رئيس التحرير
عصام كامل

رحيل عملاق


يرحل كثير من الناس دون أن تتحرك حبة رمل من مكانها، ولا تهتز ريشة في جسم عصيفير، ولا تنقص من ماء المحيط قطرة، ولا يكاد يشعر بهم إلا المحيطون بهم. وتغيب شمس واحد من العمالقة فتهتز الجبال، وتميد الأرض، وتبكي حتى الجمادات، وتقشعر جسوم الملايين، وتهيج مشاعر المحبين، الذين كانوا لا يتصورون أن هذا اليوم آتٍ، وأن الموت فريضة على كل بني آدم.


نؤمن بأن لقاء الله حق، ولكننا نطمع بأن يبقى الصالحون، والنابهون على ظهر الأرض حتى نشبع منهم؛ نتعلم المزيد.. نكتسب الخبرة.. نلتمس القوة.. ونُصْدَمُ لرحيلهم عنا، ومفارقتهم لنا.. وتتباين الصدمات تبعًا لموقعنا منهم، وقربهم منا.. أحيانًا تكون الصدمة كالزلزال، وقد لا تتجاوز شدتها هزة بسيطة.

نبيل زكي.. صحفي عملاق.. وكاتب متفرد.. ومحلل متميز.. وسياسي بارع.. ووطني صادق.. ومحب لمصر وشعبها.. اقتربت منه في السنوات الأخيرة، خلال العمل التضامني في مصر وأفريقيا.. لمست فيه فضيلة التواضع التي لا يتحلى بها كثيرون من الصحفيين والإعلاميين.. وجدتها خصلة راسخة فيه، وصفة أصيلة في تكوينه.. يجيد الاستماع للكبير والصغير، للمهم والبسيط من الأمور.. لم يبخل لحظة بعلمه ومهنته وخبرته العريضة على أحد حين يطلبها.. ولم يتعالَ هنيهة على أحد.. ويوزع بسماته هنا وهناك.

كان لا يتوانى عن تشجيع الشباب حين يجيدون، ويصوب آراء أي شخص، مهما كان، إن انحرفت عن جادة الصواب. شرفت وسعدت بمصاحبته في السفر غير مرة، داخل مصر وخارجها، فإذا بي أكتشف فيه صفاتٍ جميلةً، في كل مرة.

قليلون هم من تمتعوا بمثل صفاته.. إذا حضر جلسة في مؤتمر، أو ندوة، أو ملتقى، لم تختلف جديته، إذا كان مستمعًا، عما إذا كان متحدثًا.. لا يبالي بمكانه، ولا وضعه.. الجدية شعاره في كل أوقاته. يدون ملاحظاته، وإن كانت هناك ضرورة لإلقائها، والحديث بشأنها طلب الكلمة، وانتظر دوره، كأصغر الموجودين.. أما إن أسعدك الحظ واستمعت إليه متحدثًا، فلتنصت إلى اللباقة والدقة والمنطق وسلاسة الأفكار.

كلها صفات وسمات يفتقد إليها كثيرون من كبار الساسة والمفكرين، والكتاب، ورجال الصحافة والإعلام. رحم الله العملاق.. نبيل زكي.. ورحم الله كل من تعلمنا منهم وأحببناهم، وتحملنا زلازل رحيلهم، ولا نزال متأثرين بشدة الصدمة.
الجريدة الرسمية