رئيس التحرير
عصام كامل

مفيش فايدة!


تمر اليوم الذكرى المئوية لمقولة سعد زغلول الشهيرة "مفيش فايدة"! والتي قالها في الحقيقة لزوجته ممتنعًا عن الدواء الذي رأى أنه لن ينقذ حياته. ولكن بقت جملة "مفيش فايدة" تحمل في مخيلتنا وحوارنا طابعًا سياسيًا فيه اليأس والقنوط من محاولات الإصلاح.


وكأن سعدًا كان عالمًا بحال أبناء وطنه حين هب للمطالبة بحقهم في الحرية وبحال أحفاده وأولادهم حين هموا على التغيير بعد قرن من الزمان فأعطاهم جملة يقولونها إن فشلوا في الإصلاح وتسرب اليأس إلى قلوبهم! وأنا بطبعي المتفائل لمستقبل مصرنا الحبيبة كنت وربما ما زلت أرفض تمامًا جملة "مفيش فايدة".. وأقول إننا لم نحاول فقط التفكير من خارج الصندوق لإصلاح المائل، ولكن شعبنا الكريم ما زال للأسف يقول مفيش فايدة كل يوم وعنده حق!!

مفيش فايدة في القضاء على الفساد، فرغم كل التصريحات والنوايا الحسنة ما زال الفساد متعمقًا ومتشرنقًا في معظم مفاصل الدولة وترتيبنا العالمي في مؤشر الشفافية في تدهور مستمر!!

مفيش فايدة في وجود العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق بين الطبقات التي خلقها عصر المرحوم السادات وترعرعت وأينعت من بعده، وقسمت الشعب إلى طبقة من الصفوة تحصل على كل شيء وتتمتع بكل شيء، وطبقة من البسطاء تجابه شظف العيش وتحارب للبقاء من أجل أي شيء!!

مفيش فايدة من عودة السلام الاجتماعي في ربوع الوطن، والذي قسَّم حتى أبناء الأسرة الواحدة ليتصارعوا في الرأى والموقف والاعتقاد والذي قد يصل لحد الجفاء وربما القطيعة!!!

مفيش فايدة في المساواة بين أبناء الشعب في الحقوق والواجبات فنجد الطبيب الذي أفنى حياته في العلم والعمل وبتفوق وتميز يحصل على أجر غير آدمي، وغيره من المميزين من الفئات الأخري يتضاعف دخلهم مرات ومرات، وكلهم يقتاتون من معين واحد من مال الشعب!!!

مفيش فايدة في المحليات الفاسدة وكل يوم نرى ونسمع خبرًا بالقبض على أحدهم وكأنهم قطيع من النمل لا ينتهي!!

مفيش فايدة في سيرك المرور العشوائي داخل المدن والذي أزهق الآلاف من الأرواح وما زال حتى الآن، وكأنه استعصى على الحل نهائيًا فأصبحنا ما بين ضرير وأصم عن تجارب الآخرين ونجاحاتهم!!!

مفيش فايدة في العدالة النافذة، فالمحاكم كانت وما زالت تأخذ سنوات وسنوات حتى تأتي بحكمها بعد أن يكون المطالب بحقه قد نسى قضيته!!!

مفيش فايدة في برلمان يمثل الشعب حقيقة وينتخب منه بإرادة حرة وببرامج حقيقية وواضحة. مجلسًا يشرع بحق لخدمة الشعب ويواجه شطط الحكومة إن خرجت عن طريقها ويحاسبها بحزم كما في جميع دول العالم المتحضرة!!

مفيش فايدة في اختيار القيادات، وهو علم يدرس في الخارج فينتهى الاختيار بطريق الأمن ورأيه وعادة من أهل الثقة بعيدًا عن خبراء مصر ومفكريها في الداخل والخارج!!!

مفيش فايدة في إصلاح الإعلام في مصر، فإن فتحت له الباب توحش وهجى وتبلَّى ولعب به المال وأفسدة وإن أغلقت بابه سرى فيه النفاق والتطبيل والرقص على كل السلالم!!

مفيش فايدة في احترام مواد الدستور وتطبيقها وكأنه أضغاث أحلام من كتبوه، فلا يوجد فصل حقيقي للسلطات ولا يُوجه الصرف على الخدمات كما قرره الدستور وتمنيناه، ونرى أخيرًا من يطالب وبتبجح بتغير مواده التي توافقنا ووافقنا عليها جميعًا، وكأننا مازلنا نخُط مسودته!!!

مفيش فايدة أن نتحول لدولة مدنية عصرية بكل مكوناتها الديموقراطية كما كنا نحلم ونتمنى!!!

مفيش فايدة من اجتثاث سرطان الإسلام السياسي ومنظماته وجماعاته التي تاجرت بالدين ومازالت وكأنه قدر عاثر ابتلينا به ليُعقد حياتنا وينخر في أساسياتها كالسوس في الخشب لا نراه ولكنه يتوغل ويدمر!

مفيش فايدة ومفيش فايدة ومفيش فايدة!! قالها سعد زغلول ونُصِّر متعمدين على أن نجعلها نبراسنا كلما إنصلح الحال... فكأن "مفيش فايدة" قدر لا يمكن الحيد عنه أو الهروب منه بعد ثلاث ثورات!

لقد زرت العديد من دول العالم ولقيت فايدة فلماذا استحالت علينا؟ هل يكفي رئيس وطني مخلص ليكون فيه فايدة؟ هل يكفي صدق النوايا عند الكثيرين من أبناء الشعب ليكون فيه فايدة؟ هل تكفي بعض العقول المتحررة والمفكرة بعمق في حالنا وكيفية إصلاحه ليكون فيه فايدة؟ لا أعرف الإجابة ولكني أتمنى أن يكون فيه فايدة وفي القريب العاجل وفي حياتي!! فمتى حقيقة نترحم على كلمات سعد زغلول الخالدة..."ويبقى فيه فايدة"...؟!!!
الجريدة الرسمية