رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الآن يجب أن أتوقف!


يروى أن ملكًا أراد أن يكافئ أحد رعاياه ذات يوم، فناداه، وقال له:

لطالما كانت خدماتك للمملكة جليلة، وتنم عن إخلاص ووطنية كبيرين، وأنا أحب أن أكافئك مكافأة إستثنائية لم أكافئ بها شخصًا غيرك.. قف خارج حدود القصر واتجه يمينًا حيث الأرض المملوكة للمملكة، ثم امض ما شاء لك أن تمضى، وحيثما تتوقف في نهاية اليوم فكل الأرض التي قطعتها مشيًا هي ملك لك، لا ينازعك فيها أحد.


خرج الرجل سعيدًا بتلك العطية التي منحه إياها الملك، ثم بدأ في المضى حيث أملاكه الموعودة، وأخذ يقطع المسافات ثم يجلس هنيهة ليستريح، لكنه يتذكر أن لحظات الراحة ربما تضيع عليه أمتارًا إضافية فيقوم متغلبًا على إرهاقه متشبثًا بأحلام الثراء التي باتت وشيكة كلما خطا خطوة أخرى إلى الأمام.

دنت الشمس من المغيب وبدأت معالم المدينة في الغياب أمام ناظريه، وبدأ جسده المنهك يستصرخه طلبًا للراحة، لكنه كلما أراد أن يستريح يتذكر أن تلك اللحظات هي فرصته الذهبية التي لا يجب أن يضيعها في القعود والسكون.

غابت الشمس، ولا يزال الرجل يمضى مترنحًا، وبدأت معدته الخاوية في تذكيره بمدى حاجته إلى الطعام والشراب اللذين لم يتذوقهما منذ الصباح الباكر، لكنه أكمل سيره محدثًا نفسه بأن راحته للطعام والشراب ستضيع عليه فرصة زيادة حجم ممتلكاته.

وباتت الأمتار يجر بعضها بعضًا، والمسافات تتسع، وكلما اتسعت زادت شراهته في إضافة المزيد، ولأن نواميس الكون هي الثابتة، فقد سقط الرجل من شدة الجوع والعطش والتعب، ليدرك حينها أن رجوعه إلى المملكة بات أمرًا مستحيلًا. وللمرة الأولى شعر الرجل بحجم المأزق الذي وضع نفسه فيه نتيجة جشعه وطمعه وسوء تقديره.

الآن يجب أن أتوقف.. لماذا لم أقلها في الوقت المناسب؟ لماذا؟ هكذا ردد في ألم وحسرة قبل أن ينظر إلى الأرض التي قطعها في سيره وباتت ملكًا خالصًا له، ثم ابتسم في أسى قبل أن يغمض عينيه إلى الأبد.

هل تذكرك هذه القصة بشىء قارئى الكريم؟ هل ترى فيها جزءًا من حياتك وبعضًا من سلوكك وأفكارك، وكذلك بعضًا من الواقع الذي نراه بأعيننا؟

أرجو أن تتخيل -لتدرك مدى الأهمية القصوى لهذه العبارة- لو أن مبارك، والقذافى، وزين العابدين بن على، وصدام، وعلى عبدالله صالح، وبوتفليقة، والبشير، حافظوا على ما قدموه لبلادهم من إيجابيات وقال كل منهم لنفسه في الوقت المناسب: "الآن يجب أن أتوقف"، وأرجو أن تتخيل كذلك لو قالها لنفسه في الوقت المناسب أيضًا كل ظالم، وكل عاص، وكل مغرور، وكل فاسد، وكل مهمل، ألم يكن مصيرهم جميعًا سيكون مختلفًا؟ ألم تكن حياتهم ستكون بالتأكيد أفضل وأرقى؟

اعمل وكافح ولكن في الوقت نفسه إستمتع بحياتك، توقف في التوقيتات المناسبة لتوفر الوقت الذي تقول فيه "أحبك" لزوجتك وأبيك وأمك وأبنائك وأحبائك، لتوفر الوقت الذي تغذى فيه روحك وعقلك، لتوفر الوقت الذي تستطيع فيه أن تقضى حوائج الناس.. يقول الكاتب الكبير أنيس منصور (رحمه الله): في معركة البحث عن لقمة العيش، ننسى في كثير من الأحيان: لماذا نعيش؟
Advertisements
الجريدة الرسمية