رئيس التحرير
عصام كامل

ثورة يوليو.. و"عبد الناصر" روح الأمة


لم يكن "جمال عبد الناصر" مجرد رئيس حكم مصر فترة من الزمن، لكن في الحقيقة كان علامة فارقة في تاريخ مصر من مرحلة مجتمع النصف في المئة إلى مرحلة المجتمع الشمولي، الذي يتمتع فيه كل فرد من أفراده بالتعليم والعمل والمساواة مع غيره في الحقوق والواجبات..


فكان قائد ثورة 23 يوليو 1952، التي تمر بنا ذكراها السابعة والستون، السد المنيع بين مجتمع الأثرياء والعبيد ومجتمع الحرية والمساواة، ولعب دورا بارزا في تاريخ مصر والمنطقة بأسرها، الزعيم الذي كانت من معالم عصره تأميم قناة السويس وتشييد السد العالي في أسوان، وتطوير الصناعة المصرية والإصلاحات الاجتماعية والصحية، والثقافية والتعليمية..

علاوة على جهوده الهائلة المبذولة على صعيد تحقيق الوحدة العربية، خلده التاريخ، وظهرت سيرته العطرة وبطولاته من خلال أصدقائه ومخالطيه، الذين تحدثوا عنه بصدق بعد وفاته، فنجد أن الرئيس الراحل البطل قائد الحرب والسلام، محمد أنور السادات، قال في مذكراته: "لقد تساءل البعض في حيرة، كيف قضيت هذه الفترة الطويلة مع "عبد الناصر" دون أن يقع بيننا ما وقع بينه وبين بقية زملائه، ومثلما تساءل صحفي في لندن، قائلًا: إما أنني كنت لا أساوي شيئا على الإطلاق، وإما أنني كنت خبيثًا غاية الخبث بحيث تحاشيت الصراع معه، وبقيت أنا الرجل الوحيد من رجال الثورة الذي لم يمسسه سوء، بل على العكس عندما توفي عبد الناصر إلى رحمة الله كنت أنا نائب رئيس الجمهورية الوحيد".

وقال "حسين الشافعي"، أحد الضباط الأحرار، في حوار قديم له في ذكرى الثورة: "أقول ما قلته عنه في أسيوط عام 1972، عندما استدعيت هناك للتحدث إلى المتظاهرين المطالبين بالحرب ضد إسرائيل، قلت: من حق الرجل ونحن في البلد التي أنبتته أن نذكر ما أنجزه خلال 15 سنة، وما أنجزه لا يقع تحت حصر ولن يذكر له التاريخ في كل ما أنجز سوى أنه بثورة يوليو استطاع أن يحرك واقع المنطقة العربية..

إلا أنه مات سنة 1967، ولكنه تشبث بالحياة ليستر انسحابه من الحياة في سنة 1970، وفي هذه المرحلة خاض أمجد معاركه، عندما أعاد بناء القوات المسلحة وأقام قاعدة الصواريخ، وعندما شعر بالأمان مات مطمئنا، فتحية لنضاله والفاتحة له".

فيما روى الدكتور "الصاوي حبيب"، طبيب الزعيم الراحل "جمال عبد الناصر" في مذكراته، عن تفاصيل الساعات الأخيرة لحياة "عبد الناصر": "في الساعة الرابعة والنصف بعد ظهر يوم 28 سبتمبر، وصلتني رسالة تليفونية من سكرتيره الخاص المرافق له، بأن الرئيس يطلب مني التوجه إلى منزله في منشية البكري لمقابلته، وتوجهت على الفور، وكان الرئيس مستلقيا على السرير ورأسه مرتفعا كثيرا، وقال لي: إنه شعر بتعب في أثناء توديعه أمير الكويت في المطار.

وأضاف: "قمت بعمل رسم القلب، وبدأت في العلاج وحضر دكتور "منصور فايز" والدكتور "زكي الرملي"، وأكدا خطورة الحالة نتيجة وجود انسداد جديد في الشريان التاجي، حيث كان حدوث الجلطة الأولى في الشريان التاجي يوم 11 سبتمبر 1969، وطلبت منه ألا يتحرك وأن يستريح، ليرد: "أنا استريحت يا صاوي"، وفوجئت برأسه يميل إلى الجانب فجأة وفي الحال تحسست النبض وفوجئت بتوقفه".

وقال عنه "شارل ديجول"، رئيس جمهورية فرنسا: "إن الرئيس "جمال عبد الناصر" قدم لبلاده وللعالم العربي بأسره خدمات لا نظير لها بذكائه الثاقب وقوة إرادته وشجاعته الفريدة، ذلك أنه عبر مرحلة من التاريخ أقسى وأخطر من أي مرحلة أخرى. لم يتوقف عن النضال في سبيل استقلال وشرف وعظمة وطنه والعالم العربي بأسره".

وتحدث الشيخ صباح السالم الصباح، أمير دولة الكويت الراحل، قائلا: "إن وفاة "جمال عبد الناصر" صدمة مفاجئة وخسارة لا يمكن أن تعوض، لقد كان لا يهدأ أبدا. وكان كل أمله أن يرى حياة شعبه قد تحسنت، ويرى الوحدة العربية وقد تحققت. إن "جمال عبد الناصر" واحد من البناة الذين سعوا إلى تحقيق وحدة أفريقيا، وقد كانت حياته القصيرة حياة غنية ولم يكن أحد سواه يستطيع القيام بما قام به لما كان له من نفوذ عظيم في كل الدول العربية".

ورثاه "تيتو"، رئيس يوغوسلافيا قديما قائلا: "إن وفاة "عبد الناصر" كارثة عظيمة حلت بالوطن العربي، لقد كان من أبرز زعماء الأمة العربية ومن أشرف زعمائها الخالدين".

وعنه قال "فيدل كاسترو"، قائد الثورة الكوبية: "إن وفاة "عبد الناصر" خسارة فادحة للعالم وللحركة الثورية العربية في وقت تحاك فيه من حولها مؤامرات الإمبريالية، لقد مات ثوري فذ من قادة القرن العشرين".

وقال "نيلسون مانديلا"، من كلمة ألقاها عند تكريمه في جامعة القاهرة عام 1995: "كان لدي موعد تأخر ربع قرن مع رجل رفعت رأسي من بعيد كي أراه، ثم حالت ظروف قاهرة بينه وبيني لألقاه، وحين جئت إلى مصر فقد كان من سوء حظي أن "جمال عبد الناصر" لم يعد هناك سأزور في مصر ثلاثة أماكن الأهرامات والنيل العظيم وضريح الرئيس "جمال عبد الناصر"".

وتحدث عميد الأدب العربي الدكتور "طه حسين" عنه فقال: "أبدا لم تلهث الكلمة وتترنح في مواجهة موقف ما مثلما حدث لها حينما صك أسماعها نبأ وفاة "جمال عبد الناصر"! أبدا لم يواجه الأديب والمفكر والفنان تجربة قاسية تمرد فيها عليه خياله وتفكيره وفنه.. مثلما حدث له وهو يقف وجها لوجه أمام الخبر المذهل: اختفاء "جمال عبد الناصر" من مسرح الحياة!

لقد فاجأنا خبر وفاة "عبد الناصر" فنغص حياتنا تنغيصا لا نعرف له مثيلا. لقد كنا نرجو، بل كنا نثق، بأن الرئيس "جمال عبد الناصر" سيُمد له في الأجل لتحقيق أهداف الوطن، وهي مهمة لم تتح لأحد من قبل، فهو حاول، موفقا إلى أبعد الحدود، إلغاء الطبقات والأخذ بيد الضعفاء والفقراء، والمساواة الكاملة بين المواطنين، وحاول شيئا ما أظن أنه حوول من قبله، وهو أن يلائم بين الاشتراكية والديانات السماوية، فأدخل في بلادنا اشتراكية لا تمس الإسلام ولا تمس المسيحية، ولا غيرهما من الأديان بأذى ولو من بعيد.

وأشهد أنني عرفت الرئيس "جمال عبد الناصر" منذ أوائل الثورة، واتصلت بينه وبيني مودة كانت في غاية الإخاء وفي غاية المتانة. لقد كان صديقا صدوقا، وأخا حميما، وكان بارا عطوفا على كل المواطنين".

وقالت عنه كوكب الشرق "أم كلثوم": "لقد أعطى مصر والعرب أسمى مبادئ، سوف يذكرها له تاريخ الخلود، من أجل الشعب وعزته وكرامته واشتراكيته. لم يأبه للمخاطر ولا حفل بالمخاوف. إنه البطل الذي كان ويكون وسيكون، وإن تعاليمه يجب أن تكون هدى لمستقبلنا من أجل عزة مصر وشعبها".
الجريدة الرسمية