رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

ترويض المواطنة


المؤسف أن يتمنى الإنسان حقه، وربما أدنى من حقه، ويشعر أنه من المغضوب عليهم والمطرودين من جنة ورضي المؤسسات عنه، وهنا يفقد الإحساس بالمواطنة، ولهذا نصت كل الدساتير على المساواة بدون تمييز بسبب اللون أو العرق أو الدين، ثم إن الحرية منحة من الله وليس من حق أحد أيا كان سلبها منه..


ولهذا فإن نقطة البدء عند الدولة أن تدرك حقيقتها كدولة، أن تكون مظلة الحق والعدل والإنصات للجميع دون أن يميل بها سلطان القوة مع المتغلبين، ودون أن يميل بها سلطان الهوى ضد المغلوبين.. تشويه وإيذاء وعقاب لكل من يبدي اختلافًا مع السلطة وعلى الدولة، ومؤسساتها، أن تكف عن أن تكون آلة إقصاء وتهميش وإبعاد وتنكيل وتشويه وإيذاء وعقاب لكل من يبدي اختلافًا معها..

ذلك إن هناك ما يشبه المعادلة الرياضية، تؤكّد أنه كلما زاد القمع والتنكيل، وزاد الخوف من كل كلمة حرة، تولدت الظروف لنشأة حركة مضادّة بقوة أكبر في الاتجاه المعاكس، والأصل أن تتسع مصر لكل أبنائها، من ينشد الرزق، ومن ينشد الحرية، ومن ينشد العدل، ومن ينشد العلم، ومن ينشد الكرامة، ومن ينشد الإنصاف، سواء في ذلك من يختلف مع الحكام ومن يطاوعهم..

ومعنى ذلك أن توجد في مصر من الدساتير والقوانين، ثم من المؤسسات والممارسات، ثم من المناخ العام ما يسمح بذلك، ولا يعوق ذلك، ولا يؤدي عكس ذلك -فإذا توفرت هذه الشروط كان الوطن هو الملاذ الأول والأخير لكل بنيه، ينصف بعضهم من بعض، ويقيم موازين الحق والعدل بين الجميع على قدم المساواة، دون محاباة لفريق ودون إجحاف بفريق وبدون فرض الوصاية والاستهتار والتذاكي وترويض الأمة على طريقة ترويض الفيله..

ذلك أنه عندما يقوم الصيادون باصطياد فيل حي ولترويضه يستعملون حيلة للتمكن من الفيل الضخم صعب المراس.. فيحفرون في طريق مسيرة حفرة عميقة بحجم الفيل ويغطونها. وعندما يقع فيها لا يستطيع الخروج، كما أنهم لا يجرؤون على إخراجه لكي لا يبطش بهم.. فيلجئون إلى الحيلة التالية ينقسم الصيادون إلى قسمين قسم بلباس أحمر.. وآخر بلون أزرق.. فيأتي الصيادون الحمر ويضربون الفيل بالعصي ويعذبونه وهو غاضب لا يستطيع الحراك..

ثم يأتي الصيادون الزرق، فيطردون الحمر ويربتون ويمسحون على الفيل ويطعمونه ويسقونه، ويذهبون. وتتكرر العملية. وفي كل مرة يزيد الصياد الشريك (الشرير) الأحمر من مدة العذاب.. ويأتي الصياد الشريك الأزرق (الطيب) ليطرد الشرير ويطعم الفيل ويمضي حتى يشعر الفيل بمودة كبيرة مع الصياد الشريك (الطيب)، وينتظره في كل يوم ليخلصه من الصياد الشريك (الشرير) وفي يوم من الأيام يقوم الصياد الشريك (الطيب) بمساعدة الفيل الضخم، ويخرجه من الحفرة، والفيل بكامل الخضوع والإذعان والود مع هذا الصياد الشريك الأزرق الطيب، فيمضي معه..

ولا يخطر في بال الفيل أن هذا (الطيب) هو من أوقعه في الحفرة، وبما أنه يستطيع إخراجه، فلماذا تركه كل هذا الوقت يتعرض لذلك التعذيب؟ ولماذا لم ينقذه من أول يوم ويخرجه؟ ولماذا كان يكتفي بطرد الأشرار وحسب؟

كل هذه الأسئلة غابت عن بال الفيل الضخم.. هكذا يتم ترويض الشعوب ثم يشكرون من يروضهم وهم أصلا سبب ما هم فيه لأن كثيرين فقدوا الإحساس بالمواطنة، وقبلوا الإحسان من فريق الصيادين.
Advertisements
الجريدة الرسمية