الغزو العثماني وهجمات سبتمبر.. مراحل تطور «الإسلاموفوبيا» في الغرب
أدت مذبحة مسجدي نيوزيلندا التي أودت بحياة أكثر من 50 مصليا إلى تجدد قضية "الإسلاموفوبيا" في جميع أنحاء العالم، وعلاقتها بأيديولوجية تفوق البيض.
"لا يمكن اعتبار الأمر حادثًا فرديًا، ولكنه دليل واضح على الكراهية العميقة للمسلمين في بعض شرائح المجتمعات الغربية"، هكذا حاولت مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية إظهار علاقة المذبحة النيوزيلندية بالإسلاموفوبيا، موضحة أن السبب الأكثر وضوحًا لتصاعد العمليات العدائية ضد المسلمين المستقرين في الغرب، يتمثل في الأعمال الإرهابية التي تقوم بها الجماعات المتطرفة ضد المدنيين في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والتي يرمز إليها بشكل كبير هجمات 11 سبتمبر على برجي نيويورك.
وحسبما ذكرت المجلة فإنه قد أدت أعمال أخرى مماثلة في لندن ومدريد وأورلاندو وأماكن أخرى إلى زيادة الشعور في المجتمعات الغربية بأن ما يجري هو معركة النهاية بين العالم الغربي والعالم الإسلامي.
طرفا الأزمة
أكدت المجلة أيضا أنه على الرغم من خطاب الإسلاميين المتطرفين، فإن القتل والعنف لا يوجد في الإسلام أو الغرب بقدر ما هو بين أيديولوجيتين محصورتين.
من جهة نزعات تفوق البيض والراديكالية الإسلامية، ومن ناحية أخرى المثل الأعلى للشمولية والتعددية الثقافية والتعريف المدني للمواطنة الذي يمثل أهم ميراث للتنوير.
الخلفية التاريخية
هناك العديد من العوامل التي تساعد في تفسير الصدام بين نزعات تفوق البيض والراديكالية الإسلامية، تحتاج إلى تحليل عميق، منها التصوير التاريخي للعالم الإسلامي في الأدب الاستشراقي الذي أنتجه مؤلفون أوروبيون من القرن الثامن عشر إلى القرن العشرين، سواء في الكتابات الشعبية أو تحت ستار المنح الدراسية الجادة.
اعتمد هؤلاء المؤلفون اعتمادًا كبيرًا على صور الحروب الصليبية التي تم تجديدها بتوصيف الحكام المسلمين المنهكين - خاصة السلاطين العثمانيين، التي جاءت سلبية للغاية.
علاوة على ذلك، تعززت هذه التصورات بذكريات غزو العثمانيين لجزء كبير من شرق وجنوب شرق أوروبا، بالإضافة إلى ذلك، ذكريات توسع القوة الإمبريالية الأوروبية في السنوات الثلاثمائة الماضية التي أخضعت الغالبية العظمى من الأراضي الإسلامية من الجزائر إلى إندونيسيا لقوتها.
وأصبح الغرب ينظر إلى المسلمين على أنهم أشخاص ثائرون دائمًا يرفضون الاعتراف بمزايا "الحضارة" التي منحها لهم أسيادهم الاستعماريون، نظرًا لأن العديد من التمردات ضد الحكم الاستعماري تبنت المصطلح الديني "للجهاد" لحشد الدعم الشعبي، فقد كان ينظر إليهم في البلدان الحضرية كحروب بين الإسلام والغرب.
شكلت تلك الخلفية التاريخية صعود نزعات تفوق البيض، المصدر الرئيسي للإسلاموفوبيا، بما حفّز إرهابي كرايست تشيرش على قتل أكثر من خمسين شخصًا بريئًا. ولكن، هناك أيضًا أسباب إضافية أكثر ارتباطًا بالوضع الحالي الذي زاد من شعور الإسلاموفوبيا في الغرب.
الإرهاب الوهابي
أحد المساهمين الرئيسيين في الإسلاموفوبيا هو الإرهاب الذي يخسر في كل من الدول الغربية وداخل العالم الإسلامي من قبل الجهاديين المتطرفين الذين يؤمنون بأيديولوجية الوهابية التي تبشر بالعداء تجاه غير المسلمين وكذلك المسلمين الذين يرفضون قبول تفسيرها الضيق والمتطرف للدين الإسلام.
ومن المفارقات العظيمة أن هذا الفرع من الوهابية، الذي يطلق عليه الوهابية السفلى، أصبح أيضًا العدو الوهمي للوهابية العليا الذي يرمز إليه النظام السعودي ومؤسساته الدينية الحليفة، بحسب وصف المجلة.
الأهم من ذلك، أن الإرهاب الوهابي، الذي تتمثل أكثر مظاهره ضراوة في تنظيم القاعدة وداعش، كان له تأثير مدمر للغاية على التصورات الغربية للإسلام والمسلمين، مما زاد من حجج الإسلاموفوبيا للمجموعات المتطرفة البيضاء، رغم أن الحقائق تشير إلى أن ظهور تنظيم "القاعدة" و"داعش" كان إلى حد كبير نتاج السياسة الأمريكية تجاه أفغانستان أولًا في الثمانينيات، ثم تجاه العراق بعد الإطاحة بصدام حسين والذي نتج عنه هلاك الدولة العراقية.
ومع ذلك، فإن العدد الكبير من المهاجرين المسلمين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي الذين انتقلوا إلى الدول الغربية بحثًا عن الأمان أو الرزق هو الذي وفر ذخيرة للمتطرفين من أصحاب نزعات تفوق البيض.
طبيعة مسلمي الغرب
أكدت المجلة أيضا أن الوجود الإسلامي في الغرب يتمثل بشكل واضح في بنية المساجد الفريدة وقواعد الزي التي تبنتها بعض النساء المسلمات المحافظات. فينظر المتشددون البيض إلى المآذن الأنيقة للمسجد على أنها نقيض مباشر لعمارة الكنيسة على غرار الصليب، وهو الرمز الأول للمسيحية ثم إلى الغرب "المتحضر".
ويعد الأمر في جوهره لغزًا يتحدى الحل على المدى القصير، حسبما ذكرت المجلة، بسبب أن معظم المجتمعات الليبرالية والديمقراطية تتصالح في النهاية مع وجود الأقليات الدينية والعرقية في وسطها، وإن دمج الكاثوليك واليهود في المجتمع الأمريكي الذي كان يهيمن عليه البيض والبروتستانت الأنجلوسكسونيين يثبت هذه النقطة، لكن الأمر استغرق وقتًا طويلًا للوصول إلى تلك المرحلة.
صعوبة المعالجة
وتأمل الأصوات العاقلة في أوروبا بحسب المجلة أن يصبح المسلمون الذين يعيشون في الغرب مندمجين في المجتمعات التي يعيشون فيها وأن يتم قبولهم كمواطنين "طبيعيين". ومع ذلك، من المرجح أن تكون العملية صعبة ودامية للأسباب الرئيسية المذكورة، وأولها الخلفية التاريخية التي تثير فكرة أوروبا والغرب ضد العالم الإسلامي.
أما السبب الثاني، يتعلق بثورة الاتصالات ونقل المعلومات في جميع أنحاء العالم أسرع وأسهل مما كانت عليه في القرون الماضية حيث اعترف مرتكب مذبحة نيوزيلندا علانيةً أنه استُوحى جريمته من أفكار كارهي الإسلام الأمريكيين والأوروبيين والأيديولوجيين ذوي التفوق الأبيض.
مناهضة العنصرية
وترى المجلة أن التعليم الذي يؤكد على مناهضة العنصرية وقبول التنوع الثقافي والديني هو وحده القادر على مواجهة الإسلاموفوبيا في الغرب، لكن ينبغي للمرء أن يدرك بوضوح أن هذه العملية تستغرق وقتًا طويلًا وأن الطريق إلى هذا الهدف ربما لا يزال ممتلئًا بأعمال عنف.