رئيس التحرير
عصام كامل

ليس كمثله شيء سبحانه


الله جل جلاله من حيثية الذات الإلهية ليس كمثله شيء، فذاته تعالى لا تكيف ولا توصف ولا تدرك، ولا يشار إليها بأي إشارة، فهي حيث لا كيف ولا نعت ولا أين، فهي فوق الفوقية ومحيطة بتحت التحتية. وهو تعالى يحيط ولا يحاط، ويدرك ولا يدرك، لا تحيط به العقول ولا تدركه الأبصار..


فيه سبحانه حارت العقول وتاهت الأفهام كنه ذاته. وبعدت الخواطر وخابت الظنون والأوهام، فهو تعالى لا يتصور ولا يتخيل ولا يشار إليه بشيء. له جل جلاله تقدست أسماؤه وتنزهت صفاته، وله سبحانه صفات ذاتية خاصة به سبحانه تخالف صفات خلقه، بها عرفه الخلق فهي ظاهرة في كل شيء نراه بأعيننا، فما من خلق إلا ونرى فيه طلاقة القدرة وعظمة الإبداع. ومن صفاته تعالى الذاتية صفة الوجود، فهو الموجود بذاته فليس له واجد، وهو تعالى واجد الوجود.

ومنها صفة القدرة، وهو صاحب القدرة القادرة التي لا يعجزها شيء وهو القادر القدير المقتدر. إذا أراد شيئا كان فأمره بين الكاف والنون، إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. إبتدع الكون بما فيه من عوالم وخلق وكائنات بقدرته، وأعجز كل شيء بها وهو القاهر فوق عباده.

ومن صفاته الذاتية تعالى الوحدانية، فهو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا شبيه له ولا شريك معه، ولا ند ولا ضد له. واحد متفرد في صفاته سبحانه. ومن صفاته تعالى الذاتية البقاء، فهو الباقي الدائم الذي لا يفنى ولا ينتهي، كتب الفناء على كل شيء، وأفرد وتفرد بالربوبية والبقاء. باقٍ بذاته دائم ديوم بذاته جل جلاله. ومن صفاته جل ثناؤه الذاتية صفة الإرادة أي الفعال لما يريد، ولا معقب لحكمه ولا راد لقضائه.

إذا أراد شيئا كان بالكيفية والأينية التي أرادها سبحانه بلا وقت ولا زمن، إذا أراد شيئا كان في وقته، وكان كما أراده أن يكون. ومن صفاته الذاتية أيضا تبارك في علاه صفة القيومية أي إنه تعالى قائم بذاته، قيوم على ملكه، مهيمن على جميع خلقه، ومتحكم فيه ومدبر لشئون عباده وخلقه، والقائم على أمرهم، وهو الفعال في خلقه، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل.

لا حركة ولا سكنة للكائنات إلا بعلمه وبحوله وقدرته وقيوميته.. لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر، ولا الليل سابق النهار، وكل في فلك يسبحون.. ومن صفاته تعالى الذاتية أيضا السمع فهو السميع لأصوات جميع عوالم الخلق في آن واحد، دون أن يتيه من بينها صوت، ودون أن يختلط على سمعه أصوات خلقه، ودون أن يطغى صوت على صوت. وسمعه سبحانه بلا أدوات فهو سميع بذاته سبحانه..

ومن صفاته تعالى الذاتية صفة العلم، وهي صفة إحاطية بمعنى أنه عز وجل يعلم ما كان من قبل أن يكن، ويعلم ما هو كائن كعلمه بما كان، ويعلم ما سيكون كعلمه بما كان وما هو كائن من قبل أن يكون. قدر سبحانه كل شيء بعلمه من قبل أن يخلق الخلق وعلمه إحاطي..

يقول سبحانه: (أحاط بكل شيء علما)، أي لا يغيب شيء عن علمه. ومن صفاته تعالى أيضا الكلام فهو متكلم بلا أدوات، وهناك فرق بين الكلام والتكليم. فالكلام يحتاج صاحبه إلى أدوات، وله نطق، وهذا هو شأن الخلق، أما التكليم فهو بلا أدوات ولا نطق..

يقول سبحانه: (وكلم موسى ربه تكليما).. هذا ومن صفاته تعالى الذاتية صفة الحياة أي إنه الحي الدائم الذي لا يفنى، فالخلق تفنى وتموت وهو الحي الباقي الذي لا يفنى ولا يموت.. يقول سبحانه: (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام).. ويقول جل جلاله: (كل شيء هالك إلا وجهه)..

هذا ومن المعلوم أن صفات الله تعالى تخالف صفات خلقه، فيقابل عجز الخلق قدرته، وضعف الخلق قوته، وجهل الخلق علمه، وعوز الخلق واحتياجهم، غناه واستغناؤه سبحانه. وهكذا في جميع الصفات فسبحان الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير..
الجريدة الرسمية