رئيس التحرير
عصام كامل

"إنها حقا موسوعة فنية".. بهيجة حافظ ساعدتها أسرتها على الموسيقى وحاربتها في التمثيل

فيتو

المرأة المصرية صاحبة بصمة وعلامة فارقة في شتى ألوان العلوم وكذلك الفنون، فبعد عزيزة أمير أول مخرجة مصرية على الإطلاق وأول سيدة تمارس فن الإخراج السينمائي في العالم كانت بهيجة حافظ أول من يؤلف الموسيقى التصويرية لأفلام السينما المصرية، ومن بعدها تخوض مجال التمثيل والإنتاج السينمائي.


وبهيجة إسماعيل محمد حافظ والتي عُرفت فنيًا فيما بعد بـ «بهيجة حافظ»، حيث ولدت في 4 أغسطس عام 1908 بالإسكندرية وتعلمت هناك، ودرست الموسيقى في باريس وترجع أصولها لعائلة أرستقراطية، حيث والدها إسماعيل باشا حافظ الذي كان ناظرا للخاصة السلطانية في عهد السلطان حسين كامل وكان إسماعيل صدقي رئيس وزراء مصر في عهد الملك فؤاد الأول من أقربائها.


ولم تحول أصول بهيجة العريقة دون دخول شغف الفن لقلبها، فقد سبق وعرف طريقه لوالدها إسماعيل باشا حافظ، الذي كان هاويًا للموسيقى، وقد مارس تأليف الأغاني وتلحينها، وكان يعزف على العود، والقانون، والرق، والبيانو، ووالدتها أيضًا كانت تعزف على الكمان والفيولنسيل، بينما أخوتها يعزفون على الآلات المختلفة، أما بهيجة فكانت تعزف على البيانو.

في الرابعة من عمرها بدأت الفنانة الراحلة بهيجة حافظ، مشوارها الموسيقي، من خلال العزف على البيانو وألقت أول مقطوعة موسيقية وهي في عامها التاسع، ومن شدة إعجاب والده بتلك المقطوعة أطلق عليها اسم «بهيجة»، بعد ذلك ألّفت مقطوعتين، الأولى «من وحي الشرق» والثانية «معلهشي».

ويرجع الفضل في حبها واحترافها للموسيقى للمايسترو الإيطالي «جيوفاني بورجيزي»، والذي كان يقود الفرقة الموسيقية بالإسكندرية، فقد كان دائم التردد على قصرهم في حي محرم بك بحكم صداقته لوالدها، لذلك درست قواعد الموسيقى الغربية على يديه.

«الفن بيجيب فن».. هذا ما حدث بالفعل مع الفنانة الراحلة بهيجة حافظ، فبعدما نهلت من أنهار الموسيقى الشرقي منها والغربي، جاءتها فرصة اقتحام مجال التمثيل بالمصادفة البحتة دون أن تسعى وراءها.

فبعد أن نالت الشهرة في عالم الموسيقى، كأول سيدة مصرية تقتحم هذا المجال، نُشرت صورتها في مجلة «المستقبل» التي كان يصدرها «إسماعيل وهبي» (المحامي) شقيق الفنان الراحل «يوسف بك وهبي»، ونُشرت صورتها على غلاف المجلة، بـ«البرقع والطرحة»، تحت عنوان «أول مؤلفة موسيقية مصرية»، وفي تلك الأثناء كان المخرج محمد كريم، يبحث عن بطلة لفيلمه الأول (زينب) عام 1926 كأول فيلم صامت، بعد أن رفض «يوسف وهبي» قيام الفنانة الراحلة «أمينة رزق» بالبطولة.


ولفتت انتباهه فتاة الغلاف، وعرض عليها بطولة الفيلم، الأمر الذي لاقى قبولا لدى الفتاة الشغوفة بكافة أنواع الفنون، وقررت خوض تجربة التمثيل، ولكن المرافقة أن العائلة الموسيقية والفنية والتي كانت داعما لبهيجة في مجال الموسيقى، رفضت قطعيًا خوضها لمجال التمثيل، حتى أن شقيقة بهيجة حافظ وقفت في سرادق تتلقى العزاء فيها.

رفض العائلة لم يمنع بهيجة حافظ من استكمال المسيرة الفنية في عالم السينما، فقامت بوضع الموسيقى التصويرية للفيلم، والتي تتكون من 12 مقطوعة موسيقية، وقد قامت بدور زينب أمام «سراج منير، زكي رستم، دولت أبيض، علوية جميل، وعبد القادر المسيري».

لم يقتصر المجد الفني لدى بهيجة حافظ على مجالي الموسيقى والتمثيل فقط، بل ظهرت لها موهبة فنية أخرى من خلال فيلم «ليلى بنت الصحراء»، فظهرت براعتها في تصميم الأزياء والإخراج، الذي اتجهت إليه بعد اختلافها مع المخرج «ماريو فولبى»، فأخرجت فيلم «ليلى بنت الصحراء» الذي يمثل حدثًا تاريخيًا في الأوساط السينمائية في ذلك الوقت لما تضمنه من ديكورات ضخمة وأزياء شدت المتفرج وخاصة ملابس البطلة، فضلًا عن الموضوع الذي كان جديدًا على السينما المصرية، وكان أول فيلم مصرى يستخدم اللغة العربية الفصحى بسهولة وسلاسة.

وشارك في بطولة فيلم «ليلى بنت الصحراء» كل من «حسين رياض، زكي رستم، عبد المجيد شكرى، وراقية إبراهيم»، ورشح هذا الفيلم للعرض في مهرجان البندقية عام 1938 ولكنه منع في آخر لحظة لصدور قرار بمنع عرضه داخليًا وخارجيًا بعد اعتراض من الحكومة الإيرانية، ورغم مكانة هذا الفيلم في تاريخ السينما المصرية إلا أنه كان السبب في إفلاس شركة «فنار فيلم» لصاحبتها بهيجة حافظ واضطرت بعده للتوقف عن الإنتاج قرابة الـ10 سنوات لما تكبدته من خسائر.

« بهيجة حافظ ».. صاحبة أول أسطوانة موسيقية في مصر عام 1926

ورغم ما حققته بهيجة حافظ من مجد فني منقطع النظير في شتى ألوان الفنون، إلا أن حياتها انتهت ذابلة، ففي أواخر أيامها لم يطرق بابها إلا القليل من معارفها، حتى اكتشف الجيران وفاتها بعد يومين من حدوث الوفاة في 13 ديسمبر عام 1983.

وحضرت شقيقتها وابن شقيقها من الإسكندرية وقد شُيعت لمثواها الأخير دون أن يمشي في جنازتها أحدًا من الفنانين، ودفنت في مدافن الأسرة في القاهرة، ولم يتم كتابة النعي في الصحف أو حتى إقامة العزاء ليلًا.
الجريدة الرسمية