقيق مآرب خاصة.

نقلًا عن الورقي..،

الجريدة الرسمية