رئيس التحرير
عصام كامل

«فيس بوك».. وإبادة المسلمين في ميانمار!!


"فيس بوك" سلاح ذو عدة أوجه، وليس وجهين فحسب! منذ أيام قلائل، انتشرت صورة فظيعة على أنها لمسلمين من الروهينجا يقومون بتقطيع أوصال رجل ليأكلوه. انتشرت الصورة المزيفة بسرعة هائلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، رغم أنها ليست سوى كذبة خطرة جدًا.. صورة مزيفة، وغير حقيقية، وترمي إلى تشويه الأوضاع المأساوية للمأساة التي يعيشها المسلمون في ذلك الإقليم المنكوب!


هكذا تحول الموقع الأشهر للتواصل في العالم إلى أداة تحريض رهيبة على إبادة مسلمي الروهينجا!

أيضًا فقد استخدم المعتدون المعلومات المزيفة مثل تلك الصورة، لتبرير الفظائع الحقيقية التي ترتكب في ميانمار، منظمة "آفاز" العالمية، التي أُطْلِقت عام 2007، لتناضل من أجل قضايا البيئة وحقوق الإنسان وحرية التعبير ومواجهة الفساد والفقر، تقول: إن هناك حلًّا بسيطًا للقضاء على هذا التهديد، وهو إجبار مواقع التواصل الاجتماعي على نشر تصحيحات للأخبار الكاذبة الخطيرة، تصل لكل شخصٍ شاهد تلك الأخبار.

عرضت "آفاز" هذه الفكرةَ على سياسيين ومشرعين وخبراء من مختلف أنحاء العالم، وأظهر العديد منهم حماسةً نحوها. يشار إلى أن موقع "فيس بوك" يهتمُّ بصورته العامة بشكلٍ كبيرٍ، ويمكن استغلال ذلك في المطالبة بتجميع أصوات الناس في كلِّ مكانٍ من العالم، لتكوين نداءٍ شعبي ضخمٍ من مختلف أنحاء العالم يطالب فيس بوك بتصحيح سجلات الأخبار الكاذبة.

ويفرض القانونُ، في العديد من الدول، على الصحف تخصيص مساحة لتصحيح المعلومات الكاذبة التي قد ترد على صفحاتها. وما من سبب يعفي "فيس بوك"، و"تويتر"، وغيرها من المواقع على فعل المثل، خاصة أنها أكثر انتشارًا من أي صحيفة أو موقع إخباري.

لا يتعلق الأمر هنا بالرقابة، حيث لن تتمَّ إزالةُ أو حذفُ أي منشور، بل ستعمل شركات التواصل الاجتماعي على تزويد المستخدمين الذين يتعرضون لمحتويات كاذبة، بالحقائق الكاملة بشكل يتيح للمستخدمين تقرير إذا ما كان المحتوى كاذبًا أم لا.

تضيف "آفاز": هناك جيوش من الروبوتات والحسابات الزائفة والمتصيدين (trolls)، يتم شراؤهم بالمال من قبل الأغنياء والحكومات، من أجل إغراق مواقع التواصل الاجتماعي بأكاذيبهم، وهم يحاربون بشدة مثل هذه التحركات بالطبع.

المسألة هذه المرة أكبر من نشر العري، والتشجيع على السقوط الأخلاقي، بل وأكبر من التجسس على حسابات العملاء، واستغلال بياناتهم.. الأمر يتعلق بالتاريخ والإنسانية.. خاصة أنه في ميانمار يعتبر فيس بوك أكثر من مجرد موقع إلكتروني، فهو بالنسبة للعديد من الناس هناك يمثل الحياة بأسرها، لهذا عندما تم استخدام موقع فيس بوك لشن حملة كراهية ضد المسلمين لم تكن هناك أي حواجز لوقف انتشار الكراهية، باستثناء شركة فيس بوك نفسها. والواقع المرير على الأرض في ميانمار، حيث فر أكثر من سبعمائة ألف من أقلية الروهينجا، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.

وذكرت الصحيفة في مقال لهيئة التحرير أن صحيفة "نيويورك تايمز" نشرت أواخر 2018 قصة مرعبة عن كيفية تحوّل موقع التواصل الاجتماعي إلى أداة للتطهير العرقي.

ويوجد في ميانمار 18 مليون مستخدم للإنترنت، والصفحات التي أزالتها فيس بوك بعد تقرير "نيويورك تايمز" كانت تملك 1.35 مليون متابع. والصفحات التي أزالتها الشركة في أغسطس من العام الماضي كان يتابعها 12 مليون إنسان.

في 2013 كان ثلاثة موظفين فقط من مراجعي المحتوى في فيس بوك يتحدثون لغة ميانمار، والآن أصبح عددهم نحو 100 بنهاية عام 2018. كما شكلت الشركة فريقا مخصصًا لميانمار، وفريقًا لتقييم الآثار على حقوق الإنسان، وتعهدت بتحسين الذكاء الاصطناعي لتحديد انتهاكات القواعد، إضافة إلى تبسيط عملية الإبلاغ عن الانتهاكات.

من جانبها، رصدت بوابة "الأزهر الشريف" تاريخ المأساة، قائلة: ولاية "راخين"، أو كما كان يُطلق عليها قديمًا "أراكان"؛ حيث يعيش مسلمو "الروهينجا"، الذين وصفتهم المتحدثة باسم الأمم المتحدة عام 2009 بأنهم "أكثرُ شعبٍ بلا أصدقاءَ في العالَم"؛ فما بينَ رفْضِ نظام "ميانمار" مَنْحَهم الجنسية، وبين تعرُّضهم للاضطهاد والقتل والاغتصاب والتعذيب المستمر على يد القوات البورمية والبوذيين والقرويين..

والذي بلغ ذروته عام 2012م بعد اغتصاب وقتْل امرأةٍ بوذيّة هناك وإلصاق التُّهَمَة ببعض المسلمين؛ ممّا أدّى إلى أعمالِ العنف حينئذٍ التي أَودت بحياة أكثر من 200 شخصٍ وتشريد 140 ألفًا، والكثيرون منهم يعيشون منذ ذلك الوقت في مُخيّماتٍ بدون رعايةٍ صحيّةٍ أو تعليمٍ، وبالكاد يَصِلُهم الغذاء.

وامتدت الانتهاكات طَوالَ السنوات التي تلت 2012، لتشهدَ مُنعطَفًا جديدًا عام 2017، مع قيام القوات البورمية بحملاتِ دَهْمٍ واسعةٍ على تجمعات "الروهينجا"؛ أَدّتْ إلى موجةِ فرارِ مدنيّين واسعةٍ من قُراهم، قَدّرتْها "المفوضية السامية لشئون اللاجئين" في الأمم المتحدة في أوائل سبتمبر، بأكثرَ من 35 ألفًا من النازحين الجُدُد خلال 24 ساعةً فقط؛ أي: قرابة 1458 مسلمًا فَرّوا من البلاد كلَّ ساعةٍ، وعلى الرغم من التنديدات الدولية، إلّا أنّ الأوضاع تزداد سوءًا دونَ وجودِ أيِّ بوادرِ أملٍ لانفراجها؛ إنصافًا لهذه الفئة المُضطهَدة من المسلمين.
الجريدة الرسمية