رئيس التحرير
عصام كامل

ثمن ربيع الخيانة: إسرائيل صديقة العرب!


بينما تضيق الحلقات حول عنق الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" تتهمه بالعمل لحساب روسيا، وتتهمه بأنه أمر المترجم بإخفاء تفاصيل لقاءاته الخمسة مع رئيس روسيا "بوتين"، بل وسحب منه مذكرة الملاحظات، وبينما يقترب المحقق الخاص "مولر" من إنهاء التحقيق حول دور روسيا في تمكين "ترامب" من الفوز بمقعد الرئاسة في البيت الأبيض، تبدو زيارة "مايك بومبيو" وزير الخارجية الأمريكي، وسط هذه الظلال الداخلية الأمريكية الداكنة بمثابة فرار إلى دور خارجي محوره إيران وإسرائيل ودول الخليج الست، وبالطبع مصر والأردن.


كل رؤساء أمريكا ممن واجهوا أزمات داخلية قاصمة، وهرولوا في رحلات خارجية ومن بينها الشرق الأوسط، وأبرزهم كان "ريتشارد نيكسون" بطل فضيحة ووترجيت وزيارته الشهيرة لمصرفي عهد السادات -على أية حال، فإن الوقت لم يحن بعد لزيارة تجميلية يقوم بها "ترامب" للمنطقة، قام بها عنه "مايك بومبيو" وزير خارجيته، حاملا رسالة تعبئة وتجنيد للدول السنية، وطاف بها على دول الخليج قطر والسعودية والأردن والبحرين والإمارات وسلطنة عمان، عدا الكويت لجنازة عائلية مفاجئة!

وكان قبيل وصوله الرياض في بغداد في زيارة لم يعلن عنها، وسبقه إلى بغداد قبلها بيوم وزير خارجية إيران.. وليس صدفة قط التصريحات التي صدرت عن البنتاجون قبيل رحلة "بومبيو"، بأن "ترامب" طلب وضع خططا تفصيلية لضرب إيران! وليس صدفة أيضا الأمر الذي أصدره نتنياهو بمغادرة سوريا على وجه السرعة وإلا !

وكالعادة تنطلق من إحدى الجامعات المصرية خطبة تكليف، أو إشارة البدء، فعلها أوباما في جامعة القاهرة، وتضمنت التكليف والإشارة معا، وهى بدء انقلاب الشعوب على دولها بالهدم والتخريب تحت غواية شعارات لا تتحقق!

وخطاب "بومبيو" في الجامعة الأمريكية بالقاهرة الأسبوع الماضي، حدد بالضبط التكليف والتكاليف المطلوبة من ناتو عربى مصغر لمواجهة التهديدات الإيرانية للمنطقة. يمكن تعريف هذه التهديدات فيما يلي:

تهديدات بالصواريخ متوسطة المدى، يمكنها حمل رءوس نووية، ولو بدائية، وهذه تهدد إسرائيل في المقام الأول والخليج وبقية الدول الواقعة في مدى الإصابة!

تهديدات برعاية جماعات إرهابية وتزويدها بالسلاح والمال.

تهديدات باحتضان حزب الله بوصفه فيلقا من فيالق الحرس الثوري الإيراني، مارقا على الدولة الشرعية في لبنان، ومجندا لحساب دولة خارجية هي سوريا تدفع له إيران! هو في الحقيقة يدافع عن المصالح الإيرانية في المقام الأول..

تهديدات بتمويل السخط الدينى والطائفي وتعميق الخلافات المذهبية داخل المجتمعات العربية.

وجهة نظر إيران تتطابق مع وجهة نظر أمريكا، من ناحية الاعتراف بامتداد رقعة النفوذ والتأثير، فطهران موجودة بالنفوذ وبالفلوس وبالجنود في دمشق وفي اليمن وفي العراق وفي لبنان! وكانت ستكون في مصر لبناء جيش عملاء مواز للجيش المصرى أيام مرسي الخائن!

معظم التهديدات السابقة متحققة بالفعل ومستمرة، وصادف الظرف التاريخي المحتقن وجود رئيس يجيد فن وبزنس الابتزاز، ترامب، فانتهج سياسة تضخيم العدو، على حساب العدو الأصلي الحقيقي! وهكذا شحب حضور العدو الإسرائيلي وحل حضور العدو الإيراني، وعلى أساس ديني مذهبى، قدمت ذرائعه طهران للأسف الشديد، بممارساتها التوسعية وتهديداتها لدول الخليج.
ولما كان عدو عدوي صديقي، وجد العرب والإسرائيليون أنفسهم في مواجهة عدو واحد، صناعة أمريكية الأصل.

جولة بومبيو هي لبناء قوة دفاعية عربية من الدول الخليجية الست، بشرط إتمام التصالح مع قطر، ومعهم مصر والأردن. من ناحيتها، فإن الجيش المصرى أعلن مبدأ نحن معكم.. مسافة السكة!
فماذا عن إسرائيل؟

بفضل مؤامرة تونس، ومؤامرة يناير، ومؤامرة ليبيا، ومؤامرة سوريا، باتت إسرائيل صديقة في السر وفي العلن، لمعظم مقاعد السلطة والسلطان في الدول العربية. الاتصالات والوعود والاعترافات والطمأنينة والتمهيد للاندماج الوشيك، كلها مؤشرات لا يمكن اغفالها.
تصريح مثل الذي أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي في حواره الأخير على محطة، CBSN عن التنسيق الأمني في سيناء ودخول الطيران الحربي المصري الأجواء الإسرائيلية باتفاق مسبق وتنسيق عسكري، لم يلق أي استغراب أو استهوال أو اندهاش..

بل استقبله الناس بوصفه أمرا طبيعيا، لأن العدو العاقل كان أداؤه اأشرف من الشقيق الخائن!

لا أقول قطعا وأبدا إنى أفضل إسرائيل، بل أصف ما صارت إليه مضاعفات الربيع العبري، بغباء وعمالة النخبة العفنة السطحية في مصر وفي ليبيا وفي سوريا وفي تونس وغيرها!

في نهاية المطاف، ماذا يريد ترامب من خلال وزير خارجيته: يريد جيوش ست دول عربية تتوجه بسلاحها.. إلى غير إسرائيل التي هي واقفة من قريب.. العضو السابع غير المعلن حتى الآن.. وإن كان على مضض عربي..

إن مضض المقهور هو بلل في ملابسه الداخلية.. درس التاريخ الساطع صنعه عملاء وجهلاء الربيع التخريبي في شوارع العواصم العربية، وتجني ثماره إسرائيل كما لم تحلم من قبل!
الجريدة الرسمية