رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

Joker .. إنهم لا يهتمون بنا

فيتو

الكل أصبح فاسدا
إرهاب، مضاربة أسهم
والكل أصبح مدعيا
في بطانة الحاكم، وفي الأخبار
والكل أصبح فاشلا
كل ما أريد قوله إنهم حقيقة لا يأبهون بنا

كل ما أريد قوله إنهم حقيقة لا يأبهون بنا

عبر مايكل جاكسون في أغنية "They Don't Care About Us" – إنتاج 1995- التي ألفها وتلقى عليها الكثير من الانتقادات عن الوضع التعس الذي وصلت إليه المجتمعات حول العالم، نتاج الظلم والكراهية المستولدة منه بفعل السياسات الانتقائية، والسلطة الجائرة في وجه الأغلبية المهمشة


وبشكل أو بآخر فإن موضوع أغنية "They Don't Care About Us" هي معبر عن الأفكار التي يتناولها فيلم Joker للمخرج دويت فيليبس وبطولة فتي هوليود غريب الأطوار خواكين فينيكس، في إعادة صياغة جديدة لشخصية جوكر، أو بالأحرى تأصيل لتحول أي إنسان إلى جوكر يحترف الأذي كما شاهدناه في قصص الكوميكس القديمة، وفي تجسيده على شاشة السينما من عدة نجوم، كان أشهرهم هيث ليدجر الذي تمكن بالأداء الذي قدم به جوكر في فيلم The Dark Night أن يقرن نفسه بالشخصية حتى الآن رغم وفاته عام 2008 بداعي التفاصيل المختلفة التي قدمها لشخصية جوكر المضطربة نفسيا محترفة الجريمة.



رغم اختلاف Joker خواكين فينيكس عن جوكر هيث ليدجر، من حيث الجوانب التي قدمها كل منهما من شخصية الجوكر، لكن يمكننا أن نرى الأفكار التي استوحاها دويت فيليبس في نسخته الجديدة من جوكر في حوار الشخصية التي أداها هيث ليدجر في The Dark Night.


في مشهد غرفة الاستجواب في فيلم The Dark Night يقول جوكر لباتمان: "بالنسبة لهم أنت شخص غريب الأطوار مثلي عندما لا يحتاجونك سينبذونك كالمجذوم.. عندما تحين الفرصة لهؤلاء البشر المتحضرين سيأكلون بعضهم البعض.. أنا فقط أسبقهم"، من هذا الحوار نجد أنفسنا نذهب إلى شخصية آرثر فيلك التي تعاني من تعالى المجتمع، وإهمال الحكومة وعدم القدرة على مجاراة رغبات رأس المال في السيطرة على كل شيء في المدينة، بداية من فرص العمل وحتى السيطرة على السلطة السياسية فيها.


يركز فيلم Joker على قسوة المجتمعات ضد المختلفين من البشر، وجرعات العنف التي يطلقها الناس تجاه أصحاب الأمراض العقلية مثل الشخصية الرئيسية في الفيلم آرثر فيلك، وتنمر المجتمع ضد أصحاب الهيئة المختلفة كشخصية القزم التي أداها الممثل ليه جيل، ويظهر دويت فيليبس من خلال أكثر من مشهد العنف الذي سيطر على المجتمع والفساد داخل مدينة غوثانم الخيالية.

نحن أمام شخصية يكمن في داخلها عاصفة من الغضب، تراكمت داخله آثار مجتمع يعاني من فساد رجال المال والسياسة والاستهتار بمعاناة المرضى النفسيين، ودفع فواتير أخطاء الأهل، وتضليل الإعلام، جميعها أسباب خلقت من آرثر فيليك Joker مع توالي أحداث الفيلم، جميعها أسباب يبعث الفيلم برسائل أنها أصبحت مسيطرة على العالم، وقد تدفع لخلق أكثر من Joker حولنا جديد، "فالأمور في الخارج تدفع للجنون" كما قال آرثر فيلك في أحداث الفيلم.

لم يسع آرثر فيليك إلى انتهاج العنف، كان يرغب في العيش مسالما، مجرد فنان كوميدي يأمل في تطبيق وصية والدته بالعيش من أجل رسم الابتسامة على وجوه الناس، لكن تعرضه للمضايقات والتنمر دفعه لامتلاك مسدس بواسطة صديق منحه إياه ليدافع عن نفسه، هذا المسدس هو من فجر غضب آرثر وقاده إلى جرائم القتل التي ارتكبها، وولد لديه الإحساس بذاته من رجل بسيط مختل عقليا لا وزن له بين الناس إلى شخص يبحث عنه الجميع، ويتصدر عناوين الصحف ويرتدي الناس قناع المهرج الخاص به، شماتة في القتلى الثلاثة التابعين لرجل رأس مالي يرغب في حكم المدينة، ويبدأ في الشعور بالاهتمام كما قال في أحداث الفيلم: "طوال عمري لم أشعر بالوجود.. ولكن الآن ألاحظ ذلك.. إنهم يشعروني بوجودي"



يلقي Joker الضوء على إهمال الحكومات للمهمشين، ويترجم ذلك بقطع حكومة غوثام الدعم عن مركز الدعم النفسي الذي يتابع فيه آرثر حالته،  ومتلازمة الضحك بلا سبب التي ورطته في قتل الشبان الثلاثة، وفي حديث موظفة المركز لآرثر لحظة إبلاغه بوقف الدعم " إنهم لا يهتمون بمن مثلي ومثلك"، رغم كونها الموظفة الحكومية التي لم تصغ من قبل لكلام آرثر كما واجهها بحقيقتها في أحد المشاهد، وقال " تعرفين أنت لم تصغ إلى كلماتي من قبل، تكررين على الأسئلة ذاتها في كل مرة لكن لا تصغين إلى"

تناول تود فيلييبس التنمر في شخصية القزم الذي يتعرض للسخرية يوميا من زميله الضخم، الذي أدى دوره الممثل غلين فليشلر، ويجد آرثر فيلك نفسه مضطرا لقتله بطريقة بشعة في الأحداث الأخيرة من الفيلم، انتقاما من تنمره الدائم، وهي رسالة رغم ما تحتويه من عنف لكنها تسلط الضوء على معاناة كل شخص عرضة للتنمر، بسبب هيئته أو مرضة العقلي، وهي امتداد للحملات العالمية التي ظهرت في السنوات الأخيرة ضد التنمر بشكل عام، وهو ما أشار له فيليبس في بعض الحوارات الإعلامية التي أجراها فقال: "الفيلم يبعث رسائل عن غياب الحب وصدمات الأطفال وغياب التعاطف في العالم"



يتجلي انتقام آرثر فيليك من فساد مجتمع غوثام بقتله لموراي فرانكلين مقدم البرامج الشهير بوق أصحاب المصالح في غوثام، والمعبر عن الفساد الذي تغرق فيه المدينة، خاصة بعد سخريته من فيليك، وإهانته في إحدي فقرات برنامجه، وانتقامه من والدته بقتلها في مشهد صادم ساق له صناع الفيلم المبرر بتسببها في مأساة آرثر في حياته دون أب، وتفاصيل أخرى عن تركه يلقى جرعات من التعذيب في طفولته، بسبب إهمالها ومرضها النفسي، كلها جرائم ارتكبها آرثر في طريق تحوله لـ Joker بعد أن تعرض للأذى والرفض من المجتمع.

الضغوط وآثارها هو الموضوع الأساسي الذي يطرحه فيلم جوكر، وكيف أصبح الناس يمتلكون عواصف من الغضب المكتوم، غير المحكوم إذا ما انطلق للخارج، الجميع ضد هذا المواطن الذي يعتبر مشروعا سهلا لصناعة جوكر من العدم.

نجح تويد فيليبس بشكل عام في استثارة غضب المشاهدين خلال أحداث الفيلم، غضب موجه إلى كل الأسباب التي صنعت تعثر آرثر في حياته المهنية والشخصية، وربما من هنا ظهرت اتهامات دفع الفيلم المشاهدين للتعاطف مع العنف الذي مارسه بطل الفيلم، خاصة مشاهد القتل الدموية بشكل لافت، والمشاهد للفيلم ربما يجد في جزء مظلم من قلبه وعقله رغبة في تكرار ما فعله آرثر من جرائم بسبب ضغوط نفسية كبيرة يعيش فيها الناس خلال السنوات الأخيرة.

Advertisements
الجريدة الرسمية