رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

يوميات «مافيا الطب الرياضي».. من التشخيص الخاطئ إلى «السمسرة».. اتهامات بالمتاجرة بإصابات اللاعبين.. 80 ألف دولار فاتورة جراحة الصليبي بأوروبا.. وأطباء يكشفون حقائق الـ«بيزنس

فيتو

كبوة كبيرة وأزمات متكررة يعاني منها الطب الرياضي في مصر، تسببت في انتقادات عديدة للأجهزة الطبية بالأندية والمنتخبات الوطنية، بسبب تكرار التشخيص الخاطئ لإصابات اللاعبين التي تضرب الرياضة المصرية مؤخرا، إضافة إلى تأخر علاج بعض اللاعبين لفترات أطول كثيرا من المعتاد، وتكرار سفر اللاعبين مؤخرا للعلاج بالخارج، وهو ما أثار غضبا كبيرا وفتح الملف حول أسباب أزمات الطب الرياضي.


الفترة الماضية شهدت العديد من حالات التشخيص الخاطئ للإصابات، على رأسها عودة محمد محمود لاعب الأهلي المنضم حديثا من وادي دجلة للمشاركة في مواجهة سموحة الأخيرة بالدوري، بعد قيام الدكتور خالد محمود طبيب الفريق بـ«رش بنج» على موضع الإصابة في الركبة، لتتلقى جماهير الأحمر الصدمة الكبرى بعد المباراة بإصابة اللاعب بقطع في الرباط الصليبي، وهو نفس السيناريو الذي تكرر مع مروان محسن في مواجهة «فيتا كلوب» الكونغولي بالجولة الأولى لدور المجموعات بدوري أبطال أفريقيا، حيث اشتكى من الإصابة ليعيده الطبيب للملعب ويتأكد إصابته بشد في العضلة الأمامية ليتأكد غيابه شهرا.

نفس الأمر تكرر مع مصطفى فتحي وباسم مرسي، مع نادي الزمالك، حيث أصيب اللاعب خلال تدريبات الفريق الأبيض منذ عدة أشهر، وشخص الدكتور أيمن زين، طبيب الزمالك السابق، إصابته على أنها قطع في غضروف الركبة، وأنه يحتاج لإجراء عملية جراحية، ليذهب للدكتور أيمن فريد، طبيب الفريق الأسبق، ومنتخب الكرة الشاطئية، للتأكد من التشخيص، وكانت المفاجأة أن ركبته سليمة، وأنه يعاني فقط من كدمة، ويحتاج لتأهيل لمدة أسبوعين للعودة للملاعب، ليتم استبعاد «زين» من الجهاز الطبي للفريق، والاستعانة بخدمات الدكتور مصطفى المنيري.

مافيا
كوارث الطب الرياضي لم تتوقف عند حد التشخيص الخاطئ وطول فترة علاج اللاعبين، لكنها امتدت إلى ظهور «مافيا» جديدة سيطرت على الرياضة المصرية مؤخرا بسفر اللاعبين لعلاج في الخارج بالدول الأوروبية وخاصة ألمانيا، لتجد رحلات لاعبي الأهلي والزمالك والمنتخبات الوطنية إلى أوروبا «دون داعي»، والغريب أن اللاعب المصاب يسافر معه وفد يضم بين 3 و5 أفراد مابين إداري النادي أو المنتخب وطبيب النادي، لتتكلف رحلة العلاج الواحدة في أوروبا بين 50 و80 ألف دولار على حسب الدولة والمستشفى والطبيب المعالج، ما بين تذاكر طيران وإقامة في فنادق 5 نجوم وتكاليف العملية الجراحية، والمحصلة أزمات لا تنتهي، وخير مثال على ذلك مروان محسن مهاجم المنتخب الوطني، الذي ظل يعالج من الإصابة بالرباط الصليبي لمدة تتخطى العام رغم إجرائه الجراحة وفترة طويلة من التأهيل بألمانيا، بجانب رامي ربيعة الذي ما زال يعاني من إصابة طويلة في العضلة الضامة رغم سفره لألمانيا أكثر من مرة، وغيرهم الكثيرين من اللاعبين الذي تلقوا العلاج في أوروبا وتكلفوا مئات الآلاف من الجنيهات، ورغم ذلك قضوا فترات أطول من المعتاد للعلاج من إصاباتهم.

بيزنس
وبمرور الأيام تحول الأمر إلى بيزنس لبعض مسئولي الملف الطبي في الأندية والاتحادات، خاصة أن سفر اللاعبين أصبح من خلال شركات الخدمات الطبية التي يتعاقد النادي أو الاتحاد معها من أجل تسهيل سفر اللاعب لأوروبا للعلاج وإدخاله أحد المستشفيات، حيث كثر الحديث عن أن كثرة عدد رحلات السفر للعلاج في أوروبا يقف خلفها شبهة «عمولات وسمسرة» بإصابات اللاعبين، حيث يتقاضى البعض عمولات من شركات الخدمات الطبية لسفر اللاعبين، في واقعة تمثل متاجرة و«سمسرة» على إصابات نجوم الرياضة المصرية، رغم أن بعض الإصابات لا تستدعي سفرهم.

وخير مثال على ذلك ما حدث قبل سنوات قليلة، من سفر لاعب كبير في نادي لألمانيا لإجراء جراحة الرباط الصليبي، رغم أن الطبيب المصري الذي قام اللاعب بعرض نفسه عليه أخبره وأكد له أن الرباط الصليبي سليم تماما، ليتمسك طبيب النادي وقتها وطبيب المنتخب بسفره إلى ألمانيا، وكانت المفاجأة بتأكيد الخبير الألماني ما قاله الطبيب المصري، وكان الأغرب طلب الأطباء المصريين المرافقين له إجراء أي جراحة حتى لو كانت منظار تشخيصي حتى لا يكتشف أمرهم ويثيروا الشكوك حول سبب سفرهم.

نقص الإمكانيات
في المقابل.. فإن الحجة التي يسوقها أنصار العلاج في الخارج ثبت كذبها، حيث كان هناك من يؤكد أن سفر اللاعبين إلى ألمانيا أو أوروبا عامة، بسبب نقص الإمكانيات والمعدات في مصر أو قلة خبرة الأطباء، ليتضح بعد ذلك أن مصر تمتلك إمكانيات كبيرة في مجال الطب الرياضي إلا أنها معطلة بـ«فعل فاعل»، والدليل على ذلك ما قاله الألماني إيمهوف أحد أشهر أطباء العالم، عند زيارته مركز الطب الرياضي في مدينة نصر، مبديا انبهاره بالمعدات المتواجدة وتأكيده أن المركز المصري يتفوق على بعض المستشفيات الألمانية، كما أن مصر تمتلك عناصر بشرية مميزة في الطب الرياضي، بوجود أطباء مميزين في إصابات الركبة والعمود الفقري والمفاصل يأتي إليهم الآلاف من الوطن العربي لتلقي العلاج على أيديهم، وأشهرهم أحمد عبد العزيز أشهر أطباء الركبة في الوطن العربي، عزت كامل من أشهر جراحي الكتف في العالم.

أزمة «الطب الرياضي» تمثل فسادا إداريا كبيرا، ويكفى أن نعلم أن المسئول عن الإدارة المركزية للطب الرياضي في وزارة الشباب والرياضة ليس طبيبا، وخريج كلية التربية الرياضية، رغم أنه من المفترض أن يكون مسئولا عن تقديم توصيات للوزير بالحالات التي تحتاج للسفر للعلاج للخارج، من أجل استخراج القرار الوزاري، كما أن المسئول الأول عن مركز الطب الرياضي التخصصي في مدينة نصر ليس طبيبا، وهو ما تسبب في خسارة مصر لمقعدها في الاتحاد الدولي للطب الرياضى، وسط سخرية من مسئولي الاتحاد الدولي حول ممثل مصر بالمؤتمر، وتأكيدات رئيس الاتحاد أن كل المتواجدين أطباء باستثناء ممثل مصر.

20 يوم راحة
في نفس السياق، أكد طبيب المنتخب السابق الدكتور طارق سليمان أن ظاهرة كثرة الإصابات، سببها إهمال القياسات البدنية والفسيولوجية التي يفترض أن تجرى لكل لاعب قبل بداية كل موسم، حتى يستطيع كل من المدير الفنى وطبيب الفريق ومدرب الأحمال الوقوف على تحديد الأحمال البدنية لكل لاعب، مؤكدا أنه يجب أن تجرى هذه القياسات على كل عضلة في جسم اللاعب على حدة، إلى جانب إجراء كشف دقيق على جسم مفاصل الجسم للوقوف على حالتها وتشخيصها بشكل دقيق.

وتحدث سليمان عن كارثة حقيقية تهدد سلامة اللاعبين في مصر، وهى استعانة أغلب مدربى الأندية والمنتخبات بمدربين أحمال غير مؤهلين بشكل علمى، للعمل معهم في الأجهزة الفنية، لمجرد أن مدرب الأحمال هذا صديق المدير الفني أو تربطه به صلة قرابة، والنتيجة إصابات متلاحقة ومكررة، للكثير من اللاعبين، نتيجة جهل مدرب الأحمال غير المؤهل بالقياسات البدنية والأحمال المناسبة لكل لاعب.

وكشف طبيب منتخب الشباب عن خطأ آخر كبير تقع فيه أغلب الأجهزة الطبية للأندية المصرية، وهو عملية الاستشفاء التي تجرى للاعبين عقب انتهاء المباريات، فالأغلبية تظن أن الاستشفاء هو فقط خضوع اللاعب لجلسات الثلج، وقضاء بعض الوقت في حمام البخار ووحدة الساونا، وهو اعتقاد خاطئ ـــ وفقا لسليمان ــ فالاستشفاء الحقيقى يكون في تغذية اللاعب وجبات معينة بعد انتهاء التدريب مباشرة، ولابد أن يحصل على عدد ساعات من الراحة السلبية، وأن يحصل على الفيتامينات المخصصة له، والمكملات الغذائية التي يحددها أخصائى التغذية بالتنسيق مع طبيب الفريق.

الراحة السلبية
وتحدث طبيب المنتخب عن غياب الراحة السلبية الكافية التي يفترض أن يحصل عليها اللاعب عقب انتهاء الموسم الكروى، مشيرا إلى أنها تتراوح بين 15 إلى 21 يوما على أقل تقدير، لافتا إلى أن لاعبى الأهلي لم يحصلوا على الراحة السلبية الكافية بسبب تلاحم الموسمين الماضى والحالى، وهو أحد أسباب كثرة الإصابات في القلعة الحمراء.

أزمة حقيقية
كما أوضح سليمان أن الطب الرياضى في مصر يواجه أزمة حقيقية منذ سنوات طويلة، وهى غياب أخصائيى التأهيل الأكفاء والمؤهلين، فأغلب الأندية لا تملك أخصائى تأهيل مؤهل علميا، قادر على وضع البرامج المناسبة لكل لاعب عائد من الإصابة، وبالتالى نجد هناك لاعبا يصاب بالرباط الصليبى يعود للملاعب بعد ستة أشهر فقط، وآخر يعود بعد 8 أشهر، وثالثا يعود بعد عام كامل، مشيرا إلى أن الألمان يملكون خبرات كبيرة في التأهيل الرياضى.

وبرأ سليمان أرضية الملاعب من تهمة كثرة الإصابات التي تضرب لاعبى الكرة، مشيرا إلى أن هناك إصابات معينة تتسبب فيها أرضية الملعب السيئة، أبرزها الرباط الصليبى والتواء الكاحل، وفيما عدا ذلك من إصابات ليس له علاقة بأرضية الملعب.


تدخل الرئيس
بدوره، كشف الدكتور محمد عراقي، رئيس الاتحاد المصري للطب الرياضي تحت التأسيس، أن «الطب الرياضي قضية أمن قومي، تحتاج إلى تدخلات قوية لإصلاح المنظومة التي تعاني بشدة خلال الفترة الماضية»، مؤكدا أن الطب الرياضي يستهدف الحفاظ على المواهب المصرية من النجوم من خلال تشخيص إصاباتهم بشكل صحيح وبالتالي سرعة العلاج والشفاء.

وفيما يتعلق بتزايد معدلات سفر اللاعبين للخارج لتلقي العلاج وإجراء جراحات الإصابات الرياضية، قال «عراقي»: هذه أزمة كبيرة، لا سيما وأن مصر تمتلك الإمكانيات البشرية والأجهزة التي تمكنها من إجراء العمليات الجراحية وعلى رأسها الرباط الصليبي في مصر، ولهذا يجب وضع تشريع لتقنين سفر الرياضيين للخارج.

كما شدد رئيس الاتحاد المصري للطب الرياضي، على أن آلية تخطي الأمر تتمثل في تشكيل لجنة محايدة تابعة لرئاسة الوزراء، يتمثل عملها في بحث طلبات أي أندية أو اتحادات لسفر لاعبيها للخارج، من أجل الحكم هل يستدعي الأمر سفر اللاعب أم يمكن إجراء العملية في مصر بكفاءة عالية، وهو ما يساهم في الحفاظ على الوقت والجهد والعملة الصعبة، بجانب الحفاظ على المواهب الرياضية دون تعرضهم للخطورة، مشددا على أن الإصابة التي يصعب علاجها في مصر سيتم تقديم توصية لوزير الرياضة باستخراج القرار الوزاري لسفره وإجراء الجراحة بأوروبا.

وأوضح أنهم «طرقوا جميع الأبواب في وزارة الرياضة من أجل إشهار الاتحاد المصري للطب الرياضي، خاصة أن الاتحاد له أنشطة عديدة طوال السنوات الماضية رغم أنه ما زال تحت التأسيس، من خلال إقامة العديد من المؤتمرات العلمية الطبية التي تهدف لمناقشة كل ماهو جديد في عالم الطب الرياضي وتثقيف أطباء الأندية والاتحادات، ورغم ذلك لم يتم إشهار الاتحاد منذ إنهاء أوراق إشهاره من 5 سنوات».

العملة الصعبة
واستنجد «عراقي» بالرئيس والدكتور مصطفى مدبولي من أجل التدخل لإنهاء أزمة اتحاد الطب الرياضي، مشددًا على أن الطب الرياضي يستهدف الحفاظ على المواهب المصرية من خطر الإصابات، كما أنه قد يكون مصدرا للدخل، من خلال استغلال الطاقات البشرية الهائلة والأجهزة والمعدات في المستشفيات المصرية لعلاج لاعبي الفرق والمنتخبات العربية في مصر وتوفير العملة الصعبة التي ينفقها اللاعبون المصريون في الخارج.

كما وجه «عراقي» رسالة هامة لوزير التعليم العالي، والمجلس الأعلى للجامعات، بضرورة اعتماد إنشاء فرع الطب الرياضي في كليات الطب المصرية، مؤكدا أن جميع المصريين يلجئون للخارج للحصول على دكتوراه في الطب الرياضي، وهو ما يصعب من كثرة عدد الأطباء المصريين المتخصصين في الطب الرياضي، مشددا على أن إنشاء فرع للطب الرياضي سيسهل في نقل خبرات العمالقة الحاليين لأطباء جدد وخلق كوادر جديدة، خاصة أن الطب الرياضي ليس أقل من طب الأسرة والطفل وأمراض الشيخوخة وغيرها من الفروع المعتمدة بكليات الطب.
Advertisements
الجريدة الرسمية