رئيس التحرير
عصام كامل

محمد عيسى يكتب: «في الشعر الجاهلي».. طه حسين يطيح بتراث الأمة (1-2)

محمد حسن عيسى
محمد حسن عيسى

قامت الدنيا ولم تقعد في وجه طه حسين، بعد أن أصدر كتابه «في الشعر الجاهلي». للوهلة الأولى تبادر إلى ذهن مثقفي ونقاد العصر أن الأستاذ قد سار على درب سابقيه، وأنه سيتناول الشعر الجاهلي من وجهة يضمد بها جراحه لا أن يعمقها، إلا أنه فاجأ الجميع بثورته على الشعر الجاهلي برمته.


«لكنني -والكلام هنا لطه حسين- شككت في قيمة الأدب الجاهلي، وألححت في الشك. وانتهيت إلى أن الكثرة المطلقة مما نسميه أدبًا جاهليًّا، ليست من الجاهلية في شيء، إنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام».. جنّ جنون المثقفين وأهل اللغة بعد أن دس «حسين» هذه المقولة وأمثالها في ثنايا كتابه المثير للجدل، راح الرجل يشكك في تراث ترسخ لدى العرب جميعا، لدرجة حدت بهم تقديس هذا الأدب واعتباره محرما، لا يجوز حتى أن تفكر في التشكيك فيه.

بنى عميد الأدب نظريته على اعتبار أن الشعر المنسوب لشعراء الجاهلية لا يمكن بحال من الأحوال أن يظهر قبل ظهور القرآن، ولا يعبر عن حياتهم حيث إن «حياة العرب الجاهليين ظاهرة في شعر الفرزدق وجرير وذي الرمة والأخطل والراعي أكثر من ظهورها في هذا الشعر الذي ينسب إلى طرفة وعنترة وبشر بن أبى خازم».

قدم طه حسين نقدا جديدا.. رآه الكثيرون «نقدًا هدامًّا» لا يسمن ولا يغني من جوع، فكيف له أن يخرج على نظرية الأدب السائدة آنذاك، ولماذا خالف الأسلوب النقدى القديم المتوارث؟!

لم يسلم الرجل من الانتقادات التي كادت تطيح بحياته العملية، فما أن رأى الكتاب النور، حتى قامت وزارة إسماعيل صدقى باشا عام 1932م بفصله من الجامعة كرئيس لكلية الآداب، ولم يعد لمنصبه إلا في عهد الحكومة الوفدية. غير أن رجال الأزهر شنوا حملة شعواء وحربا ضروسا طالته في إيمانه، وسُحِب الكتاب من الأسواق.

في العام نفسه أصدر د. طه حسين كتابه «في الأدب الجاهلي»، وضمّنه كامل نص الكتاب المُصادر مع إضافة فصول جديدة مثل «الشعر طبيعته ونوعه وفنونه»، و«شعر مُضر»، و«النثر الجاهلي».

يتكون كتاب «في الشعر الجاهلي» من أربعة أبواب، بينما يتكون كتاب «في الأدب الجاهلي» من سبعة أبواب.. ولا شك أن ذلك قد تم لمقتضيات الالتفاف على المصادرة، غير أن الإضافات قد عمقت البحث.

شمّر نقاد عصره وأعدوا له العدة، وراح كل منهم يتناول الكتاب بالتحليل والتفنيد، مهاجما نظرية طه حسين التي بنى عليها الكتاب ومشككا فيما أورده كاتبنا، ولعل أبرز هؤلاء مصطفى صادق الرافعي، في كتابه "تحت راية القرآن"، وهو عبارة عن مجموعة مقالات كتبها الرافعي، يهاجم فيها «في الشعر الجاهلي»، وأكد فيه أن حسين سار على نهج المستشرقين؛ رغبة منه في الظهور، فما هو إلا ما ترى من خلط يسمى علمًا، وجرأة تكون نقدًا، وتحامل يصبح رأيًا، "وتقليد للمستشرقين يسميه اجتهادًا".

وتفرغ أيضا كل من محمد لطفي جمعة، في كتابه "الشهاب الراصد"، وشيخ الأزهر محمد الخضر حسين، في كتاب "نقض كتاب في الشعر الجاهلي"، ومحمد فريد وجدي، في كتابه المسمى أيضا "نقض كتاب في الشعر الجاهلي"، ومحمد أحمد الغمراوي، في كتابه "النقد التحليلي لكتاب في الأدب الجاهلي".

ما الذي دفع الأستاذ أن يهيل التراب على كل هذا التراث؟. حين تقرر قراءة الكتاب حتما ستدرك أن الكاتب الكبير اعتمد منهج الشك في معالجته، بغية الوصول لليقين، حسب المدرسة الديكارتية، أحس كاتبنا في تلك الأشعار ميلا وانجذابا نحو الحياة الإسلامية، حيث يرى أنها «إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم أكثر مما تُمثل حياة الجاهليين»، إلا أن هذا غير صحيح، فحين تطالع أشعار عنترة وامرؤ القيس والنابغة وغيرهم تشم فيها رائحة الجاهلية وتحس غلظتهم وعنصريتهم.

ونكمل في المقال القادم الدوافع التي جعلت طه حسين ينفي وجود الشعر العربي أو يشكك فيه


Advertisements
الجريدة الرسمية