رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الآنسة "وداد".. أسطورة الكفاح ضد الاحتلال


هل يعرف أحدٌ اسم "وداد حجاب"؟! أكاد أجزم بأن الإجابة هي "لا".. فأمثال "وداد" لايسعون إلى الشهرة، ولا يبذلون أدنى مجهود للوصول إلى صفحات الجرائد، بل إنهم/ إنهن، يتكبدون المشاق للبقاء في الظل، ويسعدون/ يسعدن، أيَّما سعادة، بإنكار الذات، والكفاح "السري"، رغم أن تاريخ المحروسة يبدأ من عند أطراف أناملهم/ أناملهن.


بدأت "الآنسة وداد" مشوار الكفاح الوطني ومقاومة قوات الاحتلال الإسرائيلي في سن مبكرة؛ فما أن حصلت على الشهادة الإعدادية حتى أخذت في تعلم الإسعافات الأولية ومداواة الجرحى، على أيدي أطباء متخصصين.

وبعد نكسة يونيو عام 1967 أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تنحيه، فخرجت "وداد" مع الفتيات للتظاهر، لرفض هذا القرار، وفي 1968 تأكدت أن الحرب لن تتوقف؛ لأنه لا يمكن ترك العدو الإسرائيلي ينعم بسيناء الغالية.

كان 28 سبتمبر عام 1970 بمثابة يوم أسود على مصر، والأمة العربية بأسرها، فبعد انتهاء أعمال القمة العربية التي دعا إليها الزعيم عبد الناصر، لإنقاذ عشرات الآلاف من خيرة شباب الفلسطينيين من الاغتيال بالرصاص الأردني، أصيب الزعيم بذبحة صدرية، شعر بآلامها الرهيبة أثناء توديعه لملك الكويت في مطار القاهرة، لكنه تحامل على نفسه، ونُقِل إلى منزله حيث اكتشف الأطباء الكارثة، وبذلوا جهودًا مضنية لإنقاذ حياته، إلا أن إرادة الله نفذت.

توفي عبد الناصر في نحو الساعة السادسة مساء، وفقًا لرواية طبيبه الدكتور الصاوي حبيب.

وصاحب الإعلان عن وفاة "عبد الناصر" أجواء من الصدمة وعم الحزن في مصر والوطن العربي، بل والعالم كله.. وشُيعت جنازة زعيم الأمة في 1 أكتوبر 1970، وخرج في وداعه الملايين في مصر، وكافة أقطار الدنيا.

طلبت البطلة الفتاة السيناوية من "عزرا وايزمان"، الحاكم العسكري الإسرائيلي لسيناء، السماح لها بالتوجه إلى القاهرة؛ لتقديم واجب العزاء في الرئيس، وبالفعل تم السماح لها، وكانت الفتاة الوحيدة في الوفد الذي ضم 99 رجلا من أبناء العريش.

سافرت "وداد" مع الرجال إلى القاهرة عن طريق العاصمة الأردنية، وعندما وصلوا إلى القاهرة قابلهم المشير أحمد إسماعيل علي والرئيس السادات.

خلال تواجد "وداد حجاب" في القاهرة توصلت إلى مؤسسي منظمة سيناء العربية، وانضمت إلى المنظمة، وبدأت في توزيع المنشورات التي ترفض الاحتلال الإسرائيلي، تمكنت قوات الاحتلال من القبض على البطلة "وداد حجاب" وأسرتها، وتعرضت مع شقيقها ووالدها للتعذيب، ولكنهم صمدوا.

وبعد الإفراج عنها لم تلن عزيمتها، بل واصلت مقاومة المحتل، وتوزيع المنشورات، وكانت تتنقل بين سيناء والإسماعيلية والقاهرة، حتى جعلت سيناء كتابا مفتوحا أمام المخابرات المصرية.

في معارك النصر أكتوبر 1973، أسهمت في الأخذ بثأر الشهداء، حيث تمكن البطل "صبري عطية" ورفاقه من قتل الطيار الإسرائيلي الذي ضرب مدرسة بحر البقر، ونجحوا في تدمير طائرته، كما استطاعوا أسر الضابطة الإسرائيلية "آمي حاييم"، التي اعترفت بمشاركتها في قصف المدرسة، وكشفت أن القيادة الإسرائيلية كانت تعلم أن هذه مدرسة للأطفال.

واضطرت بعد انطلاق معارك تحرير سيناء، لترك منزلها بوسط العريش، حيث حاصرت النيران مدن سيناء والطرق المؤدية للعريش، وقصدت المستشفى العام بالعريش، وذلك بمساعدة معلمتها "خديجة عودة".

في المستشفى عاشت وداد أسابيع طويلة؛ لأن جنود الاحتلال فرضوا حظر التجوال، وبعد فترة سمحت القوات الإسرائيلية للفتيات المتطوعات بالخروج بملابس التمريض البيضاء لزيارة أسرهن، وبعد النصر العظيم تلقت البطلة "وداد حجاب" تكريم القيادات والجهات الرسمية والشعبية.

وعن رأيها في تجسيد الفن لمعارك الاستنزاف وأكتوبر قالت البطلة "وداد حجاب": في فيلم "العمر لحظة" الذي أنتج عام 1978 بطولة "ماجدة" و"أحمد زكي"، نجحت أغنية "أنا بحبك يا بلادي" كلمات فؤاد حداد وألحان بليغ حمدي وأداء كورال من الأطفال، في تجسيد مذبحة مدرسة بحر البقر التي ارتكبتها إسرائيل، أما الأفلام التي تحدثت عن العبور والنصر فهي: بدور عام 1974 و"الوفاء العظيم" عام 1974 و"العمر لحظة" 1978، و"الرصاصة لا تزال في جيبى" 1974، و"أبناء الصمت" 1974، و"حتى آخر العمر" 1975.. وهذا أقل مما تستحقه بطولات أبناء مصر.

نحن في أمس الاحتياج إلى مشروع قومي لإلقاء الضوء على البطولات الخارقة، والعمليات الأسطورية التي قام بها رجال ونساء لا يكاد أحد يعرف عنهم / عنهن، شيئًا، بل ربما لم تسمع بهم / بهن، الأجيال الجديدة!
Advertisements
الجريدة الرسمية