رئيس التحرير
عصام كامل

نتوء مملكة الجبل الأصفر السرطاني


فجأة أعلن يوم الخميس الماضي ٥ سبتمبر عن قيام مملكة الجبل الأصفر أسفل خط ٢٢ على مساحة ٢٠٦٠ كيلو مترا، ولا تعتبرها السودان ضمن حدودها، إذ يعني ذلك اعترافها بخط ٢٢ ولا تعتبرها مصر أيضا ضمن حدودها، لأنها أسفل خط الحدود، وفي عام 2016 قام مغامر أمريكي بإعلان تلك المملكة شمال السودان على هذه المنطقة (UNCLAIMED – NOMAN’S LAN) ونصب ابنته ملكة عليها..


ومر الأمر كطرفة وقتها ولكنه لم يمر مرور الكرام على الأجهزة الدولية، وتلقفت الموضوع للاستفادة منه ربما في إطار صفقة القرن الرامية لتصفية القضية الفلسطينية هذه المسألة ليست جديدة، وترجع لأكثر من 10 سنوات، وهناك معاهدة مبرمة بين مصر والسودان في عام 1899، حددت حدود مصر عند خط عرض 22، ورغم ذلك حاول السودان في عهد الرئيس المعزول "عمر البشير" احداث بعض القلائل على الحدود بين البلدين، من خلال الزعم بأن مثلث حلايب وشلاتين سوداني. وكان صمت نظام "عمر البشير" وعدم الاعتراض على احتلال جزء من الأراضي السودانية حلقة في سلسلة المساومات من "البشير" لابتزاز مصر..

خاصة وأن السودان لم يقم ببيع هذه الأرض، مثلما فعلت روسيا في بيع ولاية ألاسكا للولايات المتحدة الأمريكية، ولم يقم أيضًا بتأجير أو رهن هذا الإقليم، ولم يتنازل بأي شكل من أشكال التنازل لما يسمى بمملكة الجبل الأصفر المزعومة.

وكان إعلان الخميس قد تم من مدينة أوديسا بأوكرانيا، وتم تشكيل حكومة أعضائها من عدة دول عربية وإسلامية، وجاء في بيان "نادرة ناصيف" رئيسة وزراء المملكة (وهى أمريكية من أصل لبناني) وقالت إن بلدها سيكون دولة للاجئين والمحرومين من حقوق المواطنة في الوطن العربي، بما يمكن تفسيره على إمكانية توطين اللاجئين الفلسطينيين، وبالتالي تصفية القضية وحل مشكلة اللاجئين بصفة عامة واللاجئين الفلسطينيين بصفة خاصة..

ويتوقع توطين أكثر من 20 مليون لاجئ بها حتى عام 2040، ويقتصر الحصول على الجنسية على الأشخاص المتضررين من الحروب والمشكلات السياسية، ويلاحظ أن علمها ذو اللون الأخضر ومكتوب عليه بسم الله الرحمن الرحيم يتشابه مع علم السعودية، وهي رموز ودلالات لا تخفى على أحد.

وعلى الرغم من أن إعلانًا بإنشاء دولة حدودية بهذا الشكل لا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها، فيما يبدو أنه سيتم إعادة سيناريو إسرائيل في فلسطين، ذلك أن للمملكة الجديدة ملك صاحب سمو، وعلم تم إزاحة الستار عنه، ورئيسة حكومة، وحكومة، وربما نكتشف ما هو أكثر.

وصحيح أن مملكة الجبل الأصفر تقع داخل حدود السودان لكن ماذا لو حدث وانضم إليها مثلت حلايب وشلاتين وأبورماد المصري، باعتبار تلك المناطق متنازعا عليها، واعترف بها العالم، خصوصا أن صحفا غربية قالت إن الذي احتل هذا المساحة ضابط أمريكي سابق، والمشكلة إن مصر لا تريد ضم منطقة بير الطويل، لإن هذا يعني التنازل عن مثلث حلايب وشلاتين للسودان..

وعلى قدر تفاهة الموضوع على قدر أنه قد يتطور لدراما ونزاع حدودي مسلح، لأنها ستصبح شوكة في خاصرة مصر، ولهذا لا بد من حسم الأمر مع السودان لهذا النتوء السرطاني قبل أن يستفحل وترتفع تكلفة العلاج..

ولا مناص من البتر في المهد حتى ولو عرفنا أن منطقة بئر طويل بين مصر والسودان صحراء جرداء، درجة الحرارة فيها أغلب العام تتجاوز ٤٥ درجة، ولا يوجد بها أي حياة، ولكن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، خاصة وأن منطقة الشرق الأوسط وفى القلب منها المنطقة العربية، تعيد صياغة الكيانات والحدود والخرائط في هندسة جديدة، وقد تهاوت أربع دول حتى الآن، وما زالت العملية تتفاعل ولن تقف عند هذا الحد.
الجريدة الرسمية