رئيس التحرير
عصام كامل

إدوارد الخراط يكتب: أروع راقصة

فيتو

في مجلة "الفن "عام 1980 نشرت مقالا مطولا عن الراقصة الشرقية تحية كاريوكا "رحلت في مثل هذا اليوم 20 سبتمبر 1999" الكاتب إدوارد الخراط قال فيه:


انتهت مسيرة بديعة مصابنى كراقصة مع الحرب العالمية الثانية، وكانت وريثتها الحقيقية هي تحية كاريوكا.. وهى في نظرى أروع راقصة شرقية على الإطلاق.

أم كلثوم كانت رمزا بارزا من رموز الثقافة الوطنية وغنت في حفل زفاف الملك فاروق عام 1936، وكانت تلك الحفلة الباذخة أول ظهور لتحية، كانت تجسيدا لضرب من الاثارة بالغ الخصوصية مما جعلها أنعم الراقصات.

مثلت أكثر من 200 فيلما، لا يكاد يخلو فيلم منهم من رقصة على الأقل، أول ما شاهدتها عام 1950، وقتها ذكر لى زميل مغامر من زملاء الدراسة أن هناك راقصة في كازينو بديعة المكشوف بالجيزة على النيل (مكان فندق شيراتون الآن) اشترينا التذاكر وذهبنا إلى الكازينو قبل العرض بساعتين على الأقل، كان الكازينو مزدحما وطاولاته تزيد عن الأربعين.

كان شريكها في تلك الليلة المطرب عبد العزيز محمود وكانت الأغنية "منديل الحلو"، أما هي فكانت ترتدى بدلة زرقاء متلألئة خطفت ابصارنا، كان رقصها هادئا بعيدا عن الهزهزة والتنطيط.

كانت جيبتها الشفافة تتدلى فوق البكينى الذي يشكل جزءا أساسيا من بدلتها دون أن يكون أبدا مصدر جاذبيتها الأساسى، وكانت الشرائط والأحجبة والعقود والسلاسل الذهبية والفضية تبعث في حركات تحية الحياة.

قد تلجأ بعض الراقصات إلى الحركة البهلوانية أو التزلق على الأرض أو التعرى الخفيف..لكن تحية فلا..رشاقتها وأناقتها توحيان بما هو كلاسيكى وهيب، والمرافقة انها كانت ملموسة وقريبة كما كانت نائية لا تطال.

وأذكر على وجه الخصوص أنها ما أن بدأت ترقص حتى ارتسم على وجهها مابدا وكأنه بسمة صغيرة مستغرقة في ذاتها لازمتها طوال العرض، فمها مفتوح اوسع مما تكون عليه البسمة كما لو انها مختلية بنفسها تتأمل جسدها وتستمتع بحركاته.

تميزت تحية بتسمية في ثقافة طلعت علينا بعشرات الراقصات اللاتى يحملن اسم زوزو أو فيفى..فهى لا تنتمى إلى ثقافة الفتيات الرخيصات أو النساء الساقطات بل ظلت مرتبطة بمجتمع بلادها.

أنه دور العالمة الذي كاد أن ينسى، الذي تحدث عنه زوار الشرق من الأوروبيين أمثال إدوارد لين وفلوبير، حين كانت العالمة محظية من المحظيات، ولم يكن الرقص سوى واحد من مواهبها الكثيرة، وسعى رجال الأدب والقانون والسياسة إلى رفقتها.

كنت اظن أن تحية سوف ترقص إلى الأبد، وكنت قد سافرت إلى الخارج سنوات طويلة وعدت عام 1975 وسمعت أن هناك خبطة مسرحية كبيرة في القاهرة بطولة تحية كاريوكا وآخر أزواجها فايز حلاوة "يحيا الوفد" وطان السادات قد طرد الخبراء الروس من مصر، راحت المسرحية تقدم فضح المصريين لمخططات الروس.

أما أنا فقد صدمت عند مشاهدة هذه المسرحية، لقد غابت المغرية والراقصة الرشيقة وتحولت إلى قبضاى متبجح يزن 220 رطلا، تكر الشتائم وتقذف بأغلظ الألفاظ والنكات القصيرة بأسلوب رخيص، مسرحية هزلية مؤيدة للسادات. لقد ضربت موعدا مع تحية من خلال صديقتها نبيهة لطفى المخرجة التسجيلية، فإذا بها تعيش في شقة صغيرة على بعد امتار من أول مكان رأيتها ترقص فيه منذ أربعين عاما.

رأيتها عالمة متقاعدة ترتدى عباية طويلة الأكمام والطول تناديها نبيهة باسم الحاجة، وصور مكة تملأ الجدران ومصحف قريب من يدها، وحين أذن للعشاء فصمتت عن الكلام وأغمضت عينيها وسمعتها تتمتم بكلمات الأذان..
الجريدة الرسمية