رئيس التحرير
عصام كامل

عم مصطفى لسه على العهد.. أب يكمل مسيرة ابنه في عشق الأهلي من «التالتة شمال».. (فيديو وصور)

فيتو

على بُعد خطوات قليلة من أرضية ملعب برج العرب، وتحديدا داخل مدرجات "التالتة شمال" كان صوت عم مصطفى يصدح بهتاف عشاق الأهلي "فريق كبير.. فريق عظيم.. أديله عمرى وبرضو قليل"، بينما كان الفريق الأول لكرة القدم يلعب مباراته المصيرية مع نادي صن داونز الجنوب الأفريقية، ورغم أن المباراة انتهت بهدف يتيم لم يشفع للأهلي في بلوغ نصف نهائي دوري أبطال أفريقيا بعد هزيمة بخماسية نظيفة في مباراة الذهاب، إلا أن هتافات عم مصطفى وتحميسه للجماهير لم تتوقف طوال الـ 90 دقيقة.


يُعرف الرجل الستيني في أوساط مشجعي الأهلي بـ"أبو أسامة" أو "عم مصطفى أبو الشهيد"، فهو والد شهيد الألتراس في مذبحة بورسعيد الشهيرة أسامة مصطفى الذي فارق الحياة رفقة 72 من مشجعى نادي القرن في المباراة الشهيرة بين الأهلي وفريق المصري البورسعيدي في عام 2012.

في العادة يكمل الأبناء مسيرة آبائهم في الحياة لكن الوضع مع عم مصطفى مختلف تماما، فمنذ استشهاد نجله قبل 7 سنوات ظل الأب على العهد مكملا مسيرة أسامة في عشق النادي الأحمر: "ابنى الله يرحمه كان عاشقا متيما بالأهلي وتقريبا مكنش بيفوت مباراة إلا ويشوفها في الإستاد، ومن يوم وفاته قررت إنى أكمل مشواره في دعم ومساندة الأهلي".

موقف الأهلي المتأزم في مباراة العودة مع صن داونز وهزيمته بالـ 5 أهداف النظيفة في بريتوريا، دفع الأب المكلوم إلى البحث عن تذكرة ليكون في مقدمة صفوف المشجعين: "أنا مُحب للأهلي من زمان من قبل حتى ما ربنا يرزقنى بابنى أسامة الله يرحمه، يمكن بعدت عن الكرة بسبب ظروف شغلى، ومسئولياتى مع أسرتي، لكن ما أقدرش أتأخر عن الأهلي في موقف صعب زي ده".

كان من الممكن أن يذهب عم مصطفى إلى إستاد برج العرب ويكتفى بـ "الفُرجة" على المباراة وتشجيع اللاعبين من مدرجات الدرجة الأولى وفقا للتذكرة التي حصل عليها لكن التشجيع من الملعب له فلسفة خاصة بالنسبة له: "التذكرة اللى أنا جبتها كانت درجة أولى ولما دخلت الإستاد كان كل تركيزى على مدرجات الدرجة التالتة، لأن التشجيع من الملعب بالنسبة لي إنك مش رايح تتفرج على المباراة انت رايح تشجع اللاعبين لتحقيق النصر، ولو عاوز فرجة ممكن تتفرج على المباراة في التلفزيون، لكن الإستاد للتشجيع وبس، وجمهور المدرج دوره التشجيع فقط ومؤازرة فريقه على المرة قبل الحلوة".

سبع سنوات مرت على فقدان نجله، وكل يوم يسأل عم مصطفى نفسه دائمًا عن ورث نجله بمقوله «مات الابن فأكمل الأب المسيرة»: «مكنش حد يعرفني بس بعد موت أسامة الناس عرفتني، صحيح احنا بنشجع الكرة من زمان لكن شباب الألتراس كانوا سببا في ظهور المدرج بالشكل المنظم على مدار سنوات كثيرة مضت، وعمرى ما شفت أيام زمان مدرج الأهلي كله أحمر، لكن شباب الألتراس عقلية مختلفة، وعلمونا نروح الماتش نشجع فريقنا لآخر نفس في المباراة".

صورة «والد أسامة» أثناء انهياره السبت الماضى، عقب انتهاء مباراة الإياب للأهلي وفريق «صن داونز»، كانت الأصعب عليه، لخروجه من بطولة أمم أفريقيا، فكواليس الصورة يسردها قائلًا: «مكنش معايا تذكرة وجبتها قبل الماتش بيوم واحد، ودخلت الدرجة الأولى، بس حسيت إنى قاعد في تربة وقدامي جمهور التالتة شمال حاولت أكون وسطهم رغم عدم حصولى على تذكرة بالدخول لهذا المكان بس كان لازم أقوم بدور أسامة وأشجع طول 90 دقيقة، رغم إن سني ميسمحش، والحمد لله كانت أول مرة أدخل المدرج وأقف وسطهم من سنة 2014».

«كنت على آخرى بعد الماتش لإني عمرى ما شوفت الأهلي بالشكل ده»، يصف «مصطفى» حال الأهلي المتدهور في العامين الماضيين بأنه مشهد مأساوى لم يتكرر من قبل: «عمر ما كان ده الأهلي ومش دي اللاعيبة عشان كدة نزلت من السور أجرى على اللاعيبة أعرفهم قيمة التيشيرت والنادي اللى بيلعبوا فيه، لكن الظابط احتضنني هو وكريم عبده حارس اللاعبين، ووصلت ليهم عشان أوبخهم وأطفى ناري».

بمزيد من الأسى يسترجع عم مصطفى ذكرياته مع نجله الشهيد أسامة، وكيف زرع فيه حب الأهلي منذ نعومة أظفاره وحتى رحيله: «أنا علمت ابني حب الأهلي وهو وصلي فكرة الشباب وعقلية جديدة بالتشجيع لأن الكرة هي المتعة الحقيقة للفقراء، عشان كدة هو بيعشق الكرة لأنه حريف والنادي الأهلي بالتحديد كان حياته كلها، أفتكر لما رجع من ماتش كيما أسوان وبقوله إيه اللى حصل وعرفت الأحداث، وبعدها منعته إنه يروح ماتش المقاولون عشان خايف عليه، وفى الآخر قفلت الباب وهو عمل أحبال ونزل من ورايا فضلت زعلان معاه ثلاثة أيام مش بنكلم بعض وبعدها رجعت عشان أصالحه قالى عاوز أروح ماتش المصري، اعترضت بس في الآخر حققت رغبته، وكان نفسه في سويتشيرت الأهلي وكان بـ75 جنيها وقولتله خدهم خدهم وراح الماتش بس للأسف مارجعش تاني".

رسالة أخيرة بكلمات مفعمة بالحنين إلى الماضي وجهها الأب إلى ابنه الراحل «أنا مكمل مكانك عشان دى الحاجة اللى انت بتحبها وأنا لازم أخليك تنام سعيد في تربتك، ومش هبطل أشجع غير لما أموت».
الجريدة الرسمية