رئيس التحرير
عصام كامل

قانون العليا للدواء والتكنولوجيا الطبية غير دستوري


حالة من الجدل العلمي فجرها مشروع قانون إنشاء هيئة عليا للدواء والتكنولوجيا الطبية سحبت فيها اختصاصات عدة جهات ومؤسسات بالدولة من بينها الهيئة العامة للخدمات البيطرية، والهيئة العامة للرقابة الدوائية ونقابة المهن العلمية ووزارة الصحة نفسها وتم إسنادها لهذه الهيئة.

ولأن الدواء ومنتجات التكنولوجيا الطبية هي أمن قومي مصري يدخل في صميم صحة وحياة المواطن المصري، أثيرت حالة من التوتر المهني بين أعضاء نقابة المهن العلمية العاملين بهذه القطاعات الحيوية بالدولة، سيما في مجال تصميم وتصنيع وتحليل وتسويق الأدوية والمنتجات التكنولوجية الطبية سواء الكيميائية أو الفيزيائية أو البيولوجية أو المعلوماتية.

طالعتُ مواد مشروع القانون الأربعين المزمع إقراره من مجلس النواب، وأكثر ما أثار تحفظي هو الحديث عن تنظيم مهن العلوم وتطويرها والرقابة والإشراف عليها، دون الحديث عن العلميين مبتكريها ومؤسسيها ومنظميها! 

فقد تحدث المشروع بالتعريفات بالمادة 1 عن تداول وتحليل وتصنيع النباتات الطبية، دون تحديد من هم أخصائيي علم النباتات الطبية Medical Botany Scientists وما هي مؤهلاتهم العلمية؟! كما تحدث عن المخاطر البيولوجية والمستحضرات البيولوجية دون تعريف للبيولوجيين Molecular Biologists، وما هي مؤهلاتهم العلمية؟!

بالمثل تحدث عن منتجات الكيمياء الحيوية والميكروبيولوجي، ولم يعرف مؤهلات الكيميائيين الحيويين Bio-chemists أو الميكروبيولوجيين Microbiologists.
أيضًا تحدث عن المخاطر الفيزيائية والإشعاعية والعاملين بهذه المجالات الخطيرة دون تعريف الفيزيائيين الطبيين Scientists Medical Physics ومؤهلاتهم العلمية وتمثيلهم بالقانون ؟! كما تجاهل علميين المناعة Immunologists وعلميين الوراثة Genetic Scientists وسواهم من باقي تخصصات العلوم ؟!

أخيرًا فقد تحدث القانون عن إنشاء مجلس أعلى للتكنولوجيا الطبية دون تعريف للتكنولوجيين الطبيين Medical Biotechnologists أو أخصائي علوم الهندسة الوراثية والبيوتكنولوجيGenetic Engineering and biotechnology Scientists ؟؟!!

والمشروع يخلط في المسميات بين الآلة والمعدة والجهاز الطبي في سلسلة من التعريفات غير الدقيقة علميًا، بل إنه أسند جميع أعمال الصيانة والمعايرة إلى المهندسين الطبيين، وأغفل دور علمي الأجهزة الطبية والفيزيائيين الطبيين من تصميم وابتكار واختراع وتصنيع واختبار ومعايرة الأجهزة والمعدات والآلات الطبية، كما ورد بنص المادة 1 من مشروع القانون المقدم، كما تجاهل دورهم فيما يسمى بالصيانة المعنية Preventive Maintenance.

والمشروع خلط بين المستحضرات الكيميائية الطبية والمستحضرات البكتريولوجية والمستحضرات الباثولوجية، واعتبرها "مستلزمات لتشخيص الأمراض خارج الجسم البشري"، رغم أنها مفصلة بالقانون 367 لسنة 54 المادة 1 في 3 بنود. 

كما خلط المشروع في المسميات بين المستحضر الحيوي سواء الأمصال واللقاحات أو المستحضرات البكتريولوجية أو المستحضرات الباثولوجية المنظمة بالقانون 367 لسنة 54 وبين المستحضر الغذائي (مثل ألبان الأطفال والمكملات الغذائية) المنظمة بالقانون 10 لسنة 66 من جهة وبين الكيماويات الطبية والكيماويات الدوائية والمستحضرات الصيدلانية من جهة أخرى، كما ورد بالمادة 1 بمشروع القانون.

وأكثر ما يدعو للغرابة؛ أن المشروع أغفل دور نقيب المهن "بصفته القانونية" ممثلًا لمهن العلوم والتكنولوجيا عضوًا بالمجلس الأعلى للتكنولوجيا الحيوية ( مشروع القانون مادة 3).

وأخيرًا فقد أغفل المشروع (بالمادة 40) العقوبات المنصوص عليها لمن يزاول مهن الكيميائيين البكتيريولوجيين والباثولوجيين من تحضير المستحضرات الحيوية أو تصنيع الأمصال واللقاحات أو تصميم وابتكار الأدوية والمستحضرات الكيميائية الطبية وتحليل الأدوية والأغذية كما وردت بالمادة 77 من القانون 367 لسنة 54.

والحقيقة أن هذه الهيئة ستكون الجهة الوحيدة المانحة للتراخيص المكانية سواء مصانع الأدوية أو المستحضرات التكنولوجية والمستلزمات الطبية أو معامل المستحضرات الحيوية والأبحاث العلمية منتزعة اختصاصات وزارة الصحة في منح التراخيص، وصلاحيات الإدارة المركزية للمعامل في وضع الاشتراطات الفنية للتراخيص المكانية (طبقًا للمادة 27 من مشروع القانون).

كما أغفل المشروع تمامًا دور نقابة المهن العلمية في منح تراخيص مزاولة المهنة كشرط أساسي للحصول على الرخصة المكانية، سيما وأن مجال التكنولوجيا الطبية على اتساعه يعمل به عشرات الآلاف من العلميين ذوي التخصصات الدقيقة، ويمس عشرات من المهن العلمية التي تتبع شعب الكيمياء والبيولوجيا والفيزياء والعلوم الطبية التطبيقية بنقابة المهن العلمية.
-----------------------------------------------------------
( * ) استشاري الكيمياء الطبية والمناعة، ومؤسس #رابطة_المدافعين_عن_حقوق_العلميين
الجريدة الرسمية