رئيس التحرير
عصام كامل

المساجد الأثرية في مرمى الإهمال.. حرائق وسرقات بالجملة.. استهداف حشوات المنابر والنصوص التأسيسية.. كوارث المحال التجارية تنذر بالخطر.. وتداخل الاختصاصات مع الأوقاف يعيق إنقاذ الآثار الإسلامية

فيتو

حريق مسجد الفكهاني بمنطقة الغورية بسبب ماس كهربائي بأحد المحال التجارية الموجودة أسفله، فتح المجال للعديد من الإشكاليات التي تجول بخاطر الأثريين والمواطنين على حد سواء.


ويأتي على رأس هذه الإشكاليات أن المساجد الأثرية الموجودة وسط الكتل السكانية والمملوكة لوزارة الأوقاف أصبحت في دائرة الخطر لكونها مساجد معلقة أي يوجد بالدور الأرضي منها الكثير من المحال التجارية والإشغالات التي تكون معرضة للحريق في أي وقت، كما حدث من قبل مرات عديدة أو تشجيع اللصوص على سرقة حشوات منابر والنصوص التأسيسية لأهم تلك المساجد لكثرة الإشغالات بتلك المناطق.

وتسلط «فيتو» عبر التقرير التالي الضوء على هذه المشكلة.

ساتر رملي
أكدت مصادر مطلعة بوزارة الآثار، أنه تم إنشاء ساتر بأجولة الرمال خلف باب مسجد الفكهاني الذي تعرض للحريق الأسبوع الماضي لعدم تعرضه لأي أذى وصعوبة سرقة حشواته.

وقال سامح الزهار، الباحث في الآثار الإسلامية، إن المساجد الأثرية في القاهرة تعد واحدة من أهم تجليات المدينة التاريخية، فهي ليست مجرد دور عبادة قديمة، ولكنها تمثل جزء من شخصية القاهرة التي قال عنها ابن خلدون إنها حاضرة الدنيا وبستان العالم ومحشر الأمم.

إهمال المساجد
وأكد الزهار أن المساجد الأثرية في القاهرة تتعرض لعمليات سرقة ممنهجة، وفي أغلب الأحيان لا يتم الوصول إلى السارق، وذلك لعدة أسباب يأتي على رأسها أن تلك المساجد تتبع وزارة الأوقاف في ملكيتها؛ الأمر الذي يعوق عمل وزارة الآثار، المسئول الأثري الأول عن المساجد الأثرية ولكنها ليست الجهة المالكة، كما أن القانون يلزم وزارة الأوقاف بتوفير الاعتمادات المالية لعمليات ترميم الآثار الإسلامية التي تملكها ولكن "الأوقاف" لا تلتزم بذلك القانون وهو السبب الأول في تراجع أوضاع الآثار الإسلامية في مصر وعلى رأسها المساجد.

وأضاف الزهار: تمثل المساجد الأثرية أحد أهم أوجه التراث المادي، وهو من العلوم ثلاثية الأبعاد، الأول منها يمثله الإنسان سواء كان واعيًا بدوره ومدركًا لقيمته أم لا، والثاني هو الزمان أي الإطار التاريخي الذي غلّف هذا التراث، وهو متغير كالإنسان، أما الرافد الثالث فهو المكان وهو المسرح الذي تجري على خشبته مجريات الفعل الزمني، ولذلك يجب فهم الروافد الثلاثة بجدية حتى يستطيع القائمون على أمر التراث وضعه في الإطار الذي يليق به والمساجد هنا تمثل هذا الرافد.

سرقات المساجد
وأوضح أن هناك عددا هائلا من سرقات المساجد الأثرية أبرزها؛ سرقة النص التأسيسى من المنبر الخشبى لمسجد تمراز الأحمدى، وسرقة النص التأسيسى ليوان السادات الثعالبة التابع لمنطقة الإمام الشافعى، وسرقة الحشوات المكفتة بالفضة من باب مسجد السلطان برقوق بشارع المعز، وسرقة أجزاء من الباب الخشبي لمسجد الأشرف برسباي الأثري بمنطقة الجمالية، وسرقة لحشوات منبر مسجد السلطان الأشرف قايتباى بصحراء المماليك.

وتابع: بالإضافة إلى سرقة حشوات جانبي منبر مسجد الطنبغا المارداني، وسرقة بعض حشوات منبر مسجد أبو حريبة، وسرقة العديد من حشوات مسجد المؤيد شيخ والتي تكررت نحو خمس مرات، وسرقة حشوات بابي الروضة من منبر مسجد أزبك اليوسفي، واختفاء منبر مسجد قانيباي الرماح، وسرقة حشوات وزخارف الأطباق النجمية المكونة للمنبر وكرسي المصحف من مسجد جانم البهلوان بالمغربلين بمنطقة الدرب الأحمر.

وأكد أنه يجب ألا ننسى سرقة مشكاوات الرفاعي في يناير 2017، حتى وإن تم استردادها، والتي تعد نموذجا رائعا على طراز عصرها، ويتجلى فيها النسق الفنى العام بتجليات روحانية خاصة، وهي 6 مشكاوات من أصل 15 مشكاة موجودة بحجرة الملك فؤاد والأميرة فريـال بالمسجد، وهذه المشكاوات تعود إلى سنة 1328 هـجرية، تلك المشكاوات الزجاجية المصنوعة من الزجاج المموه بالمينا والتي يوجد عليها اسم الخديو عباس حلمى الثانى وتزين بكتابات بخط الثلث المملوكى لآية من سورة النور (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) ولم تكن المرة الأولى التي يتعرض فيها المسجد للسرقة.

واستطرد الزهار: "إذا لم تكن ثمة طريقة جاهزة مطبقة للحفاظ على المساجد الأثرية، فهناك على الأقل سلسلة من التدخلات والأفعال والمشاورات والإجراءات والتي بإمكاننا الاعتماد عليها، وعلى ما هو أكثر رسوخًا في مؤسساتنا المعنية بالتراث، يأتي على رأسها التعددية وإيجاد البدائل، لا تكفي الصرخات الدائمة التي تطلقها حملات المجتمع المدني ومواقع التواصل الاجتماعي، ولا يجب أن تكون الملاذ الأخير فقط ولكنها جرس الإنذار الذي ما زال يعمل، وأتعجب من المسؤولين الذين يحقرون من شأن تلك التحركات النابعة من فيض الإخلاص المتكامل للتاريخ وللذاكرة الجمعية، وهو ما لا يروق لمن يسمحون بسرقات التراث، ولكننا مضطرون إلى الاعتراف بأن تلك التصرفات العبثية في جوهرها لا يمكن تصورها في اصطلاحات كيمائية.

سوء تصرفات السكان
من جانبه، قال ممدوح عودة فريق، رئيس إدارة الأزمات بوزارة الآثار، إن الإدارة بالتنسيق مع الأمن يراجع الوصلات الكهربائية للمساجد والمحال التجارية المجاورة لها ومحاولة إقناع أصحاب المحال بتركيب مفتاح رئيسي للكهرباء في كل محل وأن يكون به طفاية حريق أو اثنين بوزن 12 كيلو حسب مساحة المحل وإزالة كافة التعديات والبروز على واجهات المساجد.

وأكد "عودة" أن معظم الآثار الإسلامية تعاني من كونها تقع في مناطق سكانية وتجارية التي لا تخلو من سوء تصرفات بعض السكان وأصحاب المحال التجارية التي لابد من رفع الوعي الأثري بينهم للحفاظ على الآثار والحضارة المصرية والمتابعة والمرور المستمر على تلك المساجد لمراجعة أي تجاوزات فيها.

سرقة الآثار
ووقعت العديد من السرقات على مدى السنوات السبع الماضية للآثار الإسلامية، بسبب تداخل الاختصاصات، ومنها سرقة "النص التأسيسي" من المنبر الخشبي لمسجد "تمراز الأحمدي"، وسرقة النص التأسيسي ليوان السادات الثعالبة التابع لمنطقة الإمام الشافعي.

بالإضافة إلى سرقة الحشوات المكفتة بالفضة من باب مسجد السلطان برقوق بشارع المعز، وسرقة أجزاء من الباب الخشبي لمسجد الأشرف برسباي الأثري بمنطقة الجمالية، وسرقة لحشوات منبر مسجد السلطان الأشرف قايتباي بصحراء المماليك، وسرقة حشوات جانبي منبر مسجد الطنبغا المارداني، وسرقة بعض حشوات منبر مسجد أبو حريبة.

وتمكنت الإدارة العامة لشرطة النقل والمواصلات ومباحث مترو الأنفاق، من ضبط موظف أمن بالمتحف القبطي وبحوزته ٨ قطع أثرية في محطة مترو مارجرجس.

وكشفت التحريات، أن المتهم يدعى "أيمن فرج"، موظف بإدارة الأمن بالمتحف القبطي، ضُبط أثناء مروره بمحطة مترو مارجرجس، وبتفتيشه عثر معه على 8 قطع أثرية مختلفة الأحجام، وضعها في شنطة من البلاستيك بعد أن سرقها من باب خشبي للقديسة بربار المعروض بالمتحف.

التعديات
وتعد التعديات على الأراضى الأثرية من كوابيس العمل الأثري التي تطارد المناطق والمواقع الأثرية ليلا ونهارا، حيث ينتهز المتعدون على تلك الأراضى أي فرصة للبناء عليها أو اقتطاع جزء منها لتحقيق أغراض شخصية ومكاسب خاصة.

وتتخذ إدارات المناطق الإجراءات القانونية ضد أي تعد على الأراضى الأثرية تبدأ بمحضر جنائى "إداري في القسم المختص"، ويدون برقم ثم إرسال خطاب للحى أو المحافظة التابع لها المنطقة الأثرية، وذلك لأمرين هامين وهما: إيقاف أعمال التعدى وعدم إدخال المرافق، ثم يتم تحرير محضر معاينة للتعدي، بالاشتراك مع إدارة المساحة والأملاك بالوزارة، وتضم لجنة المعاينة: "مفتش آثار - مدير المنطقة - وعضوا من المساحة والأملاك".

وتقوم لجنة المعاينة بسرد جميع الإجراءات التي تم اتخاذها وتوصيف دقيق للتعدى وتوقيعه على خريطة مساحية، ثم يعتمد المحضر من مدير عام المنطقة ومدير عام المساحة والأملاك، ويعرض بعد ذلك على رئيس قطاع الآثار الإسلامية الذي يتولى عرض محضر المعاينة على اللجنة المنبثقة من اللجنة الدائمة للآثار، وتتكون من 5 أعضاء من بينهم: رئيس القطاع ومدير عام الإدارة المركزية للتعديات ومدير عام المساحة والأملاك وذلك لاستصدار قرار إزالة للتعدى.

المياه الجوفية
وتهدد المياه الجوفية والصرف الصحي معظم الآثار والمناطق الأثرية الإسلامية لوجود أكثرها داخل الكتل السكنية الشعبية التي تفتقر إلى أي تخطيط أو نظام عمراني يوفر لسكان تلك المناطق جميع الخدمات، وما يوجد بها من خدمات بسيطة تهالكت عبر السنوات الكثيرة التي مرت عليها دون صيانة أو معالجة، الأمر الذي انعكس على الآثار الإسلامية وجعل معظمها مهددا بالانهيار.

وعانت مقابر كوم الشقافة بمحافظة الإسكندرية، من إهمال شديد وتغرق في المياه الجوفية، وذلك بسبب ارتفاع منسوب المياه بعد توقف إحدى طلمبات المياه الجوفية بشكل مفاجئ مما أدى إلى ارتفاع منسوب المياه بالمقابر.

القاهرة التاريخية
وأكد مصدر مسئول بوزارة الآثار، أن جميع الآثار الإسلامية مهددة بخطر المياه الجوفية في القاهرة التاريخية، مشيرا إلى أن جميع مناطق الآثار الإسلامية في الدرب الأحمر والجمالية وغيرهما تسبح على بحر من المياه الجوفية التي تحتاج إلى مشاريع ضخمة للتخلص منها وهذا يتطلب ترميم المنطقة وتطويرها بالكامل بما فيها منازل السكان غير الأثرية.
الجريدة الرسمية