رئيس التحرير
عصام كامل

هل يعلم الرئيس؟


حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال الأسبوع الماضى، على توجيه الحكومة، مرتين في مناسبتين متعاقبتين، بضرورة تحصيل "حقوق الدولة" وعدم التفريط فيها تحت أي ظرف من الظروف، والتأكيد على أن كل من يحصل على خدمة حكومية يجب أن يدفع المقابل المادى لها.


الواضح من هذا التوجيه الرئاسى أنه لا يحمل تمييزًا لفئة دون أخرى، وأن جميع المواطنين، بلا استثناء، يجب أن يدفعوا "حق الدولة"، نظير الخدمات الحكومية التي يحصلون عليها، فهل تستطيع الحكومة تنفيذه على الوجه الذي يريده الرئيس؟

لا أعلم – على وجه اليقين- إذا كان الرئيس يعلم أن هناك فئات غير قليلة يتم استثناؤها من دفع الرسوم والمبالغ المستحقة على الخدمات الحكومية المختلفة التي يحصل أفرادها عليها، بالشكل الذي يحرم خزينة الدولة من مبالغ كبيرة جدًا أم لا. ربما لا يكون هناك قانون ينصُّ على إعفاء تلك الفئات من دفع "حق الدولة"، ولكنَّ الأمر صار عُرفًا له نفوذٌ يفوق قوة القانون.

هل يعلم الرئيس أنه في الوقت الذي لا يتأخر فيه أصحاب الرواتب والدخول الضعيفة والمحدودة، عن دفع الرسوم الحكومية المقررة على استهلاك المياه والكهرباء وغيرها، طوعًا أو كرهًا، ولا ينبغى لهم أن يتهربوا، فإنَ هناك فئاتٍ أخرى من أصحاب المقام الرفيع والدخول الفلكية والمزايا التي لا تنتهى، يتم استثناؤهم من دفع "حق الدولة"، فيتم إعفاؤهم من تسديد رسوم المياه والكهرباء وغرامات المرور والضرائب وكل ما يندرج ضمن قائمة الخدمات الحكومات، كبيرها وصغيرها؟

هل يعلم الرئيس أن هذا الاستثناء موجود ومستمر منذ سنوات طويلة، وتفاقم وتضاعف في السنوات التي أعقبت الثورتين الأخيرتين، ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة من إلغائه أو ترشيده؟

هل يعلم الرئيس أنه لو تصادف أن أحد المُكلفين بتحصيل "حق الدولة" طرق باب واحد من هؤلاء المحظوظين، ولو بطريق الخطأ، فإنه سوف يجد ما لا يسرُّه من سبٍّ وقذف وتوبيخ، وقد يصل الأمر إلى التدخل لدى رؤسائه لمعاقبته أو نفيه من دائرة عمله؟

هل يعلم الرئيس أن هذا الإعفاء "اللادستورى واللاقانونى واللاأخلاقى" لتلك الفئات المحظوظة التي يحظى أفرادها بالدخول المادية الكبيرة وبالنفوذ الطاغى، يثير غضب واحتقان من هم خارج تلك الفئات، ويخلق حالة من الانقسام الطبقى التي ما كان يجب أن تستمر في أعقاب ثورتين اتخذتا من "العدالة الاجتماعية" مبدأ أساسيًا وركنًا ركينًا؟

هل يعلم الرئيس أن التوجيه الذي كلف به الحكومة بشأن تحصيل "حق الدولة" لن يتم تطبيقه على جميع المواطنين، ولن تستطيع الحكومة كسر هذه الاستثناءات والقضاء عليها، ليس تكاسُلًا من جانبها، ولكن لأن أولئك المحظوظين يملكون من النفوذ الذي يجعلهم خارج دائرة دفع "حق الدولة" وفوق الدستور والقانون؟

أظنُّ أن الرئيس لم يكن يعلم بهذا العوار ولا يقرُّه ولا يرضى أن يستمر، فهل يُوجِّه الحكومة مُجددًا بأنه لا استثناءات لأية فئة من دفع "حق الدولة"، لأنه لا ينبغى أن يتحمل معدومو ومحدودو الدخل أعباء بناء الدولة وحدهم، في الوقت الذي يتم فيه إعفاء غيرهم ظلمًا وعُدوانًا؟
الجريدة الرسمية