رئيس التحرير
عصام كامل

توفيق الحكيم يكتب: «فن الزحلقة»

توفيق الحكيم
توفيق الحكيم

في جريدة أخبار اليوم عام 1947 كتب الأديب توفيق الحكيم، مقالا ينتقد فيه السياسات الإدارية لبعض المسئولين، قال فيه:

ليس المقصود بـ"فن الزحلقة" التزحلق فوق الجليد في المشاتى الجبلية، بل هو "فن زحلقة المسئولية" والاختصاص في أدائنا الحكومي وهو فن قد اكتسبناه بكثرة الممارسة وخدمناه بطول المران.


ولعل من سبق له الاشتغال بالقضاء وخصوصا في الأرياف مرت به على الأقل مرة، حادثة الجثة التائهة، جثة القتيل الملقاة في النهر تكتشف عند المركز فيتبرم رجال الحفظ بها وبعواقب انتشالها مما يؤدى إليه أمرها من تحقيق وتفتيش وتشريح وكد وتعب وجري وراء الفاعل وتحمل نتائج وتعرض لتبعات.

فمالهم ووجع الدماغ وفى الإمكان التعامى عن الجثة بلباقة أو تخليصها من أعشاب الشاطئ برشاقة ودفعها إلى التيار هدية كريمة في مركز آخر.

ويحملها التيار إلى مركز آخر فيصنع فيها ما صنع الأول متحاشيا لمسها متهربا من استقبالها وتسبح على متن التيار إلى المركز التالى فيتنكر لها هو أيضا ويتأفف، ولا يهدأ له بال حتى يزحلقها إلى من بعده.. وهكذا دواليك إلى أن يشاء الله ويرمى هذه الجثة على بر السلامة.

وبر السلامة هنا هو الجهة التي لاتستطيع زحلقة الجثة ولا منها هروبا وفكاكا ولا خلاصا، بل يلبسها الاختصاص كأنه خازوق تقبله مرغمة مذعنة وأمرها إلى الله.

أما الوقت الذي ذهب هباء في هذه التصرفات وأثر الجريمة الذي ضاع والمصلحة العامة التي فاتت بسبب الإجراءات فمن يدفع ثمنها وعلى من يقع وزرها وقد طمست معالم المسئولية بعد هذه المراكز المختلفة.

هنا براعة فن الزحلقة، وليس هذا الفن مقصورا على الريف دون المدن ولا على زمن دون زمن ولا على مصلحة دون مصلحة.. فالتفوق فيه بحمد الله مشاع بين الجميع.. وها هي قصة جاءتني من قارئ تقول إنه اشترى قطن طبى من إحدى الصيدليات ولما لاحظ أنه غير مصري الصنع أعاده إلى الصيدلي الذي قال له ليس عندي غيره، ولما فتحه للاستعمال وجد فيه أشياء غريبة فأرسله إلى معامل وزارة الصحة لفحصه فردت عليه المعامل بأنه ليس من اختصاصها، فأرسله إلى وزير الصحة الذي أفاد بأنه ليس من اختصاص الوزارة بل اختصاص مباحث القطن.

ولما أرسل إلى مباحث القطن رسالة أفادوا بأنه ليس اختصاصها بل اختصاص مصلحة الكيمياء التابعة لوزارة التجارة والصناعة.

هنا وجد المواطن أن العزة القومية والغيرة على صناعة البلد كلفته الوقت والمال وشغل البال بالأخذ والرد والفضل في ذلك كله لفن الزحلقة.
الجريدة الرسمية