رئيس التحرير
عصام كامل

إحسان عبد القدوس يكتب: ثلاثة كان لا يمكن أن يجتمعوا

فيتو

في مجلة روز اليوسف عام 1958 كتب الأديب إحسان عبد القدوس مقالا تعليقا على اجتماع ناصر وتيتو ونهرو في بريونى قال فيه:

طرت إلى يوغوسلافيا لأحضر مؤتمر بريونى، ومنذ اليوم الأول وأنا أحاول أن أتخيل ما يمكن أن يدور بين الثلاثة المجتمعين نهرو وعبد الناصر وتيتو.


تيتو عامل الأقفال.. يمثل الطبقة الكادحة.

نهرو.. سليل الأشراف يمثل الطبقة الارستقراطية.

جمال عبد الناصر. .ابن الموظف الصغير وهو يمثل الطبقة الوسطى.

أن نظرية تصارع الطبقات تقول إن الثلاثة لا يمكن أن يجتمعوا على شيء، صحيح أن هناك تفسيرا لنظرية تصارع الطبقات يقول إن تحديد الطبقة يقوم على الإيمان بها لا على الانتماء إليها.

أي قد تكون ابن باشا لكنك تعتبر من الطبقة الكادحة إذا آمنت بهذه الطبقة وبحقها في السيادة ولكن هذا التفسير لا ينقذ الموقف.

الثلاثة يختلفون إيمانهم الطبقى بل إن نهرو لا يؤمن إطلاقا بنظرية الطبقات، ثم أن تيتو هو نتاج ثورة شيوعية صريحة قامت على مبادئ ماركس المادية ونهرو هو نتاج ثورة وطنية استعملت أساليب المقاومة السلبية التي دعا إليها غاندى.

أما جمال عبد الناصر فهو نتاج ثورة وطنية قامت بقوة الشعب ممثلة في قوة الجيش وآمنت بمبادئ تمثل الشخصية المصرية العربية ليست مبادئ لينين ولا مبادئ غاندى.

فكيف يجتمع هؤلاء الثلاثة حول رأى واحد، وماذا يجمع بينهم؟

شيء واحد يجمع بينهم هو إيمانهم بالسلام، إيمان حاجة وليس إيمانا عاطفيا لأن بلادهم محتاجة إلى السلام لإتمام عملية البناء وإقامة دنيا أفضل لشعوبهم.

وقد دفعهم إيمانهم بالسلام إلى التحرر من التعصب الأعمى والتحيز لإحدى الكتل العالمية.

إن تيتو شيوعيا لكنه ليس متعصبا لروسيا، ونهرو ليس متعصبا لبريطانيا رغم أن دولته عضو في الكومنولث ولا يحاول فرض مبادئ غاندى على الشعب.

وجمال ليس متحيزا للغرب ولا متعصبا للشرق ولا يحاول فرض مبادئه بالقوة، انتصر تيتو على ستالين وانتصر نهرو على الحرب الباردة وانتصر جمال على الاحلاف.

لم ينتصروا لأنهم أذكى زعماء العالم أو أقواهم ولكن لأنهم آمنوا بالتعايش السلمى وآمنوا بحق شعوبهم في الحرية والرخاء مما دفعهم إلى التحرر من التعصب والتحيز وإلى تكوين شخصية مستقلة متحررة لبلادهم.
الجريدة الرسمية