رئيس التحرير
عصام كامل

د. مصطفى محمود يكتب: جاء عصر القرود

 الدكتور مصطفى محمود
الدكتور مصطفى محمود

في مجلة صباح الخير عام 1977 كتب المفكر الدكتور مصطفى محمود مقالا، قال فيه: الطبيعة البكر فقدت بكارتها، والغابة العذراء فقدت عذريتها، والأنهار تلوثت بالمخلفات الكيماوية، والبحار تلوثت بالمخلفات الذرية والهواء تلوث بالدخان وعادم السيارات، وأطنان الغبار السام الذي تنفثه المصانع.

ازدحمت المدن بالناس واختنقت الشوارع بالمارة وضاقت العمارات بسكانها، واصبح التنفس ثقيلا مرهقا وكأن الإنسان ينتزع الهواء انتزاعا من عالم بلا هواء.ولم نعد نعرف تلك النسمات المنعشة الطليقة التي عرفها أجدادنا في أيام العصور الزراعية.

لقد جاء التقدم واستحدث معه صناعات أفسدت البيئة، ثم تقدمنا أكثر وفجرنا الذرة ولوثنا الماء والهواء والبحار والتربة بالغبار الذرى
وأقدمنا أكثر بما اكتشفنا من وسائل لابادة الحشرات الضارة، وفرحنا لأننا سوف نستأثر بثمرات الأرض دون أن تنافسنا فيها الديدان فكانت نتيجة ذلك الرش المستمر بالمبيدات إلى أن ماتت الحشرات الضارة وماتت معها الحشرات النافعة ومات النحل وخرج العسل ملوثا ومرضت البهائم التي تتغذى على المزروعات كما مرضت الأسماك في الماء والطيور في الجو ومرض الإنسان بما اكل من لحم هذه الطيور والحيوانات.
وظهر الدى تى تى في لبن الأم المرضع، وتوزع الموت على الكل بعد أن أصبح كل شيء ملوثا.
أصبح إنسان اليوم إنسانا شاحبا لاهث الأنفاس يشكو الكبد والربو ويخطو إلى الشيخوخة وهو ما زال في الأربعين.
حرص الإنسان على هدم ما تبقى من صحته فأصبح لا يفارق السيجار يرضع منه السم، وانتهت الموسيقى الرومانتيكية الحالمة وظهرت أنواع جديدة من الموسيقى الصاخبة والطبول المجنونة وظهر الجيتار الكهربائى والبيانو الاليكترونى واختفى الناى الرقيق الخجول واختفى العود الذي كان يداعب ويوشوش.
تلوث كل شيء حتى الفضاء بالأقمار الصناعية والسفن الفضائية وكواكب التلصص وصواريخ الرصد والتصوير فانقلب الطقس وظهرت الأعاصير والمطر والجفاف في غير موعدها.
ثم جاء أخطر أنواع التلوث في هذا العصر هو التلوث الخلقي بما استحدث الإنسان من وسائل إعلامية تدخل على الإنسان غرفة نومه وتزاحم العائلة على مائدة العشاء مثل الراديو والتليفزيون الترانزستور حجم الكف الذي يأخذه النائم في حضنه
من خلال هذه الوسائل أصبح في إمكاننا أن نقدم للناس ما نريد وأن ندعو إلى الشهوات عيانا بيانا بما تغنيه على أسماعهم ليل نهار فينتهى الحياء، وبانتهاء الحياء تبدأ دولة القرود.
فنحن الآن قادمون على عصر القرود برغم أن الإنسان مشى على القمر لكنه فقد التحكم في نفسه وفى شهواته وأصبح أقل رحمة وأقل مودة وأقل شهامة ومروءة.
الجريدة الرسمية