رئيس التحرير
عصام كامل

الدور المصري لتحقيق التنمية المستدامة ضد مخاطر الانهيار الاقتصادي


أهم ما طرح في منتدى الاقتصاد العالمي مؤخرا هو أنه على الرغم من أن الآثار السلبية البطيئة للنشاط الاقتصادي العالمي على مستوى البيئة، ولكن الإجماع العلمي يؤكد أن التسارع نحو انهيار النظام البيئي قد يكون واقعا حتميا غير مدروس، وسيكون مفاجئا في شكل ما يسمى "غضب الطبيعة"، خاصة في النطاق الجيولوجي كما يتوقعه العلماء، بما قد يسبب انهيارا اقتصاديا عالميا متوقعا.


كيف يمكن مواجهة الصراع الاقتصادي الذي يستنزف مقومات البيئة والمجتمع وفي ظل الأمية البشرية نحو المسؤولية لبقاء الجنس البشري من عدمه، مع تقلص دور الاقتصاد الأخضر وجدواه الاقتصادية.. ومع تحول النظام العالمي لتمكن الشركات متعددة الجنسيات من السيطرة شبه الكاملة على اقتصاديات الكوكب، وتزايد الصناعات الملوثة إلى جانب تنمية ثقافة الاستهلاك.. وافتقاد الرؤية العالمية والالتزام الفاعل نحو السلام البيئي مع الطبيعة التي ستؤدي في أفضل تقديراتها إلى أزمة غذاء مرتقبة.

ما بين هنا وهناك تدعو منظمات دولية لمنح الناشطة المناخية المراهقة "جريتا ثنبيرغ" ذات ١٦ عاما جائزة نوبل لهذا العالم، لأنها نموذج لموجة شبابية للمطالبة بحقوق الأجيال القادمة في كوكب الأرض، ولكن.. الصراع أكبر وأوسع وتحكمه مصالح واقتصاديات عظمى ويحتاج إلى منظومة اقتصادية داعمة وليس مجرد رؤي.

يحتاج العالم إلى صفقة اقتصادية كبرى تحكم التنمية الاجتماعية والبيئة المستدامة للعالم أكثر من مجرد الصفقة الخضراء، التي طرحتها عضوة الكونجرس الأمريكي "الكسندرينا أوكامبو"و السيناتور "اد ماركي" من ماساتشوستس، ولعل الصفقة التي قد تصبح قانون في الولايات المتحدة، ولكن ما زال تحدي تسعير الكربون عالميا هو الهدف الأهم، لأنه أمام العالم ١٢ عاما لإنقاذه من تغييرات المناخ، كما صدر في تقرير مؤخرا لمنظمة الأمم المتحدة بما يضع الأمر محل الصدارة في الحوار الإنساني نحو مستقبل الكوكب.

كان أحد الحلول الاقتصادية هو اتجاه عالمي نحو دفع الصناديق السيادية للاستثمار في نطاق أهداف التنمية المستدامة التي أطلقتها منظمة الأمم المتحدة SDG، والتي قد تصل قيمة أصولها قريبا إلى تريليون دولار، وبالتالي قد تنقذ المجتمع الإنساني من انهيار اقتصادي كارثي، فقد وجه المدير التنفيذي لبلاك روك -أحد أكبر المؤسسات المالية على مستوى العالم- وهو "لاري فينك" رسالة مفادها أن يجب أن تلتزم الشركات التي تستثمر فيها بلاك روك بالمسئولية الاجتماعية..

وأكد أن النمو الاقتصادي للمؤسسات لا يجب أن يكون الهدف الأوحد، وإنما يجب أن يكون هناك استثمارا نحو التنمية المستدامة في المجتمعات.. ونحو صياغة الاستثمار المؤثر فان مؤسسة التمويل الدولية قد وضعت مبادئ حاكمة تلخصت فيما يلي:

أولا: تحديد أهداف الاستثمار المؤثر التي تحقق أهداف التنمية المستدامة.

ثانيًا: إدارة الأهداف غير المالية للاستثمار بشكل مماثل لإدارة الأهداف المالية له.

ثالثًا: تحديد ما يمكن للمستثمر عمله للوصول إلى نتائج.

رابعًا: تقييم الأثر المتوقع للاستثمار وفقًا لمعايير محددة ومتوافقة مع المعايير والمؤشرات العالمية.

خامسًا: تقييم آثار الاستثمار السلبية واحتوائها والسيطرة عليها.

سادسًا: الرقابة على أداء الاستثمار مقارنة بالخطط الموضوعة سابقا وتحديد الإجراءات المناسبة.

سابعًا: تحديد وتوقيت أسلوب التخارج من الاستثمار طبقا لاعتبارات استدامة الأثر الإيجابي للاستثمار.

ثامنًا: رقابة مستمرة لقرارات الاستثمار وتحسين عملية اتخاذ القرار، رصد الأداء.

تاسعًا: الشفافية والحوكمة عن مؤشرات الاستثمار وخلق جات دولية رقابية مستقلة.

وتعليقا على هذه المبادئ فقد كتب النائب الأول لرئيس البنك الدولي مقالا أكد فيه أن الفرصة الاستثمارية تكمن في استقطاب كيانات الاستثمار المؤسسي طويل الأجل للاستثمار المؤثر في قطاع التنمية المستدامة مدفوعة بالتوجه العالمي، وهذه المؤسسات تدير أصولًا تمثل 70 تريليون دولار، وهي قادرة على منح الاقتصاديات الناشئة الاستقرار على المدى الطويل، ثم القدرة والثبات على مواجهة الأزمات المالية.

ولعقود كانت الدول الفقيرة تستثمر في التلوث بدءًا من إزالة الغابات إلى الصناعات الملوثة وحتى الاتجار بالبشر، بل إن "ستيفن لاندسبيرج" كتب في كتابه فيلسوف الاقتصاد عن تصريح مثير للجدل لكبير خبراء الاقتصاد بالبنك الدولي، حول أنه من المفيد نقل المصانع الملوثة إلى دول العالم الثالث مقابل عائد مادي، بما سبب احتجاج أنصار البيئة في أوروبا، ولكن "لاندسبيرج" يري أن التصريح هو واقع، لأن الأولويات مختلفة في دول العالم الثالث..

أيضا أشار إلى انقراض بعض الحيوانات طبيعي، وليس كل انقراض سيؤثر على كوكب الأرض، لأن أولويات المجتمعات مختلفة، ولكن كان هذا التوجه منذ عقود وحان الوقت للحديث بلغة عالمية موحدة نحو التحديات الاجتماعية والبيئية.. كيف يتحقق في ظل توترات سياسية وحروب أهلية ومجاعات؟!

في ظل التحديات والإحداثيات وتسارع الحوار العالمي تظهر فرصة مصر للعب دور مؤثر نحو الأزمة الاقتصادية العالمية المرتقبة -حسب رؤيتي- كدولة قادرة مستقرة في الشرق الأوسط وأفريقيا لتحقق المكتسبات التالية:

أولا: ضبط الاستقرار كقوة إقليمية نحو التوترات السياسية الأفريقية والعربية المحركة للتوترات الاجتماعية والبيئة المزمنة.

ثانيا: لعب دور الوسيط بين السياسات العالمية نحو الاستدامة وترجمتها إلى واقع عربي أفريقي لسد الفجوة الثقافية.

ثالثا: مصدر للطاقة النظيفة منخفضة التكلفة إلى أوروبا، حيث تتميز بوقوعها في الحزام الشمسي (الطاقة الشمسية) وسرعة الرياح.

رابعا: مركز لنشر ثقافة قبول الآخر كأساس للسلام العالمي، الذي يحقق السلام الاجتماعي على مستوى إقليمي مستدام.

خامسا: الاعتماد على البحرية المصرية في ضبط الهجرة الشرعية من أفريقيا إلى أوروبا، لأنها القوة العسكرية الإقليمية الوحيدة القادرة على إدراك المسئولية وتطبيقها.

سادسا: نحو أزمة الغذاء العالمية المرتقبة تحدثنا في مقالات سابقة عن دور المحيطات كمصدر وحيد ولكن يلزم تنظيمه إقليميا، لذا فإن الاعتماد على البحرية المصرية للسيطرة على البحر المتوسط والأحمر كمزارع سمكية كبري.

سابعا: التعاون كشريك دولي في نطاق الاستثمار المؤثر نحو تنمية مستدامة تحقق أهداف الأمم المتحدة وتحقق استقرار اقتصادي محلي قائم على استقرار أمني حققته مصر ويندر وجوده إقليميا.

ثامنا: دراسة مشروع منخفض القطارة بتمويل أوروبي كمشروع عالمي يحقق مكاسب بيئية للمدن المعرضة للغرق مثل فينسيا.
الجريدة الرسمية