رئيس التحرير
عصام كامل

عودة صاحب "شرفة ليلى مراد"!


خبرٌ شاردٌ تغافلَ عنه الكثيرون، نشرته بعضُ الصحفِ الورقيةِ والمواقع الإلكترونية على استحياءٍ، مطلعَ الأسبوع الجارى. يقولُ الخبرُ: إنَّ "مُنتدى الشعر المصرى" أطلقَ جائزة باسم الشاعر المغدور "حلمى سالم"، في الإبداع الشعرى، تزامنًا مع ذكرى وفاته السابعة، وذلك بمقر حزب: "التجمع الوحدوى". وفى بعض تفاصيل الخبر جاءَ أنَّ وزير الثقافةِ الأسبقَ الدكتور "شاكر عبد الحميد"، هو من تقدمَ بهذا الاقتراح الذي صادفَ ترحيبًا من رفقاء الشاعر وندمائه وأشباهه وشبيهاته.


دعْكَ من أنَّ الحزبَ المذكورَ صارَ نَسيًْا منسيًا، لا أثرَ له ولا تأثيرَ في الحياة السياسية، ولو سألتْ خمسة أشخاص عنه، فإنَّ ستة منهم سوف يعترفونَ دونَ خجل، بأنهم لا يعرفون عنه شيئًا!! ودعْكَ أيضًا من أنَّ الوزيرَ المذكورَ، الذي جاءَ إلى الوزارة ورحلَ في غفلة من الزمن، لم يتركْ بصمة يذكرُه بها أحدٌ. ودعْكَ أيضًا من القيمة المادية الزهيدة والبائسة، التي سوف يتحملُها الوزيرُ سالفُ الذكر تبرعًا للجائزة، ولكن إلى متى سوف تظلُّ هناك أوكارٌ تحتفى بالعابثين بالأديان، والمُتطاولين على المقدسات، والمُتجاوزين لجميع الخطوط الحمراء، بدعوى الإبداع، أحياءً وأمواتًا؟!

ولمن يعانونَ آفةِ النسيان، أذكِّرُهم بأنَّ الشاعرَ المغدورَ "حلمى سالم"، الذي يُوصفُ بأنَّهُ أحدُ رواد جيل السبعينيات الشعري، ممن حمل على عاتقه مع آخرين، مهمة تحديث قصيدة التفعيلة، هو مؤلفُ قصيدة " شرفة ليلى مراد" التي أثارتْ جدلًا عنيفًا، قبلَ سنواتٍ قليلةٍ؛ بسببِ ما انطوتْ عليهِ من إساءاتٍ بالغةٍ ومباشرة وصريحةٍ، إلى "الذاتِ الإلهيةِ"، بإقرارٍ من: الأزهر الشريف والقضاءِ المصرىِّ.

وعلى خلفيةِ نشر هذهِ القصيدةِ الملعونةِ، كما تمَّ تسميتُها لاحقًا، فإنَّ محكمة "القضاء الإدارى" أصدرتْ حُكمًا بإلغاءِ ترخيص مَجلة "إبداع" التي نشرتْ القصيدة، والتي كان يرأسُ تحريرَها الشاعرُ "أحمد عبد المعطى حجازى"، جاءَ فيه: إنَّ المَجلة الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب، نشرتْ قصيدة بعنوان «شرفة ليلى مراد» للشاعر "حلمى سالم"، تتضمَّنُ إساءة إلى "الذاتِ الإلهيةِ".

المحكمة شددتْ، كما جاءَ في حيثياتِ قرارها، على "أنَّ القصيدة وردتْ بها ألفاظٌ تُسيءُ إلى ربِّ العالمين، وأنَّ هذا الفعلَ يُباعدُ بينها وبينَ رسالةِ الصحافة، ومنْ غير المعقول أنْ يكونَ هذا العملُ قد نُشرَ عبثًًا دونَ أنْ يمرَّ على القائم على هذه المجلة، الأمرُ الذي يؤكد أنَّ بعضَهم لديه القناعة والاستعدادُ لنشر مثل هذه الإسفافات المُتطاولةِ على ربِّ العالمين"، مِنوهة إلى أنه "إذا كانتْ الصحافة حُرَّة في أداء رسالتها إلا أنَّ هذه الحُرَّية يجبُ أنْ تكونَ مسئولة، وألا تمَسَّ بالمقوِّماتِ الأساسيةِ للمجتمع المصرى والأسرة والدين والأخلاق".

الأزهرُ الشريفُ دخلَ على خط الأزمة يومئذٍ، وأرسلَ تقريرًا إلى المحكمة، اتّهمَ فيه الشاعرَ المغدورَ بـ"الكفر"، مُعتبرًا أنَّ "القصيدة تتضمَّنُ مساسًا واضحًا وصريحًا بالذات الإلهية". كما تداخلتْ أطرافٌ أخرى في القضية، وحرَّكتْ دعاوى قضائية، طالبتْ منْ خلالها بسحبِ جائزة التفوُّق التي حصلَ عليها الشاعرُ المقبورُ في العام 2006 واسترداد قيمتها المادية وكانت 50 ألف جنيه. ووقَّعَ أكثرُ من مائةٍ شخصيةٍ مصريةٍ، على بيانٍ، يطالبُ باستتابته؛ إذ اعتبرته خارجًا عن "ملة الإسلام"؛ لقوله في هذه القصيدة: "الطائرُ الربُّ ليس عسكريَ مرور، إنْ هو إلا طائرٌ، وعلى كل واحدٍ منا تجهيزُ العُنق، لماذا تعتبين عليه رفرفته فوق الرءوس؟ هل تريدين منه أن يمشي بعصاهُ في شارع زكريا أحمد يُنظمُ السيرَ ويُعذبُ المرسيدس"!!

هذا غيضٌ من فيض عن "حلمى سالم"، وما خفىَ كانَ أعظمَ، والأمرُ لا يعكسُ تكريمًا لشخصِه فقط، ولكنه تكريمٌ لكلِّ من يرى في البذاءة عبقرية، وفى التطاول قوة، وفى كسْر الثوابت الدينية إنجازًا، وفى مُناطحة السماء إعجازًا. هذا الأمرُ صارَ ظاهرة تتجلَّى أصداؤها في الأسماءِ التي يمنحُها المجلسُ الأعلى للثقافة، الموصوفُ بـ "قلعة العلمانيين والملاحدة" جوائزه السنوية المنسوبة للدولة المصرية.

وعندما يكونُ اقتراحُ تكريم صاحب القصيدة الملعونة وتخليدِ ذكراهُ من بنات أفكار أحد وزراء الثقافة السابقين، فهذا يعكسُ بجلاءٍ، أسبابَ تردى أداء هذه الوزارة المهمة، على نحوٍ غيرِ مسبوقٍ، خلالَ السنواتِ الأخيرةِ، وكيفَ أنَّ الجاثمينَ على صدر الثقافة المصرية منْ أكابر العلمانيين المتطرفين. و"العلمانىُّ المتطرفُ" لا يقلُّ قُبحًا وسوءًا عن "الدينىِّ المتطرفِ"، فكلاهما وجهانِ لعُملةٍ واحدةٍ، في زمنٍ تسودُهُ الرداءةُ، ويسكنُه القبحُ.

وعمَّا قريب.. قد يتمُّ إطلاقُ جوائزَ أخرى باسم: "نصر أبو زيد" أو "سعيد العشماوى" أو "أدونيس"، أو "نوال السعداوى"، وربما "سيد القمنى"، وقد يتطورُ الأمرُ لاحقًا، فيتمُّ تدشينُ جائزةٍ أرفعَ باسم "الشيطان الأعظم".. وللهِ في خلقهِ شؤونٌ، وصدقَ الله ُالعظيمُ حينَ قالَ: "وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ. إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ".
الجريدة الرسمية