رئيس التحرير
عصام كامل

تاريخ السينما في مصر.. بلا فيلم (3)


تجاهل المخرج "أحمد كامل مرسي" جوانب كثيرة، في الإشارة إلى دور العرض وتطورها ونسبة الزيادة فيها في تلك الفترة، لم يشر إلى معهد السيناريو الذي أمد السينما المصرية بعدد كبير من كتاب السيناريو الجدد الذي لمعوا في تلك الفترة، ولم يشر من بعيد أو من قريب إلى مسابقات وجوائز السينما، ولم يبرز الدور الذي لعبه القطاع العام، ولم يذكر عدد شركات السينما قبل وبعد الحرب العالمية الثانية، مع أن هذه حقيقة مهمة لأنها تمثل بداية الانحدار في السينما المصرية.


بذل "كامل مرسي" في هذا الفيلم الضخم مجهود يستحق كل تقدير، يكفى أنها أول وأخر محاولة لتجميع أكبر قدر من التفاصيل والصور والمشاهد والأرقام والأسماء المتعلقة بفن السينما المصرية، هذا الفن الذي كان "أحمد كامل مرسي" واحدًا من أبرز الذين خدموه بإخلاص وحب.

واليوم وبعد 52 عاما منذ قدم شيخ المخرجين فيلم تاريخ السينما في مصر وبعد 49 عاما على عرضه في عرض خاص، لم يعرض الفيلم جماهيريا، ولم يفكر أحد في تقديم فيلم جديد عن تاريخ السينما في مصر، والتي قدمت منذ 1967 ما يقرب من ثلاثة آلاف فيلم روائي طويل..

وهي حالة غريبة خاصة وأن الدولة المصرية شاركت وامتلكت شركات عديدة للإنتاج والتوزيع ودور العرض، وتملك مركزا قوميا للسينما تجاوز عمره النصف قرن من الزمان، وهو المنوط به الاحتفاء بالسينما المصرية والحفاظ على تاريخها وتراثها السينمائي الكبير، الذي بلا أدنى شك هو التاريخ الحقيقي والكبير للسينما العربية.

وإذا كانت الدولة قد تنبهت مؤخرا إلى ضرورة الحفاظ على تراث التليفزيون وإعادة تسويقه بعد أن عاش دهرا عرضة للنهب والسرقة، فإن السينما المصرية تحتاج إلى تدخل حقيقي من الدولة، ليس فقط للحفاظ على 152 فيلما يملكها القطاع العام السينمائي، ولكن للحفاظ على تاريخ طويل من السينما والفن والحياة.

السينما كان لها عظيم الفضل في أن تكون الثقافة واللهجة المصرية هي اللهجة العربية الأولى، وهي المؤثرة والمسيطرة في محيطنا العربي، بل هي القوة الناعمة القادرة على فرض سيطرتها والتغلل إلى قلب ووجدان كل مواطن عربي من المحيط إلى الخليج.

لا نملك فيلما واحدا يحكي تاريخ هذه الصناعة العريقة التي كانت –ولسنوات طوال– المصدر الثاني للدخل القومي بعد السلعة الإستراتيجية الأول القطن، تلك الصناعة التي نجحت في أن تفرض نفسها على مدار ما يقرب من قرن من الزمان على أنها السينما العربية.

والسؤال الذي يظل دوما بلا إجابة هو لماذا لم تنتج مصر فيلما يعرض في مهرجاناتنا، وفي المهرجانات العربية والعالمية التي تحتفي بالسينما المصرية بعد مرور 123 عاما على عرض أول فيلم سينمائي في مصر في نوفمبر من عام 1896 م. خاصة إذا اعتبرنا السينما المصرية قضية أمن قومي يجب حمايته والحفاظ عليه، فهي بعد كل هذا وقبله لا تقل مكانة ولا أهمية عن آثار توت عنخ أمون ومعابد فيله والكرنك وغيرها من المعابد التي استدعت تدخل اليونسكو بدعوة من الرئيس جمال عبد الناصر لإنقاذها من الغرق والضياع باعتبارها تراثا إنسانيا، السينما المصرية أيضا تراث إنساني يجب حمايته والحفاظ عليه.

الجريدة الرسمية