رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

سعد الدين وهبة يكتب: الوداع يا حبيب الملايين

الرئيس الراحل جمال
الرئيس الراحل جمال عبد الناصر

في مذكراته التي كتبها ونشرت في كتاب (من الأوراق الخاصة لسعد الدين وهبة) الذي أعده الأمير أباظة كتب الكاتب المسرحى والسيناريو سعد الدين وهبة عن يوم وفاة الرئيس عبد الناصر يقول:


يوم 28 سبتمبر 1970 بدأ يوما عاديا لا يحمل أية علامات على أنه سيكون يوما مشهودا وحزينا وأنه سوف يكون تاريخا لتحول خطير سوف يحدث لا في تاريخ مصر وحدها ولا في العالم العربى فحسب.. بل في تاريخ أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا.

كنت وكيلا للوزارة للثقافة الجماهيرية وكنت أسكن في الزمالك وأعيش وحدى بالبيت بعد سفر زوجتى سميحة لحضور عرض مسرحي في ألمانيا الشرقية، حدثني الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة في الثامنة صباحا وقال لي إن هناك شكاوى من ضباط الشئون العامة ضد هيئات وزارة الثقافة بسبب عدم إرسال أنشطة فنية للترفيه عن الجنود في الخنادق.

ذهبت إلى مكتبى بالثقافة الجماهيرية بشارع الجلاء، وانتهى اليوم وعدت إلى بيتي وتناولت الغداء وبعد القيلولة ذهبت إلى قطاع المسرح لموعد مع المخرج نبيل الألفى الذي اخترته لإخراج مسرحيتى (ياسلام سلم الحيطة بتتكلم ) في المسرح القومي.

ذهبت في الموعد وتناقشت مع نبيل ثم غادرت مكتبه ودخلت محل سلطان للفاكهة بشارع التوفيقية وأحضرت بعض الفاكهة، وجلست في السيارة استمع إلى نشرة أخبار إذاعة الشرق الأوسط، فوجدتها تذيع القرآن الكريم، وتصورت أنها دقائق قبل النشرة لكنها طالت فحولت المؤشر إلى البرنامج العام ثم صوت العرب وإذا كلها تذيع القرآن الكريم.

أسرعت إلى البيت حيث فتحت جهاز التليفزيون وإذا به يتلو آيات من الذكر الحكيم وفجاة أطل أنور السادات نائب الرئيس ينعى وفاة البطل جمال عبد الناصر، هنا لا أعرف ماذا حدث لى ووجدت نفسى أرتدى ملابسى وأخرج إلى الشارع باكيا، شاهدت النساء بملابس البيت يبكين ويلطمن والرجال يبكون بصوت عال.

قررت أن أذهب إلى مكتب الوزارة في قصر عائشة فهمى بالزمالك فكنت أعلم أن الوزير في زيارة إلى الجبهة، وقابلت عادل شوقى مدير مكتب الوزير ثروت عكاشة وكان يبكى والسعاة يبكون معه وعلمت منه أنهم استدعوا الوزير ومعه ثلاث وزراء من الجبهة بطائرة خاصة وأنهم في اجتماع الآن بقصر القبة.

تحركت إلى الشارع حتى عبرت كوبرى أبو العلا في مواجهة حى بولاق، ولا أنسى تلك الليلة طول حياتى، الحى بأكمله مضاء حتى الدكاكين وأمام كل منزل جنازة رجال تبكى ونساء تلطم أما الشباب فأخذوا طريقهم إلى بيت عبد الناصر..لكن كردون الشرطة يمنع الناس من عبور ميدان رمسيس.وعدت إلى بيتى وكانت الساعة السادسة صباحا.

وذهبت في الصباح إلى مكتب الوزير ثروت عكاشة الذي كان قد قرر الاجتماع برؤساء قطاعات الوزارة اليوم التالى 29 سبتمبر في الثامنة صباحا، وبدأ الاجتماع وجلسنا حول المائدة، وتحدث الوزير وهو يغالب دموعه وسأل نجيب محفوظ: ما العمل ؟ فرد عليه: ضرورة عودة الأحزاب لملء الفراغ. فقال أحد الجالسين: نجيب لسه عايش في سنة 1919.

وقال محمود الشنيطى رئيس دار الكتب: مفيش طريقة غير الصلح مع أمريكا، أما سهير القلماوى فقالت : ماخلاص البلد راحت عليه العوض نصها حياخدها الشيوعيين والنص التانى الإخوان المسلمين.وقلت أنا : اللى يعدى مصر الفترة دى هو أنور السادات.

وفجأة جاء عادل شوقى ليهمس في أذني تليفون من والدى، قلت له بعدين، وبعد دقائق عاد مرة أخرى وقال تليفون ضرورى، وكان خبر وفاة والدتى في فارسكور.

حاولنا أنا وحسين مهران السفر لكن المواصلات كانت مقطوعة، فاستأذن مهران الوزير في سيارة من سيارات الوزارة وبالفعل سافرنا إلى دمياط حيث كانت ستدفن والدتى في آخر لحظة وعدت في منتصف الليل.

وفى يوم الخميس 1 أكتوبر وقفت أشاهد الجنازة الأسطورية وأبكى وأصرخ مع الجماهير الوداع ياجمال ياحبيب الملايين.
Advertisements
الجريدة الرسمية