رئيس التحرير
عصام كامل

وقفة مع النفس وكشف حساب


منذ أيام قليلة مضت سنة من أعمارنا واستقبلنا عاما جديدا، ولا ندري أنحن من الأحياء فيه أم من الراحلين والمراحيم، سنة مرت ومضت بكل ما كان فيها من أفراح وأحزان، ومن أعمال طيبة صالحة ترضي الرحمن سبحانه ومن سقطات ومعاصي وغفلة وزلات، وأعتقد أنه قد غاب عن كثير منا مراجعة نفسه في حاله مع الله تعالى، ومحاسبة نفسه عما مضى فيها، فشكر الله على النعمة والطاعة واستغفر واعتذر عن الإساءة والمعصية والغفلة والتقصير.


سنة مضت ولا ندري أكانت لنا رصيدا عند لقاء ربنا أم علينا، ومن هنا يجب على كل إنسان عاقل أن يراجع نفسه ويستعرض أحواله، وأن يقف بصدق مع نفسه، ويعمل لها كشف حساب أخذا بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في هديه القويم: "حاسبوا أنفسكم من قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم من قبل أن توزن عليكم، فالدنيا عمل بلا حساب والآخرة حساب بلا عمل".

هذا والإنسان العاقل له مع نفسه من آن إلى آخر وقفات.. يراجعها ويحاسبها ويعاتبها ويؤنبها، ويصحح ما صدر منها من أخطاء ويلزم باب الندم والاعتذار.. هذا من فضل الله تعالى على العباد أنه فتح لهم بابا للتوبة لا يغلق إلى يوم القيامة، ومن رحمته تعالى أيضا أنه عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار ويبسط يده سبحانه بالنهار ليتوب مسئ الليل، ويداه سبحانه مبسوطتان بالرحمة والتوبة والمغفرة وبالعفو والكرم والجود والإحسان.

ومن رحمته سبحانه وتعالى أيضا بعباده أنه لم يقنطهم من رحمته مهما بلغت ذنوبهم ومعاصيهم، حيث يقول عز وجل: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم".. أي تجاوزوا وبالغوا وتعدوا كل الحدود في اقتراف الذنوب.. "لا تقنطوا من رحمة الله".. ومن عظيم فضله تبارك في علاه أنه دلنا، وعرفنا في قرآنه ماذا نصنع عندما نقع في معصية وزلة كي يمحها فدلنا على الاستغفار، فقال عز من قائل على لسان سيدنا نوح عليه السلام: "قلت (استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا).

هذا ولقد أشار الرسول الكريم ونبي الرحمة صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى فضيلة الاستغفار، فقال: "من لزم الإستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب".. من هنا يجب علينا أن لا نغفل عن هذه الفضيلة ونلزم الاستغفار، ونجعله لنا وردا يوميا حتى لا نحرم من فضل هذه الفضيلة ومعطياتها.

وليكن لنا الاقتداء والتأسي بسيد أهل الكمال والعبادة والذكر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهو السيد المعصوم من الله تعالى ولنهتدي بهديه القويم وسنته الرشيدة، فمع كماله وارتقاءه فوق الخلق العظيم واعتلائه لكرسي سيد أهل الأخلاق والمكارم.. كان يستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة، وقام لربه عز وجل مصليا وذاكرا حتى تورمت قدماه الشريفة، وعندما أشفقت عليه أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وقالت له: "يارسول الله هون عليك فقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.. فقال لها: يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا".

عزيزي القارئ: يعلم الله تعالى أني أحب لك ما أحبه لنفسي، وأن أمر المسلمين أمر يهمني وأريد لنفسي ولكم السلامة والنجاة والفوز في الآخرة والسعادة، ولذا أذكركم بالله تعالى، وأنصحكم ابتغاء وجهه سبحانه الكريم، وأرجو الله تعالى وأسأله أن يجعل لكم وقفة مع النفس، ومراجعة أحوالها ومحاسبتها من قبل أن ينتهي الأجل ويفوت الأوان.

وفي الختام.. من لم تكن له وقفات مع نفسه في الدنيا، تطول وقفته عند الحساب في الآخرة.. وأسأل الله عز وجل أن تكون هذه السنة سنة خير وبركة على العباد والبلاد، وكل عام وأنتم بخير وفي أحسن حال.
الجريدة الرسمية