رئيس التحرير
عصام كامل

مهندس حرب أكتوبر.. أحمد حمدي


قال عنه المشير "محمد عبد الغنى الجمسي" في مذكراته، رئيس هيئة العمليات بحرب أكتوبر 1973: "تكبد رجال المهندسين نسبة عالية من الخسائر أثناء فتح الممرات في الساتر الترابى وإنشاء الكباري، إلا أنهم ضربوا المثل في الإصرار على تنفيذ المهام والتضحية بالنفس.. واستُشهد منهم أحد قادة المهندسين البارزين هو العميد "أحمد حمدي"..


لقد أحزننى خبر استشهاده، لأنى عرفته عن قرب أثناء معارك القناة بعد حرب يونيو 67 عندما كنت أعمل رئيسًا لأركان جبهة القناة، وكان الشهيد "أحمد حمدى" يعمل في الفرع الهندسى بالجبهة. كان هادئا في طباعه، وعلى درجة عالية من الكفاءة في عمله الهندسى، ولديه الإصرار التام على إنجاز مهامه مهما احتاج ذلك من جهد أو وقت..

لا أتذكر، أثناء الخدمة معًا، أنى رأيته في مقر قيادة الجبهة إلا نادرًا، فقد كنت أراه دائمًا عائدًا في الساعات المتأخرة من الليل من الخطوط الأمامية بعد أن يكون قد أشرف على تنفيذ عمل هندسي تقوم به القوات أو الوحدات الهندسية".

هو أحد أبطال وحدات الكباري بسلاح المهندسين وقائدها في حرب أكتوبر 1973، ونائب مدير السلاح، أنشأ المعابر التي عبر عليها الجيش المصري من الغرب إلى الشرق، وهو صاحب فكرة أبراج المراقبة بين الأشجار ونفذها بنفسه.. كان موسوعة علمية وعسكرية.

وُلِد البطل أحمد حمدي في 20 مايو 1929 بالمنصورة، وتخرج في كلية الهندسة بجامعة القاهرة عام 1951 قسم الميكانيكا، والتحق بالقوات الجوية في 18 أغسطس 1951، ثم نقل إلى سلاح المهندسين عام 1954، وحصل على دبلوم الدراسات الميكانيكية من جامعة القاهرة عام 1957، ثم حصل على دورة القادة والأركان من أكاديمية فرونز العسكرية بالاتحاد السوفيتي بتقدير امتياز عام 1961، ثم دورة الأركان الكاملة بدرجة الامتياز والدورة الإستراتيجية التعبوية بأكاديمية ناصر العسكرية بدرجة امتياز، وتدرج في الرتب العسكرية حتى وصل إلى رتبة "لواء".

شارك في حروب 1956 والاستنزاف وأكتوبر، وشهد له جميع زملائه وقادته بنبوغه وعبقريته، حيث كان موسوعة علمية هندسية عسكرية في الميكانيكا والمعمار والتكتيك، وكافة العلوم العسكرية، وتميز بعقلية صافية وذهن حاضر.

وخلال حرب يونيو 1967 أسهم بجهد كبير في التخطيط والتجهيز الهندسي لسيناء، حيث كان وقتها نائبًا لرئيس الفرع الهندسي بالمنطقة الشرقية، وبعد صدور الأمر بالانسحاب في 6 يونيو، قام بنسف المستودع الرئيسي للقوات المسلحة بسيناء الذي كان يضم كمية كبيرة من الذخيرة والوقود والأسلحة والمهمات والطعام، ونسف خط أنابيب المياه الممتد من الإسماعيلية إلى عمق سيناء؛ كي لا يستفيد منه العدو، كما تمكن من سحب بعض المهمات من أحد المستودعات بالشاطئ الشرقي للقناة ونقلها غرب القناة، وأعاد تنظيم وتجهيز الدفاعات، فهو صاحب فكرة نقط المراقبة على الأبراج الحديدية العالية على الشاطئ الغربي للقناة بين الأشجار حيث نفذ معظمها بيده، واختار مواقعها بنفسه.

وفي عام 1971، كُلِّفَ بإعداد لواء كبارٍ جديد كامل وتشكيل وحداته، وتدريبها لتأمين عبور الجيش الثالث الميداني، واستكمال معدات وبراطيم العبور، وتجهيز مناطق تمركزها على طول القناة، وكان له فضل كبير في تحويل ساحات ومنازل إسقاط مهمات العبور التي يستغرق إنشاؤها يومًا كاملًا إلى كباري اقتحام لا يستغرق بناؤها أكثر من بضع ساعات.

خلال ساعتين من انطلاق الشرارة الأولى للحرب، عبر 15 ألفًا من قوات المهندسين العسكريين إلى القناة، وأخذت تعمل فوق الساتر الترابي، وفي الموجة الثانية عبرت 80 وحدة هندسية في قواربها الخشبية المحملة بالأفراد والطلمبات والخراطيم وغيرها من المهمات لفتح ممرات في الساتر الترابي، فكان البطل على رأس رجاله في الخطوط الأمامية، فأمضى ليلة 6 أكتوبر بلا مياه وطعام وبلا راحة، ويتنقل من معبر لآخر ليطمئن على تشغيل معظم المعابر والكباري التي استغرق إنشاؤها وتجهيزها من 6 إلى 9 ساعات كما كان يخطط لها.

وفي اللحظة الأولى بدأت أرتال وحدات العبور تتقدم على الطرق المحددة، وفي التوقيت المخطط لها بالرغم من محاولات العدو لمنع الإنشاءات وتشغيل الكباري والمعديات بالقصف المستمر أرضًا وجوًّا لمناطق تمركز الوحدات وطرق تحركاتها، إلا أن المخطط نجح تحت قيادة البطل أحمد حمدي.

أما في قطاع الجيش الثالث فقد واجهت عملية فتح الممرات بالساتر الترابي وإنشاء الكباري جميع العوامل المعوقة من قصف مركز من طائرات ومدفعية العدو، إضافة إلى صلابة الستر الترابي؛ مما أدى إلى إنشاء الكباري خلال 16 ساعة، بفارق 7 ساعات فقط عن المخطط له، كما أشرف البطل على إنشاء عشرة كبارٍ ثقيلة وعشرة أخرى للمشاة، وعدد كبير من المعديات، مما أتاح لمعداتنا وأسلحتنا الثقيلة أن تعبر القناة في الوقت المناسب، رغم أن معظم الكباري أصيبت، وأُعيد إصلاحها أكثر من خمس مرات.

يشهد الرجال الذين عملوا تحت قيادته بأنه كان دائمًا بينهم، ليشرف على كل صغيرة بكباري العبور، وأسهم بجهده في إعادة إصلاح الكباري التي تحطم بعض أجزائها منذ الساعة صفر يوم 10 رمضان، وبقي طوال ثمانية أيام حول الكباري لم يفارقها، وفي يوم 14 أكتوبر، 18 رمضان، قام رجاله بإعادة إنشاء كوبري سبق فكَّه، وذلك تقديرًا منه لمدى أهمية عمليات الإنشاء، فعندما ظهرت مجموعة براطيم غارقة بفعل تيار المياه قفز البطل إلى ناقلة برمائية من ناقلات السلاح قادها بنفسه، وأمسك بها وسحبها بعيدًا عن منطقة العمل، ثم عاود مباشرة استكمال الكوبري بجوار جنوده، دون أن يبتعد عن منطقة العمل والخطر، فأصابته شظية، واستُشهد بجانب الكباري فداء لمصر.

تم تكريم الشهيد، وأطلق اسمه على أول دفعة تخرجت من الكلية الحربية بعد أكتوبر 1973 يوم 2 يناير 1974، وأهدى القائد الأعلى للقوات المسلحة سيف الشرف العسكري لأسرة الشهيد، ومنح سيرته العسكرية نجمة سيناء من الطبقة الأولى تقديرًا لبطولاته وعظمة تضحياته، كما أُطلق اسمه على أول نفق يربط سيناء والسويس، وعلى مدرسة بمسقط رأسه بالمنصورة، وعلى أحد شوارع العاشر من رمضان، وأحد شوارع السويس، واعتبرت نقابة المهندسين يوم استشهاده يومًا للمهندسين.
الجريدة الرسمية