رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

فؤاد زكريا: الفكر مهنة غير معترف بها

فؤاد زكريا
فؤاد زكريا

في حوار أجراه الصحفى محمد عتمان مع الدكتور فؤاد زكريا المفكر العربى وأستاذ الفلسفة (رحل عام 2010) ونشرته مجلة صباح الخير عام 1977 قال فيه:


ليس صحيحا أن الفكر العربى في الوقت الراهن يعانى مجرد أزمة، أنه في رأيى يعانى مما تعانى منه الحياة العربية بوجه عام، فالأزمة ليست أزمة الفكر العربى وإنما أزمة الحياة العربية.

وما نسميه بأزمة الفكر ليست إلا انعكاسا لظاهرة عامة على مجال الفكر، وإذا كان المفروض من الفكر أن يقوم إلى جانب تعبيره عن أوضاع قائمة بالفعل برسم طريق المستقبل وقيادة أمته نحو حياة جديدة.

والمشكلة تتمثل في مظاهر متعددة فإن الفكر ليس شيئا معترفا به في مجتمعاتنا، فالمفكر يعيش على هامش المجتمع ولا يمثل قوة ضاغطة.

أما على الصعيد الشعبى فليست هناك وظيفة اجتماعية اسمها وظيفة المفكر في العالم العربى، ولو تأملنا ما تنشره صحافتنا في ميدان الفكر لوجدناه ــ كله تقريبا ــ صادرا عن أدباء أو نقاد أدبيين يشتغلون بالمسائل الفكرية، أو عن مفكرين اشتهروا بين الناس بصنعة الأدب مثلما اشتهروا بصنعة الفكر.

أما المفكر الخالص الذي يتقدم إلى الجمهور بوصفه مفكرا فحسب لا بوصفه أديبا أو ناقدا أو شاعرا، فليس شيئا معترفا به، ولا يكاد أن يكون له وجود في حياتنا العقلية.. وذلك في ذاته تعبير واضح عن موقع الفكر في المجتمع ووزن المفكر فيه.

وأقرب ما أعنيه من الأذهان فإنى أشير إلى موقف مفكر هو برتراند راسل في حرب فيتنام، أو موقف جان بول سارتر من جائزة نوبل، وهذه المواقف تؤكد دور المفكر في المجتمع.

وننبه المجتمع إلى أهمية وظيفة الفكر.. بل نجعل من الفكر سلطة في المجتمع لا تقل أهمية عن سائر سلطاته المعروفة.

أما عندنا فلا تجد من مفكرينا في اللحظات الحاسمة إلا المواقف المائعة على الرغم من أن كثيرين منهم وصلوا إلى مرحلة من الشهرة أو السن ـــ أو كليهما معا ــــ لا ينبغى أن يهتموا إلا بما سيقوله عنهم التاريخ في المستقبل.

وفى رأيى أن أسباب أزمة الفكر لا تنتمى إلى مجال الفكر نفسه، أي أن المسئولين عنها ليسوا هم المفكرين، وعلى عكس ما ينادى به البعض من اتهام لمفكرينا بالقصور والعجز في الابداع، لأننى أؤمن بأن الظروف التي يعملون فيها تتجاوز قدراتهم.

وهذه الظروف هي المسئولة عما آل إليه الفكر في عالمنا العربى، فنحن دائما نلتزم جانب الحذر في تعبيراتنا، ونقول شيئا ونخفى أشياء، ونعبر عن أنفسنا بطرق ملتوية، ونفكر دائما في الأصداء المحتملة لما نكتبه.. بل إن المفكر ربما بذل في صياغة ما يكتب جهدا يفوق ما يبذله في سبيل كشف أبعاد الموضوع الذي يتحدث فيه.

والقيود التي تكبل العقل العربى من جميع جوانبه منعت وصوله إلى مرحلة التحرر، وكلما ازداد هذا العقل اقترابا من مناقشة الجذور العميقة التي يعيش عليها المجتمع اشتدت القيود التي تمنعه من الحركة ومن المستحيل أن يصل إلى مرحلة التحرر إلا إذا استطاع أن يناقش الجذور وهذا هو ما توصل إليه الغربيون منذ زمن بعيد.
Advertisements
الجريدة الرسمية