رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

في إيد أمينة

«لا أعلم كيف حددت هذا الموعد لموتي!»، هكذا تقص «أمينة» حكايتها، التي بدأت قبل 26 عاما، عندما تنفست بصعوبة للمرة الأولى الهواء، إذ تعاني نقصا في وصول الأكسجين للمخ، ما دفع الممرضة التي شاركت في عملية توليد الأم، إلى أن تخبر الوالدين أن ابنتهما «ستعيش على الأكثر أسبوعين».

أمينة عبد الرحمن عطيفي، فتاة مصرية بدأت التحدي مبكرا.. منذ اليوم الأول لها في دنيانا، فهي تعاني شللا دماغيا يؤثر على أعصاب اليد والساق، لكنه أبدا لم يكن عائقا أمام إرادتها في أن تعيش بشكل طبيعي، ضاربة بعرض الحائط «توقعات» الممرضة، ثم محاولات كثيرة لتثبيط عزيمتها، فضلا عن وقائع تنمر عديدة تعرضت لها، بل وصل الأمر للضرب أحيانا!

 بالعودة للبداية، بدأت رحلة علاج أمينة مبكرا لدى أطباء الأطفال والمخ والأعصاب ومراكز العلاج الطبيعي، «كنت أعتبر هذا رياضة أو خروجة أو فسحة، لم أكن أعرف لماذا أذهب لهؤلاء الأطباء.. كنت ألعب وأجري وأضحك مثل باقي الأطفال في سني، لكن كنت دائما أشعر أني أحمل شيئا مختلفا عنهم».

تبدو أمينة في حديثها عن رحلة علاجها وكأنها تحاول طوال الوقت ألا تخذل والديها، «يوم بعد يوم تعلقت بي أمي وكانت تبكي وتقول (صغيرتي الجميلة كيف تموتين وتتركيني!)».

في سن السادسة، رفض مدير المدرسة الابتدائية التحاق أمينة بأقرانها، «أتذكر هذا اليوم جيدا قال لأبي (دخل بنتك مدارس تربية فكرية أو داخلية)... أبي رفض بشدة (بنتي عقلها سليم امتحنها وأنا اللي مسؤول على أي حاجة تحصلها)».

وفي التفاصيل تحكي بطلة قصتنا، «امتحنت أول امتحان ونجحت ففرحت جدا... كنت أرى هذا المشهد عظيما... أبي حريص على تعليمي، فاصريت ألا أخذله أو أخذل نفسي وأن أتمسك بالعلم».

انطلقت الفتاة في رحلة العلم، لكن الطريق أبدا لم يكن ممهدا، «في السنة الأولى لاحظتُ بعض النظرات الغريبة من التلاميذ والجميع، فذهبت وسألت أمي (لماذا ينظر الناس إلي هكذا؟ هل بي شييء مختلف؟»، فيما لم تجد الأم بدا من أن تخبرها بشكل مباشر «لأنهم يرونك معاقة»، وراحت تشرح لصغيرتها معنى الكلمة «يعني تعبانة».

ظلت الكلمة تتردد في ذهن أمينة الطفلة، وحين تمكنت من القراءة بدأت رحلة تعقب معنى «معاقة»، «بحثت عنها في الكتب، لكني وجدت تعريفات لم أؤمن بها مطلقا... أنا لدي تعرف آخر عن المعاق، هو من لديه قدرة جسدية وعقلية لكنه لا يفعل شيئا».

في كل جملة تنطقها أمينة تؤكد فيها على دور الأسرة في دعمها، من الطفولة حتى المرحلة الجامعية، إذ تخصصت في دراسة «الفئات الخاصة»، «عندما بدأت الدبلومة قال لي الدكتور (لن تتمكني من دراسة هذا المجال لأنك منهم) وكان ردي (لأني منهم فأنا أشعر بهم أكثر من أي شخص آخر)».

في تحديها للإعاقة تحاول أمينة الاستفادة من أبسط الإمكانات المتاحة لها حتى ولو كانت مجرد قلم وملعقة، فهي ترسم وتطهو، وأنشأت قناة على «يوتيوب» تحت اسم «مطبخ أمينة»، حيث تساعدها شقيقتها الكبرى التي تتولى تصويرها أثناء الطبخ مستخدمة «كاميرا الموبايل»، لتبث فيديوهات قصيرة يتابعها الكثير من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي.

ومؤخرا ضحكت لها الدنيا.. ضحكة جميلة تشبه ضحكة أمينة وابتسامتها، فالتقت الشيف علاء الشربيني، والذي منحها الفرصة للعمل معه في برنامجه، بمباركة إدارة القناة، لتذرف بطلتنا دموع الفرح.

وتحكي: «واجهت ظروفا وتحديات بسبب طريقة نطقي للكلام، وفي المرحلة الثانوية العامة في بداية المراهقة المرحلة الذي تزدهر فيها أي فتاة من خلال قصص الحب والاهتمام بالموضة والحلم بارتداء الفستان الأبيض، كان كل تفكيري في كيف أنقذ نفسي من هذا، وكيف أكمل حياتي؟ تعلمت من إعاقتي أن أكون قوية واكتسبت نعمة الإحساس بالآخرين».

 وتختتم أمينة كلمها معي «أنا أسعى لأن أكون الأفضل، وأن أغير نظرة المجتمع لهذا الفئة، من خلال لوحة أو مقال أو من خلال دراستي والمشاركة الاجتماعية، ولو حتى بأدوات الطهي».

معجب أنا بصديقتي أمينة التي تعرفت إليها عن قرب عبر فضاء «فيسبوك»، لكنني معجب أكثر بأنها في «إيد أمينة»، يد أسرتها البسيطة التي آمنت بها ودعمتها.. شكرا أمينة، شكرا لأسرتك الأمينة.

 

Advertisements
الجريدة الرسمية